الأحزاب السياسية الشيعية عادت إلى عادتها القديمة, بنبش أدراج دفاترها القديمة وبث الروح في قوانين جائرة, جُمدت لتعارضها مع الدستور والمبدأ الديمقراطي والقبول الشعبي, لما تعيشه من مأزق وجودي… فهي تجاهد لإيجاد مخرج لها, مستغلة ما تظنه " الدنيا ربيع والجو بديع " و فرصتها الذهبية لتمرير ما تريد, لا سيما بعد التخلص من العقبة الكأداء المتمثلة بشباب انتفاضة تشرين الشعبية وقمعهم, تقتيلاً وترهيباً, وخلو الساحة من التيار الصدري ذو الشعبية الواسعة, بعد تقاعد السيد مقتدى الصدر عن العمل السياسي ( الذين طگوا لذلك إصبعتين ), ثم التضييق على القوى الديمقراطية والوطنية والجمعيات والاتحادات والنقابات والروابط المهنية وكل منظمات المجتمع المدني, واستبعادها بكل تلاوينها المختلفة في صنع القرار الوطني الذي هو مسؤولية كل الفعاليات العاملة وليس فقط نواب أحزاب المحاصصة البرلمانيين الذين هناك علامات استفهام كبيرة على طريقة انتخابهم.
تعيش قوى الإسلام السياسى المتشبثة بالسلطة معضلة الحفاظ عليها.
ولأن أحزاب الإطار التنسيقي أصبحت غير قادرة على الفكاك من هذا المأزق, مأزق احتمالات فقدانها السلطة وكل ما كنزته وبنته من نفوذ وامتيازات, وهي ترى بأم عينيها تصاعد مستويات الرفض الشعبي لشخوص قياداتها وأفكارها وتوجهاتها, بعد أن جربتها وفقهتها.. لذا فهي بدأت تلجأ إلى الدفاتر القديمة, كما التاجر المفلس, بالبحث عما ينقذها من هذا المصير, بالالهاء وجذب الأنظار بعيداً عما تبيته من مخططات, فكان وقوعها على " قانون المحتوى الهابط " البائس.
وبعد أن قدموا خلال فترة حكمهم أدنى مستوى اداء هابط خلال ما يقارب العشرين عاماً وفي كل المجالات, وخاصة في المجال التربوي والثقافي, وغلق الأبواب أمام الثقافة والفن الهادفيّن ذات المستوى الراقي ومحاصرة المبدعين وغلق المسارح والسينمات, الذي سمح للمحتويات الهابطة من التسلل من الشباك فكانت برامج الفكاهة التافهة والاسفاف والمسلسلات غير الهادفة والروزخونيات الطائفية على فضائيات الحكومة وأحزابها, ثم بدأوا يطاردون ضحايا سياساتهم الاقتصادية والتثقيفية والتعليمية, والسيرك السياسي الذي امتهنوه ومارسوه, من " التُفّه الظرفاء ".
يُدان هؤلاء " التُفّه الظرفاء " بهبوط محتويات نتاجاتهم الفيديوية, بينما هم يعكسون ويرسمون, في حقيقة الأمر الوجه الآخر لما هو سائد من رياء وتديّن كاذب, وتمردهم ( السلبي ) على الواقع المتردي والبيئة التي يتلوون فيه, محاولين العثور على موضع قدم لكياناتهم, لكن الآفاق مسدودة أمامهم.
لسان حالهم يردد مع الخالد مظفر النواب : " اغفروا … كلماتي القاسية.. بعضكم سيقولُ بذيئة, لا بأس, أروني موقفاً أكثر بذاءة مما نحن فيه !".
أرادت أحزاب السلطة, في حقيقة الأمر, بلقيتهم التي استلّوها من تحت غبار النسيان - ورقة " المحتوى الهابط " , التذلل والأقتراب من التيار الصدري الذي يناصبهم العداء, متوسلين بالسيد مقتدى الصدر لدعم سلطتهم المتهاوية ( لإنقاذ مشروعهم الإسلامي ) المزعوم من الانهيار, متأملين منه ومن تياره انتشالهم من مأزقهم.
وكذلك كسب المرجعية الدينية التي أغلقت أبوابها بوجوه قادتهم الفاسدين, لخداعها بلبوس الغيرة على الدين والمذهب والقيم والشعائر الخ الخ الخ.
يشير بعض المتهكمين إلى أن السبب الرئيسي وراء سن قانون " المستوى الهابط " إلى غيرتهم وحسدهم من أعداد المتابعين لهؤلاء المدونين مقارنة بأعداد من يتابع خطابات ودروس قياداتهم المعممة والمجاهدة الورعة… مع أن المتابعة الواسعة, التي وصلت إلى مئات الآلاف لهذه الفيديوهات ( الهابطة ), لا تعبر بالضرورة والقطع بتدني الوعي والذائقة الشعبية العامة بل هو بحث عن كل ما هو مختلف ومشاكس وفكاهي عما تطرحه قنوات وفضائيات الأحزاب الحاكمة من مواعظ فارغة ومظاهر ورع كاذبة وأدعية وبكائيات مملة مكررة, والتشفي بها.
ثم أعادوا الحياة لقانون " حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية " الذي تم تمريره في مجلس النواب في 22 تشرين الأول 2016 , بدعوى تحريمه دينياً والحفاظ على القيم والتماسك العائلي وغيرها من الذرائع, ليشفع لهم أمام المرجعية الدينية في النجف وتفتح لهم أبواب الرضا…
ولو سألت أي مواطن عراقي عن أسباب سن هذا القانون في القرن الحادي والعشرين في مجتمع مدني متنوع في تركيبته الاجتماعية وهوياته, يقول لك بأنهم يهدفون إلى توسيع دائرة تعاطي المخدرات بأنواعها وترويجها بين الشباب لعدم وجود نص يحرمها, رغم أن أضرارها الاجتماعية والاقتصادية أكثر ضرراً في المجتمعات من المشروبات الكحولية لأن إمكانية السقوط في حمأة الإدمان عليها أسرع, لكنها تجارة تدر عليهم أرباحاً طائلة, كما لمورديهم من الجيران.
هذا القانون مفصل على مقاسهم, مقاس احزاب الاسلام السياسي فقط, فهو إذن مجرد لعبة سياسية, لأن شركائهم في المحاصصة ليسوا معنيين بتطبيقه في مناطقهم.. عكس نظام سانت ليغو الانتخابي الذي يرغبون به بإحيائه جميعهم بعد أن أسقطه شباب انتفاضة تشرين المجيدة, ومعه رئيس وزرائهم.
ومن المؤكد أن الإجراءات البنكية الاميركية لمنع فوضى تهريب الدولار لإيران, أشعرتهم, أكثر من أي وقت مضى, بهشاشة سلطتهم بعد خسارتهم مصدر قوتهم المالية. لهذا تجد أكثر قيادات الإطار التنسيقي رزانة قابعين في حضن سفيرة الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية الدافيء السيدة " ألينا رومانسكي ", مفضلين " الجهاد البراغماتي - عالي الجودة " ضد الأمريكانوس عن صبيانية أيام الكاتيوشا !
قوى الإسلام السياسي الشيعي يملؤها الغيظ, وهي ترى رئيس جمهورية ايران الاسلامية السيد ابراهيم رئيسي يدعو عدوها اللدود رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ويستقبله بحفاوة استقبالاً رسمياً, واجتماعه, من ثمة, قيادات نافذة في الجمهورية الاسلامية. وهذا يعني من بين ما يعني تبرئته من تهمة المشاركة في اغتيال الجنرال سليماني, الذي كانوا يريدون الثأر له من الكاظمي, وقد حاولوا اغتياله في بيته, فعلاً, بطائرة مسيّرة.
وقد كانت دعوة الرئيسين السابقين مصطفى الكاظمي وبرهم صالح إلى طهران ضربة في مقتل, لأنها قد تعني نضوب مصادر دعمهم الأيديولوجي الفقهي بعد الانزياح التكتيكي للإيرانيين بسبب الضغوط الأمريكية والدولية..
ولم يبق أمامهم من حل سوى الاستمرار بمنهج رفض الآخر ومحاولة تركيعه, فهم لا يستطيعون مغادرة اسلوبهم الاستبدادي في الحكم بمسحته الثيوقراطية, بفرض كل ما يلائمهم وينفعهم ويطمّن مصالحهم, من قرارات, وتجاهل حاجات المواطن ومصالحه ومشاعره, ولا يهمهم كسب ثقته بتقديم الخدمات له وتحسين سبل حياته ورفع مستواه المعيشي.
انهم يتجاهلون رئيس الوزراء السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي اختاروه ويعملون على تجاوزه وتكبيله وتحميله مسؤولية القوانين المكرسة لدكتاتورية الفكر الواحد وسلب حرية الرأي وانتقاد السلطات والشخصيات, إضافة إلى حرية التظاهر…
إنهم يريدون جرّه إلى مستنقعهم !
● مثل يُضرب عن من يحاول نهب الآخرين بالدجل والخداع. ومطيرة امرأة مشعوذة أرادت استغلال ثقة السذج لمآربها.