تهاوت كل ذرائع تلاميذ مدرسة الرأسمال المتوحش، الذين طرحوا ورقتهم البيضاء وما رافقها من حملة تبشير بعهد اقتصادي فعال، وقطاع خاص نشيط يدعم الصناعة الوطنية ويهتم بالقطاع الزراعي وتطويره، والذين ادعوا ان مفتاح انفراج الازمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية هو تخفيض قيمة الدينار العراقي امام الدولار. وهكذا جاء القرار الكارثي باضعاف الدينار في كانون الاول ٢٠٢٠، بدعوى انه يفتح للعراقيين أبواب التنمية والازدهار والرقي والتطور، وانهاء الفساد وتوفير فرص العمل وحصر البطالة، وتحريك الاقتصاد وإيقاف تهريب العملة الصعبة الى الخارج.
لكن حساب البيدر لم يطابق حساب الحقل. فمزاد العملة لم تتراجع مبيعاته، التي يصل معدلها اليوم الى أكثر من ٢٠٠ مليون دولار، ولا دليل على الفشل افصح من تصريح السيد عمار حمد خلف وكيل محافظ البنك المركزي قبل يومين، حين قال ان “منافذ بيع العملة اليومية وتغيّر سعر الصرف لم يؤثر في المبيعات اليومية، والسبب الأساسي هو أن الاقتصاد العراقي بطبيعته اقتصاد ريعي، أحادي الجانب، ويعتمد على الاستيراد”. وهكذا فلم تتراجع مبيعات مزاد العملة كما ادعوا، ولم تتغير الطبيعة الريعية للاقتصاد العراقي، بل بقى احاديا معتمدا على تصدير النفط، وقد كانت نسبة الواردات غير النفطية الاسوأ في عام بالذات٢٠٢١!
النتيجة هي انه لم يتوقف تهريب الدولار الى دول الجوار، ولم نشهد استثمارات صناعية وزراعية، ولا تعالج مشكلة البطالة، ولم يتم دعم المنتج الوطني.
لقد بان فشل السياسة المالية لتلاميذ التوحش الرأسمالي، الذين أذعنوا لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واشتراطاتهما، وزيّنوا الطريق الى اخطر هيمنة وتدخل امبرياليين. ولا بأس من الإشارة هنا الى التجارب المريرة للشعوب، التي انحنى حكامها امام هاتين المؤسستين الماليتين الرأسماليتين وخضعوا لشروطهما، التي انتجت الفجوة المعيشية وزادت من الفقر، وأدت الى الاضطراب الاجتماعي.
لقد غرر البنك الدولي، برسائله المداهنة التي حملها رسل الشؤم ونجحوا في تمريرها عبر طغمة الحكم المتنفذين فاقدي الرؤية والغيرة الاقتصاديتين، وادخلوها في ميزانية ٢٠٢٠ عبر أعضاء مجلس النواب ممن لا هم لهم سوى مصالحهم، والمعروفين بالتصويت على طريقة (موافج) سيئة الصيت. ونتج عن ذلك تدهور معيشي ضرب في عمق الفئات المهمشة وأوجعها حتى وصل الى أصحاب الدخل المحدود، وتعداهم الى شرائح من الطبقة الوسطى.
اما صعود رصيد البنك المركزي فقد جاء بفضل ارتفاع أسعار النفط، ولا دور فيه لتلاميذ الرأسمال المتوحش، حيث تحدده السوق العالمية وبورصتها.علما ان لا فائدة لهذه الزيادة ان لم تنعكس في التنمية، بل ان هناك مفارقة تتمثل في كون ازدياد نسبة الفقر تترافق مع ازدياد رصيد البنك المركزي!، وهنا يبرز السؤال عن الفائدة من ازدياد رصيد البنك ان لم يسهم في وضع حد لاشتداد الفقر واتساع مساحته اجتماعيا.
ولم يستفد الصناعيون ادنى استفادة من خفض قيمة الدينار، بل أصبح بلاءً عليهم، حيث ان استيرادهم للمواد الأولية وقطع الغيار يتم بالدولار، وهم يبيعون منتجهم بالدينار، ما جعلهم في وضع لا يحسدون عليه.
فيما تضاعفت أسعار المواد الأساسية المعيشية، حيث وصل سعر قنينة زيت الطعام الى ثلاثة آلاف دينار بينما كان قبل هذ بدينار وربع الدينار. ولعل ربات البيوت اعلم من تلاميذ التوحش الرأسمالي بهول هذه الكارثة المعيشية.
عديدة هي علامات الفشل، تبدأ بمؤشرات الفقر والتضخم وتنتهي بالكوارث الاجتماعية كالانتحار وتعاطي المخدرات وارتفاع نسبة البطالة، الى جانب الاتجار بالبشر، واتساع ظاهرة الطلاق وتفكك الاسر وضعف الخدمات، وكل هذا يعكس الخراب الذي وصل اليه الاقتصاد العراقي.
أي ضمير انساني ياترى يمتلك واضعو هذه السياسة، وقد وصلت اعداد من يعيشون عندنا تحت خط الفقر حوالي خمسة ملايين عراقي، وبلغ التضخم حوالي ٨ في المائة حسب وزارة التخطيط. فيما تخطى الدين الداخلي حدود ٦٨ ترليون دينار، وتمت زيادة النقد المطبوع الى ٧٨ ترليون دينار. وهذا دليل إضافي على فشل السياسة النقدية التحوطية في مواجهة نتائج تضخم العملة المحلية وتأثيرها على المجتمع.
ان وعود تلاميذ توحش الرأسمال بإصلاح الاقتصاد العراقي والسياسة المالية العراقية عبر اضعاف قيمة الدينار العراقي، هي تضليل وخداع بانت حقيقتهما.
ويبقى تحسين المعيشية هو السبيل الى الاصلاح الحقيقي، ويظل مدخل ذلك يتمثل في تقوية قيمة الدينار العراقي امام الدولار، اما غير ذلك فهو مجرد بيع كلام.