يكشف الصراع الجاري بين القوى المتنفذة ان الديمقراطية وتبني آلياتها هما آخر ما يخطر على بال المتنفذين. فالسلطة وامتيازاتها هي ما يشغل بال طغمة الحكم، ولا أولوية سواها تحظى باهتمامهم. وشبح اخراجهم من السلطة هو الكابوس الذي يؤرقهم، لذلك لم يجدوا في المواد الدستورية ما يمنع أي انتهاك دستوري يقدمون عليه، ما دام يؤمن لهم البقاء في السلطة. وقد اتضح جليا ان لا توقيتات الدستورية يلتزمون بها، ولا شيء غير السلطة يفكرون به، ولسان حالهم يقول: السلطة السلطة وليأتِ بعدها الطوفان!
انهم لا يكترثون للركود السياسي الذي جروا النظام السياسي اليه، والذي هو نتاج فكرهم المأزوم. وان حالة الاستعصاء السياسي، وإيقاف الإجراءات الدستورية الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، وتعطل تشكيل الحكومة المرتقبة، انما هي من منتجات ازمة نظام الحكم، التي عجز نهج المحاصصة عن حلها. وكيف يحلها وهو الذي سببها وتسبب في تفاقمها.
لا عجب في اصرارهم على التوافق والتحاصص، ولا غرابة في رفضهم أية صيغة للحكم غير ما درجت طغمة الحكم عليه. لهذا يفعلون المستحيل كي لا تمرر حكومة الأغلبية، ولا الاغلبية الوطنية، ويعيقون تمرير حتى حكومة محاصصة تستثني طرفا واحدا منهم!
لقد كانت حكومة الأكثرية مجرد شعار صدعوا الرؤوس به في الحملات الانتخابية. وما ان انتهت الانتخابات حتى اتضح زيف ادعائهم، وبات الكذب والتدليس مكشوفا للجميع. فعادوا يزوّقون خطابهم الطائفي بمسميات مداهنة، مثل الاستحقاقات الانتخابية، والمشاركة، والحفاظ على السلم الأهلي. وكل هذا لاخفاء منهجهم الذي لن يغادروه، منهج المحاصصة المنتج للفساد، والذي سبق لزعمائهم ان اعترفوا بفشله وفشلهم في إدارة الدولة.
ويبدو ان من العبث فتح النقاش مع طغمة الحكم حول المواد الدستورية، المتعلقة بإجراءات انتخاب رئيس الجمهورية وتوقيتاتها الزمنية، وبنصاب جلسات مجلس النواب وقانون انتخابات رئيس الجمهورية وأحكام المحكمة الاتحادية وتفسيراتها، والطعون التي قدمت، والفراغ الدستوري، وان من العبث مناقشتهم في كل ذلك، فهم يطوّعون كل شيء لمصالحهم، ولا يتورعون من استخدام ما يملكون من إمكانيات وعلاقات دولية واقليمية في صراعهم من اجل السلطة والبقاء فيها.
ان علينا ألا ننتظر من طغمة الحكم غير المزيد من الإخفاقات، وسوى استيراد افشل تجارب أنظمة الحكم من مثل الطائفية، بدلا من اعتماد المواطنة واساسا لبناء النظام السياسي. وها هم اليوم يهددون بالثلث المعطل كما هو الحال في لبنان!
لقد سبق لنا القول ان نتائج الانتخابات ستكون كاشفا جديدا لأزمة النظام السياسي، في ما يخص صراع المتنفذين على السلطة، بغض النظر عما حصلت عليه هذه الكتلة او تلك من مقاعد برلمانية. فعدد المقاعد التي يحصلون عليها لا يعني لهم شيئا، زاد ام نقص، فمنهجهم في كل الاحول هو مسك السلطة وعدم مغادرتها.
لهذا لم يكترثوا بتراجع أصواتهم، ولم يهتموا بمغزى مقاطعة ٦٥ في المائة من الناخبين للتصويت، ولم يتعظوا بدروس انتفاضة بحجم تشرين، وعزم شبابها الذين عرّوا الخطاب الطائفي، وفضحوا فساد المفسدين.
وان من المهم القول ان تشرين لم يكن هبّة وانتهت، فتشرين ثورة وإن لم تكتمل شروط انتصارها، ولعلها بكل صفحات مجدها عبارة عن تمرين لانتفاضة كاملة عاصفة قادمة، تقتلع الفساد من ارض السواد.