يبدو ان السؤال في شأن مأزق الفراغ الدستوري ومآله يفرض نفسه بقوة، ويتطلب جوابا عمليا غير قابل للتسويف. لكن فكر طغمة الحكم اوصد أبواب الحل، حين اغلق مسار الإجراءات الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وتمهيد الطريق نحو تسمية الكتلة الأكثر عددا، وتكليفها باختيار من يكلف بتشكيل مجلس الوزراء الجديد. فهذه الطغمة لا يشغل بالها سوى الاحتفاظ بالسلطة، لانها لا تعبأ بغير مصالحها الذاتية والحزبوية الانانية الضيقة، والامثلة على ذلك لا حصر لها.
يدور الصراع السياسي بين محورين: محور الإطار التنسيقي الذي يجمع قواه ويحشدها لتبلغ ١٣٨ نائبا وربما أكثر، وهو العدد الذي يؤمن لهم ما يسمى بالثلث المعطل، الذي يتلخص هدفه في إعاقة مسعى التحالف الثلاثي لتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية. من جهة أخرى لم تتبلور رصانة التحالف الثلاثي ومتانته، فهو لم يطرح برنامجه المعتمد بإجماع اطرافه، ولم يعلن آليات تنفيذ هذا البرنامج. لذلك لم يحض بتأييد شعبي علني، بل ان التوجس والشك في جدية اطراف التحالف في تحقيق الإصلاحات هما السائدان، ولم تصدر وثيقة تتعهد بالإصلاح السياسي بما يرسخ المواطنة، وتقضي بتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية – الاجتماعية ابتداءا بإرجاع قيمة الدينار العراقي، وتنويع اقتصاديات العراق، وتوفير فرص العمل للشباب، وضمان العيش الكريم للمواطنين، ومكافحة الفقر ودعم الشرائح المهمشة، وفتح ملفات الفساد، وتقديم الفاسدين للقضاء، واعتماد الموقف الحازم ازاء التدخلات الإقليمية.
لا يلوح في الأفق مخرج من حالة الانسداد. ولم تجد نفعا محاولات المتنفذين الاتكاء على القضاء، ورمي الكرة في ملعب المحكمة الاتحادية. فقضاة المحكمة اكثر حنكة وفطنة وهم أصحاب الخبرة بالقانون، لذلك سرعان ما ردوا الكرة الى ملعب مجلس النواب. حيث قضت المحكمة امس الاول الثلاثاء بعدم دستورية فتح رئاسة البرلمان باب الترشيح مجددا لمنصب رئيس الجمهورية، وألزمتها بعرض فتح باب الترشيح مجددا للتصويت في البرلمان وفق المادة ٥٩ من الدستور العراقي، ولمرة واحدة فقط.
ان البحث عن مخرج من هذا الانسداد هو من أولويات التفكير السياسي لانتشال النظام السياسي من هوّة أزمته المستفحلة، المتواصلة منذ التغيير عام ٢٠٠٣. الا ان من الواضح ان فكر الطغمة الحاكمة وصل الى أشد حالات بؤسه، وهو عاجز عن إيجاد منهج بديل للمحاصصة. ولذا فان فكر المحاصصة المأزوم الفاشل والمخزي، بكل ما خلّف من خراب وما أنتج من فساد، هو كل ما تقدمه الطغمة، التي تعرضه اليوم باسم التوافق والمشاركة.
ان ازمة انتخاب رئيس الجمهورية تشكل كاشفا جديدا لعمق أزمة النظام السياسي. فما من حل في الأفق يرضي طرفي الصراع، ولهذا ستبقى الازمة مفتوحة أشهرا أخرى، وربما تمتد أكثر لتصل الأمور حد الدعوة الى انتخابات مبكرة أخرى.