يدور الصراع الاجتماعي في العراق في نطاق نظرية الصراع الطبقي، وكل ما قيل ويقال عكس ذلك هو مخادعة للعقل، وتزييف للوعي. والبعد الرئيسي في الصراع يكمن بين النهابين والمنهوبين، وهو صراع طبقي مهما غُلف بالطائفية مرة، وبالقومية مرة أخرى، او بالمناطقية، او الحزبية. فلا ينعدم كونه صراعا طبقيا إن جرى تلميعه بحقوق المكوّن والمناطق المحرومة.
ويتبدد كذبهم المفضوح هذا حالما يتوافقون على مسك السلطة السياسية، التي لم ترتخِ يوما قبضتهم المتشبثة بها، مهما تعالى زعيقهم وادعى اختلافا. فصراعهم مهما بلغت شدته يبقى ثانويا، فهو ليس صراعا جذريا ولا وجوديا، ببساطة لأنه في اطار نهج المحاصصة، صراع داخل طبقتهم، ولا يخرج عن حدودها، ولا يهدد وجودها، ويهدف الى ترتيب موقع كل طرف منهم ضمن طبقتهم الاجتماعية، عبر أعادة تحاصص موارد الدولة واموال الشعب. لذا اتفقوا على معايير تؤمن لهم ذلك، وتهدف الى مركزة السلطة، واهمها معيار المقاعد الانتخابية الخادع، مع وضوح التلاعب فيه وعمليات التزوير المخلة، وعدم اعترافهم بنتائجه واستنكاف التعامل معها.
وهناك معيار تخصيصات كل وزارة من الميزانية الاستثمارية، وقد صنفوا الوزارات وفقا لذلك (أ، ب، ج)، وصيّروا الوزارة إقطاعية للكيان السياسي يتحكم بها، ويتصرف بمواردها عبر لجنته الاقتصادية، كما يشاء ودون رقابة حقيقية. كما يتخادم المتنفذون فيما بينهم، ويتفقون على إخفاء سرقاتهم، باستثناء تلك التي يباغت أحدهم الاخر بها، وتشكل خللا في توزان النهب. عندذاك تفضح السرقة باسم النزاهة والحرص على المال العام. وفي الحقيقة هم والرفعة في خطين متوازيين لا يتلقيان مهما امتدا كما تقول الرياضيات، ويفضح ادعاءاتهم إخفاؤهم الحسابات الختامية وعدم إعلانها، وتلك سرقة علنية بالغة الصلافة.
الصراع الطبقي حسب كارل ماركس يدور بين المستغِلين والمستغليَن، بين الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين وشغيلة الفكر من المثقفين الثوريين المنحازين للمضطهدين والمدافعين عنهم من جهة، ومن جهة اخرى البرجوازيين مالكي وسائل الإنتاج ورؤوس الأموال، الذين يذهب ماركس الى ان اصل ثرائهم هو فائض القيمة من انتاج السلع والخدمات. لكن الصراع الطبقي في العراق اليوم يجري بين طبقة عاملة اقصاها الفساد عن عملية الإنتاج، وفلاحين بدون زراعة احتوتهم العشوائيات المحيطة بالمدن، وملايين العاطلين عن العمل والفقراء والمهمشين، اضيف لهم صغار المنتسبين لدوائر الدولة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الطبقة الاجتماعية ذات الثراء الفاحش والمترفة المتنعمة بأموال الفساد، والكسولة الاتكالية التي ليس لها أي دور في العملية الإنتاجية والاقتصاد الحقيقي، الصناعي او الزراعي. وقد راكم ثروتها اقتصاد الفساد، الذي تبتكر ذهنيات حيتانه طرقا لنهب المال العام، لم تمر على اذهان اخطر المافيات على مر التاريخ، وليس آخرها صفقة القرن، التي سخرت لها سلطاتهم الرقابية والتنفيذية كل ما سهيل سرقة الأموال وغسلها داخليا، وتهريبها خارجيا بطائرات خاصة لا تخضع الى التفتيش والمتابعة، وتحميها التصاريح الخاصة.
انه صراع طبقي بدون لف ودوران، يدور بين طبقة اجتماعية ناهبة للمال العام، وبين شعب سُرقت أمواله وتبددت ثرواته. وحصيلته ترسيخ هيمنة طبقية ظالمة، تمارس كل اشكال الاستغلال والاضطهاد والقمع الفكري، وتستخدم كل الوسائل المادية والايديولوجية لتكريس هذه الهيمنة الطبقية. وتسخر لهذه الهيمنة الطبقية ابواق إعلامية، تروّج لهم وتزين قبحهم، مهمتها تزييف الوعي وحرفه عن هدفه بالخلاص من الظلم والحرمان.
لكن ما لا تدركه طغمة الحكم هو تبلور حركة دائمة في اوساط الطبقات المحرومة، للتخلص من نير الاستغلال والاضطهاد، وينمو وسطها وفقا لذلك ادراك عفوي، يتطور ذاتيا نحو وعي علمي بضرورة التغيير، نحو أفق تقليص الفجوة الطبقية الهائلة، وتحقيق العدالة الاجتماعية ضمن دولة المواطنة المدنية الديمقراطية