هذه الدعوة مستوحاة من الأزمات المستمرة في الجامعات العراقية وحقيقة أن هذه الجامعات يقودها بشكل رئيسي الرجال. اعتقد أن عدم التوازن بين الجنسين في قيادة هذه الجامعات هو احد العوامل في الأزمات المستمرة التي أصبحت حاجزاً أمام تحقيق الجامعات لأهدافها، مما يعيق جهود الوزارة نحو تحقيق التنمية المستدامة.
تم توثيق غياب المرأة في إدارة التعليم العالي في جميع أنحاء العالم في إشارة إلى أنها ظاهرة عالمية. الأهم من ذلك، تم الاعتراف بهذه الظاهرة على أنها خسارة لجزء حيوي من الموارد البشرية.
طالما دفعنا هذا الإدراك إلى التركيز على تمثيل المرأة في إدارة التعليم العالي وطالبنا بإنصاف الاكاديميات العراقيات، بما في ذلك رفع الحواجز والتغلب على التحديات التي يواجهونها، مع تسليط الضوء أيضا على صفات الاكاديميات التي يمكن أن تحدث فرقا.
لقد ألهم التمثيل الناقص للمرأة في ادارة التعليم العالي وفي الجامعات العراقية اقتراحي للبحث والشروع في تعيين رئيسات جامعات وعميدات كليات لعدد من وزراء التعليم العالي السابقين. كنت اجادل بأن القيادة الاستبدادية للرجال هي التي تسبب الأزمات في التعليم العالي وفي الجامعات، وأن إشراك النساء في المناصب القيادية سيسهل بيئة أكاديمية سلمية في الجامعات العراقية لكون الرجل الاكاديمي يحترم ويقّدر المرأة القيادية.
اني متأكد ان المرأة القيادية يمكن تحدث فرقا في قيادة التعليم العالي وحل الأزمات في الجامعات العراقية. نظراً للطبيعة الذكورية للجامعات العراقية والمجتمع العراقي بشكل عام، نادراً ما يتم استكشاف إمكانات القيادة النسائية. لذلك تصبح الحاجة ملحة الى توفير المعرفة حول إدارة الجامعات العراقية من خلال استكشاف وإنتاج نموذج بديل للقيادة. والأهم من ذلك أننا نقدم حلاً يسهل الحد من الأزمات في التعليم العالي، وما إذا كان بإمكان المرأة أن تحدث فرقاً في ادارته على الرغم من ان هذا الطريق محفوف بالمخاطر لهيمنة المحاصصة والولاء السياسي على تعينات القياديين في التعليم العالي والجامعات.
تم اعتبار وجود النساء في التعليم العالي كتدريسيات وباحثات منذ بداياته أمراً حتمياً ومهماً. مع ذلك بقت المرأة غائبة عمليا عن المناصب القيادية في الجامعات العراقية. إن غياب القيادات النسائية في الجامعات العراقية هو نتيجة للقيم والممارسات الذكورية في المجتمع الأوسع التي تشربتها الجامعات العراقية.
يذكر تقرير الامم المتحدة (الاسيكوا)- “تعزيز المشاركة السياسية للمرأة في العراق”: إن التقاليد الابوية النابعة من ثقافة قبلية تميز ضد ُ المرأة وترفض قيادتها. وهذا التمييز منسوخ ومدمج في النظام السياسي. وبالتالي، تدار الحياة السياسية وفقا لمعايير وقيم ذكورية. وكثيراً ما تختار الاحزاب السياسية المرشحين للانتخابات بناء على انتماءاتهم ّ القبلية، وهو نظام متحيز للرجال.
تتجلى هذه النزعات الذكورية في التعليم والتعلم والتطلعات إلى مناصب قيادية، وفي المناهج الدراسية وطبيعة التعليم الذي يمكن أن يؤدي إلى عدم تمكين المرأة بحيث ان مزيجا من عملية التعلم هذه والدين والتنشئة الاجتماعية الأخرى تحد من تمكين المرأة في نهاية المطاف. علاوة على ذلك، تميل السياسات الحزبية (المحاصصة والتعينات الرسمية) في التعليم العالي إلى استبعاد النساء. وبالتالي، فإن العديد من الأكاديميات الكبار لا يفكرن حتى في التنافس على المناصب القيادية. هذا بالإضافة إلى أن المرأة ممثلة بصورة نافصة في الابتعاث والتوظيف وصنع القرار في الجامعات، مع هذا المستوى المنخفض من التمثيل، يصعب على المرأة أن تصل إلى مناصب قيادية في الجامعات. إن الوضع في الجامعة يشبه ما يحصل في المجتمع الاوسع.
تاريخياً، لم يتم تكوين النساء اجتماعياً ليصبحن قائدات في أي مرحلة من حياتهن، ولم يُنظر إلى النساء على أنهن أقل شأناً فحسب، بل تم تهميشهن وحرمن من تكافؤ الفرص. المناصب القيادية الاكاديمية والعامة الأخرى من اختصاص الرجال. بشكل عام، أدى التقسيم السائد للعمل بين الجنسين إلى تولي الرجال والنساء مناصب غير متكافئة من حيث السلطة والهيبة. في العراق قبل 2003، كانت هناك حالات استثنائية من النساء مثل الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة البلديات في عهد عبد الكريم قاسم، وهي اول امرأة تستلم منصب وزاري في العالم العربي. وفي عهد حكم البعث صارت الدكتورة سعاد خليل اسماعيل اول وزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي في العراق، وهي المرأة الوحيدة التي شغلت هذا المنصب، لكن هؤلاء النساء كان يُنظر إليهن على أنهن استثنائيات.
هناك عدد قليل جدًا من النساء بدرجة استاذ في الجامعات العراقية مما يجعل من الصعب على النساء الحصول على كتلة حرجة يمكن من خلالها جعل أنفسهن قوة في الصراع من اجل تبوئ مناصب قيادية في الجامعات العراقية. من الجدير بالذكر أنه لا يوجد قانون يستبعد النساء من المجال الجامعي القيادي في العراق، ومع ذلك، هناك تمييز غير معلن يميل إلى إقصاء النساء من الفضاء الجامعي مثل الممارسات التمييزية ضد المرأة في مؤسسات التعليم العالي كعدم ترشيح الاكاديميات او عدم اختيارهن لرئاسة اللجان ولرئاسة الاقسام وللعمادات ولا لرئاسة الجامعات، ويتم اختيار القادة واتخاذ القرارات في مقرات الاحزاب وعندما تكون المرأة في المنزل تطبخ وتعتني بالأطفال. وبالرغم من هذا التمييز تسلمت كل من الدكتورة صبا عدنان غني والدكتورة فردوس الطريحي رئاسة جامعتين حكومتين ولفترة قصيرة نسبيا. في الواقع، أخبرني أحد الوزراء ذات مرة أن واجب المرأة هو البيت اولاً وليس في الجامعة، ناهيك عن كونها مسؤولة جامعية لعدم امتلاكها القوة والتأثير.
والأهم من ذلك، أنه لا توجد اي سياسة تضمن عدم التفريق بين الجنسين وانعدام سياسة تضمن المساواة والحريات الاكاديمية في الجامعات العراقية. لذلك، وعلى عكس البرلمان العراقي حيث توجد كوتا نسائية بمقدار 25% من اجمالي مقاعد البرلمان فإن انعدام وجود مثل هذه السياسة في الجامعات العراقية يمنع اشغال المرأة مناصب قيادية في الجامعات. سياسة المساواة الجندرية، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ستكون أداة إصلاحية يمكنها من إحداث تحول في الجامعة من حيث تولي المرأة مناصب القيادة في الجامعة وبرأيي انه سيؤدي إلى تقليل الأزمات في العديد من الجامعات.
في هذا الجانب، من المهم تحديد المناصب المهمة التي تشكل قيادة التعليم العالي والجامعات. وتشمل هذه المناصب وزير التعليم العالي، ووكلاء الوزير، والمدراء العامون، ورؤساء الجامعات، ومساعدي رئيس الجامعة، والعمداء، ورؤساء الاقسام. يتم تحقيق هذه المناصب من خلال التعينات والاختيارات. ومن المثير للاهتمام أنه لا يوجد قانون مكتوب يمنع المرأة من تولي هذه المناصب. ومع ذلك، فإن الواقع المخفي يعمل ضد النساء ويمنعهن من بلوغ هذه المناصب. الحقيقة أن القيادة الجامعية تتكون بشكل أساسي من الرجال هي مؤشر على أن هذا هو نموذج واحد للقيادة يتم استخدامه لإدارة هذه الجامعات من قبل القيادات السياسية وفق اسلوب المحاصصة المشؤومة. وهذا يجعل ابعاد النساء عن القيادة في التعليم العالي أمرا حتميا.
هناك حاجة الى وضع النساء في قيادة التعليم العالي والجامعات. السؤال هو هل يمكن للمرأة ان تحدث فرقا ايجابيا وتحد من الازمات. انا اعتقد ان ذلك ممكن.