فتح النظام السابق ممرا صغير لعبور المخدرات عبر أراضي العراق في إطار صراع أجهزة المخابرات الإقليمية، التي لا تتوانى في استخدام أشد الأسلحة فتكا بشعوب المنطقة. فكان هناك منفذ محدد تمر عبره السموم القاتلة تحت اعين المخابرات نحو بعض الدول الإقليمية، ومن دون الدخول الى الأسواق المحلية. اما اليوم فقد اصبح العراق معبرا رئيسيا للمخدرات، وفوق ذلك سوقا كبيرة لها، حيث بلغت اعداد المتعاطين أرقاما مفزعة، وهي في تصاعد ولا تتوقف نسبتها عن الارتفاع. وهي تعبر المقاهي والكافتريات وتنتشر في المدارس بعد ان اجتاحت الكليات، وهي على اعتاب كل بيت تحاول اقتحامه حال توفر أدنى مجال.
هذه التجارة الكارثية لا يمكن ان تجد في العراق طريقا دون دعم جهات نافذة ترعاها. وهناك قطعا تقصد لا يخفى على اللبيب، واهداف واضحة تنحصر في توريط شابات وشباب العراق.
يقال انه في أوقات مضت وزعت المخدرات
في بعض المدارس مجانا. كما يتردد ان وراء ذلك جهدا إقليميا خبيثا، وعصابات مسلحة مدت جذورها في عمق مؤسسات الدولة، وفاقت قوتها إمكانيات مؤسسات الفساد، بل وتحالفت معها. نعم، وفّر الفساد لتجار المخدرات الغطاء والحماية، بعد ان تغوّل وامتلك أجهزة ابتزاز إعلامي، وأدار العصابات الاجرامية التي لا تتوانى عن ارتكاب أية جريمة مهما كانت بشاعتها. وفي النهاية عُدت تجارة المخدرات أحد اهم مصادر تمويل العصابات، وسجلت تفوقها في بعض الأحيان من حيث السرعة والاعداد والإدارة والانسيابية والحركة الدؤوبة، على مؤسسات الدولة.
وليس هناك من يستغرب سعة تأثير وعلاقات شبكة تجارة المخدرات الأخطبوطية وخطورتها، وقد اقترفت جريمة قتل القاضي احمد فيصل، المختص بقضايا المخدرات في محكمة استئناف ميسان، بوقاحة وفي وضح النهار وسط حي المعلمين امام مبنى الكاتب العدل في مدينة العمارة. فيما تمكنت شبكة أخرى من تهريب 15 موقوفا بتهم الاتجار بالمخدرات، من مركز شرطة القناة شرقي العاصمة بغداد. بل وبلغت من القوة درجة التأثير حتى على السلطات السيادية، ويكاد يعجز الانسان عن تصديق تعاونها في قصة إطلاق سراح ابن محافظ النجف الأسبق، بعد القبض عليه بالجرم المشهود والحكم عليه بالسجن. حيث لم يبق فيه طويلا، وأطلق سراحه بعفو رئاسي خاص.
لا يمر يوم دون ان نسمع اخبار ضبط ملايين الحبوب المخدرة، والقاء القبض على تجار مخدرات ومداهمة اوكارهم، وقد أعلنت وزارة الداخلية قبل أيام انها القت القبض على أكثر من 5300 متورط ومتهم بتجارة وترويج المخدرات وتعاطيها، خلال الأشهر الأربعة الماضية.
لكن كل الجهد الذي تبذله القوات الأمنية لم يقطع دابرهم، ووصلت امكانياتهم حد استخدام الطائرات المسيرة في نقل سمومهم بين المدن العراقية: الكريستال والحشيشة من إيران في اتجاه محافظتي البصرة وميسان، وحبوب "الكبتاغون والمؤثرات العقلية" عن طريق سوريا نحو محافظة الأنبار.
ان موضوع المخدرات وانتشارها في العراق، أكبر وأخطر مما خصص له من جهد وامكانيات ودراسات حتى الان.
ومؤكد ان وراء اغراق العراق بالمخدرات توجه متعمد لتدمير شباب العراق، وقطع الطريق امام استنهاض بلدنا. وهذا ما تطرب اليه طغمة الحكم، التي تحالفت سرا وعلانية لتفكيك الانتفاضة الهادفة الى التغيير بقوة عقول الشباب ووعيهم. لكنها تقف اليوم متفرجة امام الكارثة المحدقة التي تهلك شبابنا..
ولو ان طغمة الحكم بذلت نصف الجهد الذي كرسته لتفكيك الانتفاضة، في تفكيك شبكة الاتجار بالمخدرات، لما بقي لهذه السموم سوق، ولما بقى تاجر مخدرات واحد طليقا. ولما مر غرام واحد من الكريستال وحبة واحدة من حبوب الهلوسة، عبر حدود العراق.