أكد القاضي فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى ضرورة تعديل دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥، وبيّن رأيه هذا في مقال بعنوان “تعديل الدستور.. ضرورة يفرضها الواقع السياسي” نشر يوم ١٤ شباط على موقع مجلس القضاء الأعلى.
وأشار في المقال بشكل جلي الى اهم المواد التي تسببت أحكامها في تعثر تشكيل السلطات، ومنها تلك التي تشترط موافقة “أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب”، ما يتطلب تعديل الصياغات الدستورية للمواد ذات العلاقة ٥٢، ٦٥، ٧٠، ٩٢، كذلك المادة ٧٦ المتعلقة بالكتلة النيابية الأكثر عدداً، التي نشأت إشكالات في فهمها وتفسيرها.
عندما يتوقف رئيس السلطة القضائية امام هذه المواد، داعيا الى اجراء التعديلات التي لا بد منها لمواكبة التطورات، فانه بهذا يدق الجرس ويحذر من خطورة إبقاء كل ما يعيق سير النظام السياسي واستقراره، وضمان التحول الديمقراطي بما يرسخ مفهوم المواطنة ويؤمّن فصل وتعاون السلطات، ويؤكد الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
وطبيعي ان هناك مواد أخرى تحتاج الى تعديل، بدءا من الدّيباجة التي هي جزء من الدستور، رغم خلوّها من المواد القانونية، حيث تمثل الرؤية التي يبنى عليها الدستور، والتي ينبغي ان تكون المواطنة فيها واضحة بجلاء لكونها وحدة بناء النظام السياسي. وهذا ما يتطلب تعديل الصياغات التي تعزز فهم ذلك. كذلك رفع ألغام الصياغات المبهمة والملتبسة وتلك التي تتحمل أكثر من قراءة وتفسير، واستبدالها بصياغات قانونية واضحة لا تقبل الاجتهاد، وتغيير كل ما يشير الى دولة المكونات التي استغلها المتنفذون في صراعاتهم على السلطة ومكاسبها لمصالحهم الشخصية والفئوية والحزبوية، واسسوا في ضوئها نظام المحاصصة الطائفية ونهج تقاسم السلطة، وولدوا الانقسام وهددوا وحدة نسيج الشعب العراقي.
ان المطالبات بالتعديل الدستوري لا تعد ترفا سياسيا او فكريا، او بدعة. فقد أجبرت الظروف وتطورات الاحداث بلدان عديدة على إعادة صياغة دساتيرها. ومن بين ابرز الأمثلة على ذلك التعديلات التي أجريت على دستور الولايات المتحدة الأمريكية. فالدستور الأمريكي الذي غدا نافذا يوم ٢١ حزيران عام ١٧٨٨، تم تعديله ٢٧ مرة، وأجريت تعديلاته العشرة الأولى عام ١٧٩١، كما تمت مناقشة آلاف التعديلات الاخرى على مر السنين، وكان آخر مصادقة على آخر تعديل يوم ٧ أيار ١٩٩٢.
ويعتبر التعديل الدستوري الوسيلة الأبرز لإصلاح النظام عبر معالجة الاشكاليات التي تشوب المواد الدستورية، واستيعاب الجديد وسد النقص التشريعي وتعديل القصور في الصياغات.
ولم تتوقف الدعوات لتعديل الدستور العراقي منذ اقراره في الاستفتاء العام حتى الآن، ليس فقط بسبب تغير الظروف التي كتب فيها وما رافق ذلك من ملابسات سياسية، بل لان مواده كتبت في عجالة، وبان النقص التشريعي في اكثر من مكان. لذا فليس من الصحيح بقاء الدستور دون مراجعة، بل يتطلب الامر مراجعة مواده بما يتناسب مع التطورات والمتغيرات، سيما وان المادتين الدستوريتين ١٢٦ و١٤٢، اتاحتا إمكانية التعديل.
ان أحد اهم مداخل اصلاح النظام واستقراره هو الاقدام على تعديل الدستور، بما يوضح صلاحيات كل سلطة، وحقوق المواطنين وحرياتهم وعيشهم الكريم.