الانقسام الطبقي للمجتمع العراقي اصبح حادا، والفجوة الطبقية تتسع بشكل مضطرد. فهناك الاقلية (الاولغارشية)، الماسكة بالسلطة والمتحكمة بالمال من جهة، تقابلها الاكثرية من طبقات المجتمع الاخرى.
انها الطبقة المترفة فاحشة الثراء، ونواتها طغمة الحكم التي تضم كذلك حيتان الفساد والمرابين من اصحاب البنوك وكبار المضاربين بالعملة الصعبة، الذين كانوا قبل التغيير اصحاب (بسطيات) واصبحوا اصحاب ترليونات ثم انتفعوا من مزاد العملة، ومعهم سماسرة الصفقات وقادة المليشيات الذين استهوتهم لعبة جني المال أيّا كانت الطريقة، وبعض كبار موظفي الجهاز البيروقراطي للدولة التابعين للقوى المتنفذة، ومسؤولو اللجان الاقتصادية لأحزاب السلطة، ومهربو النفط، ومجرمو صفقة القرن واشباههم في هذا النوع من الجرائم، ولا ننسى أيضا كبار تجار المخدرات والمتاجرين بالبشر.
بحر من الظلم والحرمان ومآسي العوز والفقر وشظف العيش يفصل هذه الطبقة عن الطبقة التي تضم العمال وفقراء الفلاحين والعاملين في القطاع غير المنظم، كذلك منتسبي الدولة ممن يقعون في اسفل السلم الوظيفي حتى الدرجة الخامسة، وكل من لم يبلغ دخله الشهري مليون دينار، والعاطلين عن العمل والمهمشين، وسكنة العشوائيات، والذين يعتاشون على مكبات النفايات.
لا توافق ولا ايّ مساعدات خيرية او خطابات سلطوية، تستطيع اخفاء حجم انعدام العدالة، الذي يسببه تسيّد الطبقة المترفة والمتنعمة بالسلطة والجاه والمال والنفوذ، على الطبقة التي انهكها الفساد وتداعياته الكارثية، والمحرومة من مستلزمات الحد المعقول من العيش الكريم.
وطبقة المترفين تستخدم كل الوسائل بما فيها غير الشرعية، لإضفاء شرعية وهمية على وجودها في السلطة السياسية وتربعها على سلطة المال، وتاتي الانتخابات كأحد الوسائل التي تستخدمها للحصول على اكثرية زائفة، تضفي شيئا من الشرعية على التسلط، بعد ان تُفرغ الانتخابات عن معايير العدالة والانصاف والتنافس الحر والفرص المتساوية. حيث تصمم قوانين انتخابية تؤمن تمترسها بالسلطة. ونظرا لكونها تملك الاعلام وتهيمن عليه، فانها تعمل على صنع رأي عام ضاغط يروّج لها وينفخ فيها ويصورها، حسب الحاجة وعلى وفق المصلحة الذاتية، بصورة الحامية للمذهب وللوطن. فتبدو العملية الانتخابية وكأنها السبيل الوحيد للتغيير، ولا سبيل غير ساحتها التنافسية لتمثيل ارادة الشعب. فيما تكون قد خططت وهيأت لاعادة انتاجها ومعها تسلطها، وممارسة شتى الافعال لجرّ اعداد غير قليلة من النخب الى جانبها.
هناك اليوم بالطبع من يتطوع للتأكيد ان الانتخابات وبطريقة سانت ليغو، ستسفر عن الاستقرار والتنمية السياسية! والمؤسف هنا هو استدراجها بعض المعارضين وجرّهم الى جانبها، متناسين ان الانتخابات التي تعكس تمثيلا صحيحا للشعب، انما تتطلب معايير صارمة، من أهمها استقلال الادارة الانتخابية وعدم خضوعها للمحاصصة.
وليس جائزا لطغمة الحكم ان تحاصر الشعب في ساحة الانتخابات وتفرض عليه قانونا جائرا، وللشعب وقواه المدافعة عن مصالحه - كما هو معلوم - ساحات أخرى توفر فيها امكانية التغيير، وهي ساحات تهابها الاولغارشية، ومن بينها ساحات الاحتجاج والتظاهر السلمي.