يعكف أعضاء في مجلس النواب على اعداد مقترح (قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية)، الذي سُحب مشروعه المقدم من طرف الحكومة، قبل ايام، إثر صدور قرار المحكمة الاتحادية بشأن حدود الصلاحيات الدستورية لحكومة تصريف الأعمال اليومية، والتي ليس من بينها صلاحية تقديم مشروعات القوانين الى مجلس النواب.
وقد توجه النواب الى تهيأة مسودة القانون ذاته كمقترح برلماني هذه المرة وليس كمشروع قانون حكومي، وكتدبير مؤقت يعوض بعض فقرات قانون الموازنة الاتحادية، الغائب حتى الآن.
واستند النواب الساعون الى ادراج مقترح القانون على جدول اعمال مجلس النواب، على الفقرة (ثانيا) من المادة الدستورية (60) التي تنص على ان (مقترحات القوانين تقدم من قبل عشرة من اعضاء مجلس النواب او من احدى لجانه المختصة).
لكن هذا في رأي خبراء دستوريين لن يكون طريقه سالكا امام المشرعين، ذلك انه مقطوع بقرار المحكمة الاتحادية المرقم 44/اتحادية/2010 في 12/7/2010، والذي يقول ان (مقترح القانون لا يعني مشروع القانون، لان المقترح فكرة، والفكرة لا تكون مشروعا، ويلزم ان يأخذ المقترح طريقه الى احد المنفذين المشار اليهما لإعداد مشروع قانون). والمنفذان المقصودان هما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وفقا للفقرة أولا من المادة الدستورية (60) التي نصت على ان (مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء).
من جهة أخرى سبق للمحكمة الاتحادية وأصدرت قرارا بالعدد (21/اتحادية/2015) وموحدتها ( 29/ اتحادية/2015)، يقضي بان كل تشريع فيه جنبة مالية يجب ان يقدم من قبل الحكومة. وتم تأكيد ذلك بقرار المحكمة الاتحادية (25/اتحادية/2021) في 29/9/2021، في الدعوى التي رفعها رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي إضافة الى وظيفته ضد رئيس مجلس النواب الأسبق سليم الجبوري إضافة الى وظيفته.
لقد خبرنا صراع المتنفذين على الميزانيات السنوية، وكيف يؤمّن كل منهم لنفسه حصة منها قبل إعطائه صوته لها وتمريرها كتشريع. ولا حاجة هنا للاشارة الى غياب الشفافية في صرف بنودها، وعدم عرض الحسابات الختامية، حيث لا يمكن حجب الفساد بغربال.
ولا ننسى انهم حين لا يتفقون على حجم حصة كل منهم، لا يمررون الموازنة، وذلك ما حدث في عامي 2014 و2020. وقد وجدوا في قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 مخرجا، حيث توفر لهم المادة 13/ أولا امكانية الصرف بنسبة 1/12 من إجمالي المصروفات الفعلية، في حال تأخر إقرار الموازنة الاتحادية.
ان حدة صراع المصالح الخاصة الدائر بين المتنفذين، العاجزين عن اخراج العراق من هوة الازمة المستفحلة التي وضعوا العراق فيها، سيجر القضاء على ما يبدو الى ساحة الصراع السياسي، وسيزيد من التشكيك فيه واتهامه بالانحياز. وبذلك يعرّض ثالث أهم ركيزة للنظام السياسي للأهتزاز، فيعمق أجواء عدم الثقة و يزيد الأوضاع اضطرابا، ويزيد من حدة الازمة المتجذرة أصلا، والتي تهدد تداعياتها حياة المواطنين ومعيشتهم. وهي التي تعصف بها اصلا مشاكل اجتماعية هائلة، جراء ارتفاع كلف المعيشة الباهضة في ظل ارتفاع الأسعار، وتصاعد نسبة البطالة بين الشباب.
لكن طغمة الحكم والفساد لا تبالي بالأعباء الاجتماعية، ولا تدرك ان أي إعاقة لسياسات تخفيف أعباء الفقر، واستمرار التلكؤ في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ستكون لهما تداعيات يصعب تصور خطورتها على الأوضاع العامة.