بعد يومين فقط من المقابلة التي اجرتها صحيفة الشرق الأوسط يوم 12 آذار 2023 مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الذي أشار فيها إلى ان “الفساد التهم أكثر من 600 مليار دولار من أموال العراق، استخدمت لمصلحة أفراد وكيانات حزبية وعسكرية وأدوار إقليمية) ردت المحكمة الاتحادية الدعوى التي قدمها الرفيق رائد فهمي الى المحكمة الاتحادية ضد رئيسي مجلسي النواب والوزراء إضافة إلى وظيفتيهما، في شأن عدم موافاة مجلس النواب بالحسابات الختامية للميزانيات التي أنفقت أموالها دون معرفة مصيرها.
لم نشهد ردود فعل من مجلس النواب تتناسب مع الكشف عن سرقة 600 مليار دولار، مع ان هذا الرقم سبق وتكرر الإعلان عنه من قبل اكثر من مسؤول متنفذ، لكنه الآن يعلن لأول مرة من قبل رئيس وزراء سابق كان قد شغل أيضا منصب رئيس جهاز المخابرات، وهذان المنصبان اتاحا له معرفة الدهاليز والخبايا.
واذا كانت المعلومة استقبلت من عامة الناس باعتبارها جزءا من تصفية حسابات بين المتنفذين في اطار صراعهم على السلطة وخوضهم حرب الملفات الشائنة، حيث يلوّح كل منهم الى خصمه متهما إياه بالفساد، فقد بات من المستحيل تبرأة أيّ متنفذ مارس السلطة منذ التغيير حتى الان الا ما ندر، وما كان ينبغي لمن يدعي تمثيل الشعب رسميا ان يلجأ الى الصمت.
لو فكرنا لبرهة بحجم المعلن عن الأموال المنهوبة من خزينة الدولة، في ظل إدارة غير امينة للمال العام، ومجالس نواب امتهنت المحاصصة دون أي دور رقابيّ حقيقي، لما تمكن حيتان الفساد من نهب هذا الكم المهول من الأموال. وما كان للنهابين قطعا ان يتطاولوا على المال العام، لو ان مجلس النواب مارس دوره الرقابي بشكل صحيح، وطبق الفقرة الأولى من المادة 62 من الدستور، التي تنص على ان “يُقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي الى مجلس النواب لإقرارهما”.
هذه المادة بتطبيقها الدقيق تعني اغلاق بوابة واسعة بوجه حيتان الفساد، لكن هذا لم يحدث طوال الدورات السابقة، رغم مناشدات بعض النواب المعارضين للمحاصصة، ومن خارج الكتل المتنفذة.
ومما يؤسف له في هذه الدورة لمجلس النواب عدم مبادرة أي نائب الى مساندة الدعوى التي تقدم بها سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، حتى من المحسوبين على تشرين وممن صعدوا للبرلمان باسم تغيير الأوضاع. وجاء قرار المحكمة يوم 14 آذار 2023 برد الدعوى من الناحية الشكلية، لأنها اقيمت من قبل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بصفته المعنوية، وذلك بموجب اجتهاد خاص في تفسير المادتين 18 و19 من قانون الأحزاب، مع ان المادة 19 أولا تعطي الحق لسكرتير الحزب في اللجوء الى القضاء، اذ نصت على ان “رئيس الحزب ومن بصفته، وحسب النظام الداخلي، هو الذي يمثله في كل ما يتعلق بشؤونه امام القضاء والجهات الأخرى”، والحزب الشيوعي هو شخصية معنوية مسجلة في دائرة الأحزاب، ومشارك في العملية السياسية، وعليه مسؤولية الدفاع عن المال العام. وقد تبنى هذا الموضوع في برنامجه السياسي. وحدد النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي مسؤوليات سكرتير الحزب، ونص على انه “يمثل لجنة الحزب المركزية ومكتبها السياسي أمام جميع منظمات الحزب وأمام الرأي العام. وهو المسؤول الأول عن تطبيق قراراتهما وإدارة وتنظيم أعمالهما، وهو مسؤول أمام اللجنة المركزية”. وبهذا المعنى فسكرتير الحزب صاحب مصلحة في الشكوى.
وفي كل الأحوال تنص المادة 27 من الدستور على “ان للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب كل مواطن”. وهذا ما يتيح لأيّ مواطن ان يتقدم بالشكوى الى القضاء، دفاعا عن المال العام وردا لتطاول حيتان الفساد.