الاجماع الشعبي والسياسي على تخلف الدستور وعدم مواكبته للتطورات السياسية، يؤشران الحاجة الى مراجعة شاملة له وتغييره، باعتبارها ضرورة غير قابلة للتأجيل بعدما أمسى أحد اركان الازمة السياسية، وليس مفتاحا لحلها.
ومن غير الممكن الاحتكام فترة اطول الى دستور مضى على اقراره أكثر من عقد ونصف العقد من السنين، وبصيغة شابها الالتباس منذ البداية، وانطوى بعض مواده على ألغام تتفجر عند كل منعطف سياسي.
هذا الدستور لم يعد صالحا كعقد اجتماعي، إذْ تراجعت درجات الرضا عليه، وتبدد القبول العام به، ولم يعد يمكن الانطلاق منه في تنظيم إدارة الحكم وضمان التداول السلمي السلس للسلطة. وزادت من ذلك التفسيرات المتباينة بل والمتناقضة في تعريف الكتلة الأكبر، وتكليفها بتشكيل الحكومة.
لم يعد هذا الدستور قادرا على تأمين استقرار المنظومة السياسية الحاكمة، بل وأصبح عائقا امام التطورات السياسية. ولهذا فان الدعوات الى حل الازمة انطلاقا منه وبالاعتماد عليه، انما تهدف بقصد او من دونه، الى مواصلة الدوران في فلك الازمة والى الإبقاء عليها. والمخارج التي تتمسك بنصوص مواده الملغومة والملتبسة، ليست في الواقع مخارج ولا حلول للازمة، وانما هي غوص في متاهات اكثر تشابكا، ويمكن القول انها لم ترتق الى ادراك عمق الازمة العامة التي تعصف بالمنظومة السياسية القائمة بشكل خاص وبالمجتمع بشكل عام، ولا تتفهم الوضع الاستثنائي الذي يعصف بهذه المنظومة، والذي بات ينذر بما لا تحمد عقباه، إثر تعمق الصراع الاجتماعي والسياسي، وتفاقم الاحتراب بين القوى الماسكة بالسلطة، وعجز مواد الدستور عن تنظيم العلاقات السياسية، وعن ضمان إدارة الصراع وضبطه.
بكلمة واضحة لا لبس فيها، ان الوضع الاستثنائي الذي نعيشه يتطلب حلولا استثنائية، وليس تقييد المواد الملغومة والصياغات الملتبسة في دستور غير قادر على تأمين استقرار نظام متهالك.
ان عدم منح التعديلات الدستورية الأولوية، وعدم وضعها في رأس جدول العمل والتعامل معها كمدخل أساسي لتجاوز عنق الازمة، يعنى الاصرار على وضع البلد في كف عفريت.
ومؤكد ان هناك أسئلة بشأن المواد التي يتوجب ان تشملها المراجعة، ومنها مثلا المتعلقة بشكل النظام السياسي، كذلك بالتوقيت والمدة الضرورية للنقاش، والحد الزمني للاستفتاء الشعبي العام، وكل هذا ارتباطا باللحظة الراهنة، ودهاء طغمة الحكم التي قد تستغل الأمر للإفلات من الغضب المتصاعد عليها، وللافلات من مأزقها الحالي.
نعتقد ان الجواب على كل ذلك مرتبط بالإرادة الوطنية، ومرهون بإصرار وعزم وقدرة الإرادة الشعبية، وشدة ضغطها على القوى السياسية للاقدام على التعديل، وبخصوص اتجاهاته.
وفي رأيي انها يجب ان تجسد النظام الديمقراطي الفيدرالي واللامركزي لعراق موحد، بشكله البرلماني، وتجسيد موضوعة المواطنة اساسا وتعزيزها، مع احترام التنوع القومي والديني، وضمان التعددية الفكرية والسياسية، وتأمين العدالة الاجتماعية والمساواة، وإعتماد الشفافية والمحاسبة وضمان الحريات و الحقوق، والفصل بين السلطات الثلاث مع تأمين تعاونها المتبادل، والتوضيح الكامل لصلاحيات كل سلطة من السلطات الثلاث، وتأكيد سيادة العراق واستقلاله، وكل ما يضمن كرامة الوطن والمواطن.