لم تمهل الميليشيات إعلاميي الإطار التنسيقي الشيعي والإطار نفسه, طويلاً, وهم في غمرة فرحتهم بشخص السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وانجازاته وفضل الإطار على العراقيين في تقديمه على رأس السلطة التنفيذية مستغلين سجاياه الشخصية حتى اشتبكت ميليشيات اطارية مع القوات الرسمية بسبب أرض استولت عليها عنوة من مواطن في منطقة البو عيثة القريبة من العاصمة بغداد.
فقد ذكر أحد المحاورين الذي ادعى خروجه من الإطار الشيعي في برنامج " الحق يُقال " الذي يقدمه الاعلامي القدير عدنان حمادي ان : " أكبر هدية قدمها الإطار للعراقيين هو محمد شياع السوداني ! ".
وفي حلقة لاحقة من نفس البرنامج الحواري ذاته مع الاستاذ عدنان حمادي, أعلن الوجه الاطاري مازن الزيدي - " أن الإطار يستحق جائزة نوبل على تقديمه محمد شياع السوداني
" !!!
هل يا ترى أن ما قالاه كان تلميعاً للاطار أم تشويهاً وتسقيطاً لرئيس مجلس الوزراء السوداني أمام العراقيين ؟!!
الأمر الذي دفعهم لهذا الهذيان البلاغي الجريء, كما إدعوا, حالة الاستقرار الأمني التي بات يرفل بها العراقيين الذين " لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب " كما يقال, ويصعب إقناعهم بصدق هذه الادعاءات بعد زيادة أعداد منتسبي الميليشيات, ضعفين, وميزانيتها عشرة أضعاف, وتوسع نفوذهم من خلال تعيين مستشارين من بين صفوفهم لرئيس الوزراء وتدوير المنضوين تحت الويتهم من وزراء ومديرين عامين وهلم جرا.
ما من مراقب رصين للواقع العراقي وما يعانيه من انهيار اقتصادي واجتماعي وتراجع دور الدولة الا ويشير بأصابع الاتهام إلى القوى والاحزاب المتنفذة في السلطة ونهجها نهج المحاصصة الطائفية - العرقية اللاوطني المستفيدة من هذا الواقع المرير, الذي قضى على كل ملامح سيادة دولة القانون ووجود أبسط مظاهر العدالة الاجتماعية لصالح استئثار طبقة طفيلية من مافيات تهريب العملة والمخدرات وتجار الدين والسلاح وثرائهم الفاحش مقابل زيادة معدلات الفقر في المجتمع..
لاشك بأن اضمحلال الوازع والانتماء الوطني للقوى المتنفذة وتجندهم لخدمة اجندات خارجية وخاصة إيرانية, كان السبب الأساسي لهذا التخلف. وهم يجدون في استمرار هذا الوضع بيئتهم المثالية في الوجود والهيمنة لذا لا يمكن التعويل عليهم في النهوض بالوطن العراقي.
عملياً, حالة الاستقرار الأمني أصبحت في خبر كان, حتى لو جرى معالجة حادثة البو عيثة رضائياً وتبويس اللحى.. وأن تسلط المسلحين تبقى مشكلة قائمة قابلة للتفجير مرة اخرى اذا لم يتم وضع
الحلول الناجعة لها...
مما حدا بالمواطنين التهكم على سياسة النعّامة الرسمية, كما لا يفعل ذلك الا شعب مظلوم.
وفي ظل تسويف الأحزاب الحاكمة وكتلها البرلمانية في الخروج بموازنة لخدمة المواطن العراقي تؤمن له حياة كريمة, فإن شعارات التغيير التي رفعها السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني تبقى مجرد بالونات جميلة ملونة ستفجرها إبر احزاب الفساد ذاتها, التي تُعد, تحت الطاولة, موازنتها الاقتصادية التحاصصية الخاصة بها, كما اعتادت في إدارتها لكل شؤون ومناحي البلاد.
وتأسياً على العشرين عاماً الضائعة من آمال العراقيين, ومن باب الاستئناس والاطلاع والمقارنة, نستدعي التجربة الألمانية ومعجزتها في النهوض في فترة قياسية من ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية ومآسيها والتدمير الساحق لبنية البلاد الاقتصادية والانكسار المعنوي والنفسي الذي لحق بشخصية المواطن الألماني.
رغم اختلاف الظروف والأولويات التي يتجسد أولها بعدم توفر أفق لعملية بناء استناداً على عقلية إدارة الدولة العراقية على أساس مكوناتي لا وطني واستبعاد وتهميش الكفاءات والكوادر والارادت الحرة القادرة على النهوض بالاقتصاد وتدعيم اللحمة الاجتماعية.
يذكر ماريون كريفن دونهوف أنه في عام 1947 عندما جن جنون التضخم وانتشر الجوع في المانيا, أعلن أحد الحاضرين في لقاء صداقة, أن ستة أشهر كافية لارجاع الأوضاع النقدية وحالة السوق إلى وضعها الطبيعي... عدْ الحاضرون ما قاله نوعاً من الفنتازيا.. كان هذا لودفيك إيرهارد أب المعجزة الاقتصادية الألمانية. وكان له ذلك.
المعجزة الأخرى التي يمكن تسجيلها كانت التصالح المجتمعي مع الذات وليس فقط في حدود النخبة السياسية بل شعبياً, وتقبل واقع ما أفرزته الحرب من خسارة كبيرة من التراب الوطني.
أكثر المتفائلين قدّروا الحاجة إلى اربعة او خمسة اجيال لتقبل هذا الواقع المهين, ولكن هذا الأمر حققه كونراد اديناور في جيلين فقط. وكان هذا النجاح الألماني يكمن في عدم امتلاك ألمانيا لجيش لمدة 10 سنوات مما سمح لتوجيه كل طاقة الشعب الألماني وموارده نحو البناء الاقتصادي.
! لقد جعلوا من الهزيمة انتصاراً
.ولولا الانتماء والحب الحقيقي للوطن ومواطنيه لما حققوا النجاح والتقدم