لا دلالة على فشل النظام السياسي أبلغ مما حدث يوم 23-8-2022 ، وبيّن بجلاء عدم قدرته على التعامل مع أي تطور مفاجئ. فقد تشكلت معالم صورة تراجيدية في اللحظة التي نصب فيها المحتجون الصدريون خيمهم امام بوابة مجلس القضاء الأعلى، فيما مجلس النواب معطل، وحكومة تصريف الاعمال خاوية، ومجلس القضاء آخر ركيزة للنظام عُلقت اعماله.
لقد شُل النظام السياسي بالكامل، ولم يبق في جعبة أحزاب طغمة الحكم غير البيانات الركيكة، المدافعة عن وجودها في السلطة باسم الدفاع عن النظام. وبرهنت تلك اللحظة التي لم يعد المتنفذون يعرفون فيها كيفية التصرف، وفقدوا القدرة على إدارة الازمة، فاتضحت هشاشة منظومة حكمهم وعدم استعدادها للتعامل مع أي حدث من هذا النوع، برهنت على عجزها عن مواجهة أي حدث بمستوى ما حصل. فكيف والمتوقع هو وقوع احداث أكثر جسامة مما شهدناه.
لم يكن هذا الحدث الدراماتيكي الا ثمرة متوقعة لنظام الهشاشة، الذي استنفد كل إمكانيات البقاء مع بلوغ الفساد ذروته، وتوثّق علاقات المصالح المتشابكة بين طغمة الحكم التي نخرها الفساد من جهة، وحيتان الفساد المضاربين بمزاد العملة، والمتلاعبين بقوت الشعب والناهبين للمال العام، المدعومين بسلاح الميليشيات والمنتهكين للقانون، والمخترقين لمؤسسات الدولة والنافذين في سلطاتها، حتى اتضح جلياً ان هذه المنظومة استنفدت مبررات بقائها، ولم تعد تصلح للاستمرار بالنظر الى طبيعتها المحاصصاتية التوافقية، ولكونها لا تهدف الا للحفاظ على سيطرة طغمة الحكم الطفيلية المستبدة، التي لا هم لها هي الاخرى سوى التمسك بالسلطة وحفظ المنافع، دون اعتبار لحاجات الشعب الملحة ولارتفاع نسبة الفقر المخيفة، ولا للفجوة الطبقية المتعمقة بينها وبين الملايين التي تعاني الفقر المدقع والجوع الكافر.
ما من دلالة أبلغ من هذا الانسداد على اختناق منظومة الحكم، التي تعجز مواد الدستور عن إيجاد مخرج لها منه، كما عجزت محكمته الدستورية عن قول كلمة فصل في مواجهة انتهاكات الدستور، وانقضاء المدد الدستورية دون ان يتمكن مجلس النواب من أداء مهماته.
إما المراهنة على الوقت، ومحاولة اعادة تأهيل هذه المنظومة بصورة او بأخرى، فهو جهد لن يُكتب له النجاح، لا سيما وان الهدف هنا ينحصر في إبقاء هيمنة طغمة الحكم، وحماية طبقتها الطفيلة الناهبة للمال العام.
ما يدعو للرثاء هو اوهام البعض وتوهمهم ان عقل السلطة قادر على إنتاج حل يخرج العراق من هذا المنحدر السحيق، الذي وضعته فيه طغمة الحكم ذاتها. فعقل السلطة المتخم بالفشل عاجز ولا رجاء فيه، ولا يبرع الا في ادامة التسلط وادامة الفساد وادامة المحاصصات وادامة التخادم بين طبقة الحكم وحيتان الفساد.
نعم، فلا حل اذن يرتجى من سياسي الطغمة ومفكريها.
الحل وباختصار شديد يكمن في إزاحة طغمة الحكم وانهاء تسلطها على الشعب ومصالحه وموارده، وفي احلال البديل الوطني، وتكليف شخصيات نزيهة وكفؤة بادارة الحكم بعد تغيير قاعدته ونهجه، والتوجه نحو بناء دولة المواطنة التي تضمن للناس الكرامة وتحقق العدالة الاجتماعية.
ومن اجل هذا التغيير الجذري المنشود، لن يتأخر الشعب طويلا ولن يتخذ موقفاً سلبيا، وهو الذي يتابع ويرصد ويستهجن ويستنكر ما اوصلتنا اليه طغمة الحكم. وليس بعيدا اليوم الذي سيصب فيه جام سخطه وغضبه عليها، في لحظة ستكون فارقة حينما ينزل ممثلوه: أحزابه الوطنية والديمقراطية والمدنية، وتنسيقيات الاحتجاج، والمجتمع المدني بمعناه الواسع وبما يضم من منظمات ومؤسسات واتحادات مهنية وروابط شعبية ونقابات وجمعيات.
وسيباغتون طغمة الحكم في ثورة شعبية سلمية عارمة، في احتجاج جبار غير مألوف وغير تقليدي، يتجاوز الاحتجاجات السابقة كثيرا، ولا يشكل ما شهدناه منها حتى الآن سوى مقدمة له، للثورة الشعبية السلمية العارمة، التي ستضع نهاية لهذه المنظومة، وتباشر فورا إحلال البديل الديمقراطي الحقيقي، على قاعدة المواطنة والعدالة الاجتماعية.