المسؤولية التاريخية لحل الخلافات بين الحكومة و إقليم كردستان العراق
بقلم : مصطفى محمد غريب
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لقد استعرت الخلافات بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليم لأسباب معروفة لكنها ممكنة الحل وتتحمل الحكومات المركزية مسؤولية اكبر بسبب النظرة الضيقة والسياسة التبعية للبعض من القوى المتنفذة، وكلما كانت الفرصة سانحة للحل يقوم البعض بخلق المشاكل وخلق انقسامات وتفويت الفرصة للوصول لحلول تُجنب البلاد والشعب العراقي الازمات المتتالية، واليوم برزت آفاق لعقد اتفاقية شاملة ويحتاج الإقليم الى توحيد الإدارات وإنهاء ازمة الانقسام السياسي والإداري كي يتم معالجة الوضع بوجود حكومة إقليم موحدة وإدارات  موحدة ايضاً بما فيها الاجهزة الأمنية  والعسكرية. (  اشارت الاخبار التي نشرتها وسائل الاعلان فشل يوم الاحد 21 / 5 / 2023 اجتماع المكتبين السياسيين للديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني للوصول الى حل الخلافات وتبادل الاتهامات في ظروف بالغة التعقيد تمر على الإقليم والعراق بشكل عام )  وهو ما أكدته بلاسخارت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق " ان الخلافات بين الحزبين الكرديين الحاكمين في اقليم كردستان خلال الأشهر الأخيرة قد دفعت الإقليم إلى حافة الهاوية وكانت هناك أسباب وجيهة لوصف الوضع السياسي (من قبل الكثيرين) بالمتهور وغير المسؤول على نحو متزايد"

عندما نتحدث عن كردستان علينا أن نذكر للإنصاف حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والاسترشاد بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة في المادة الأولى والمادة (55)  "اللتان تؤكدان على حق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى ضرورة قيام علاقات سلمّية وودّية بين الأمم" وعندما نقول للإنصاف فإن الشعب الكردي الذي يناهز تعداده ما بين ( 30 و 35 ) مليون انسان هو الشعب الوحيد تقريباً ليس لديه بلد ودولة خاصة به، وعلى الرغم من وجود الجغرافيا التي حددت الحدود والموقع ووجود اللغة والتاريخ المشترك لكنها خضعت للتقسيم حالها حال المنطقة العربية لكن الفرق الوحيد وهو الأصعب أن كردستان تم تقسيمها بين تركيا وايران والعراق وسوريا وهناك مئات الآلاف يعيشون في أماكن مختلفة ودول عديدة في مقدمتها أرمينيا، واتفاقية سايس بيكو 1916 التي تعتبر معاهدة بين فرنسا وبريطانيا ومصادقة الإمبراطورية الروسية وإيطاليا تخص الهلال الخصيب فتم تقسيمه بين بريطانيا وفرنسا، أما معاهدة سيفر 10 / 8 / 1920 التي كانت اكثر قسوة وعدوانية بخصوص حق تقرير المصير للكرد وقيام دولتهم وقد قام كمال اتاتورك الذي كان يكمن العداء لبعض بنود المعاهدة فقام بتجريد موقعي المعاهدة الاتراك من جنسيتهم عقاباً، ورفض كمال اتاتورك خصوصية الكرد وباتجاه  تشكيل شعور قومي تركي معادي ومتعصب  فمنع استخدام حتى اللغة الكردية وتم "  سحق جميع هذه الثورات ولجأت تركيا إلى التعاون مع العراق و إيران من أجل القضاء على (العصابات المسلّحة) الكردية – على حد وصفها- وبخاصةِ تلك التي تقوم بعملياتها في المناطق الحدودية" ولم تقتصر هذه الإجراءات التعسفية على الكرد في تركيا بل شملت العديد من المناطق في أي ايران وباقي دول المنطقة؟ وهكذا تم تقسيم المنطقة بين الدول المنتصرة في الحرب الأولى بريطانيا وفرنسا.

العراق وضع تحت الحماية البريطانية ثم أقيمت الملكية كنظام سياسي اسقطته ثورة 14 تموز 1958 واعتبروا الكرد القومية الثانية واعتبروا شركاء في الوطن وشارك البعض منهم في الوزارات والوظائف الحكومية وحتى في القوات المسلحة لكنهم بقوا بلا حقوق قومية مشروعة وقد قامت الثورة الكردية المسلحة في أيلول 1961، ولم يكن انقلاب 8 شباط الدموي 1963 إلا انقلاباً قومياً متطرفاً وبقت الجبهة القومية بما فيها حزب البعث العراقي تؤمن " بصهر القومية الكردية في بوتقة القومية العربية " اما انقلاب 17 تموز 1968 ومجيء سلطة حزب البعث فقد حاولت في البداية كتكتيك تحجيم الثورة الكردية فكانت اتفاقية 11 / آذار / 1970 بين سلطة حزب البعث والقيادة الكردية " مصطفى البرزاني "حيث قامت الحكومة بالاعتراف ببعض الحقوق القومية للكرد ومنها المشاركة في الحكومة  والمؤسسات التعليمية  واستعمال اللغة وقيام الحكم الذاتي في ثلاثة محافظات دهوك واربيل والسليمانية وبعض المناطق المتاخمة الأخرى،  إلا أن قضية كركوك بقت بدون حل حاسم على أساس نتائج اجراء الإحصائية السكنية وقد تخلت الحكومة العراقية عن تنفيذ كامل الاتفاقية خلال اربع سنوات وراحت تدريجياً تتخلى عن التزاماتها بالاتفاقية ثم الهيمنة التامة على مؤسسات الحكم الذاتي، خلال فترة قصيرة نسبياً عاد العديد من الأحزاب الكردية على رأسها الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني كما انظم الحزب الشيوعي العراقي  وحمل السلاح بعدما " عادة حليمة لعادتها القديمة "بانتهاء الجبهة مع البعث لعدم التزام الأخير ببنود الجبهة وممارسة السياسة الإرهابية الدموية،  الفترة التي شن فيها النظام العراقي الحرب على إيران في 22 / أيلول / 1980 ثم احتلال الكويت وطرد الجيش العراقي من الكويت ثم الانتفاضة ونتائجها بطرد قوات وأجهزة النظام العراقي من إقليم كردستان وفرض الحصار الاقتصادي وغيرها من التطورات بدأت مرحلة جديدة وبخاصة أخذت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا التحضير لشن حرب بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل وعدم استجابة النظام العراقي للتعاون مع لجان التفتيش في 31 / تشرين الثاني / 1998 ، إن تعنت النظام العراقي والذهاب نحو التطرف وعدم الشعور بالمسؤولية على الرغم من النصائح والتصورات الخاطئة لدى صدام حسين وجزء من قادة النظام كانت حجة للولايات المتحدة وحلفائها بشن الحرب  في 19 / اذار / 2003 جواً ثم بعدها الحرب البرية ، الخلاصة من هذا السرد المختصر والمعروف احتل العراق وتم إسقاط النظام العراقي واعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش انتهاء المرحلة الأولى من الحرب في  1 / أيار / 2003  وبانتهاء الحرب رسمياً فقد سارت الأمور السياسية وتعقيداتها ومطباتها وفق مخطط  خارجي وحسمت قضية السلطة بقيام المحاصصة الطائفية والحزبية وعادت قضية الإقليم والفيدرالية الى المربع الأول وبخاصة المادة 140 من الدستور حول إنجاز الإحصاء في المناطق المشتركة وقضية كركوك ، وأصبحت قضية الحقوق القومية للكرد والقوميات الأخرى محط خلاف وجدال وتجلت هذه الخلافات بالقفز على المادة الدستورية 140 التي نصت على الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك للوصول الى حلول منطقية للخلافات التي تجذرت في فكر وسياسة القوى المتنفذة التي حاولت جهد الإمكان البقاء على الخلافات والانقسامات تحت طائلة حجج كثيرة، في المقابل كان هناك تباطؤ من قبل حكومة الإقليم في جعل اللقاءات والاجتماعات مع الحكومة إيجابية كي ينتج عنها حلول للوصل إلى اتفاقيات شاملة، ثم ارتكبت البعض من الأخطاء وعدم تلافيها،  منها حول الأوضاع في المناطق المشتركة وقضية كركوك وقضايا حيوية من بينها النفط والجمارك وقوات البيشمركة وقضايا الاقتصاد والفساد والافراج عن رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام ومسائل أخرى مازالت معلقة بالاتفاق ومنها قضية معيشة المواطنين في الإقليم الذين يعانون من إشكاليات الخلافات بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ، وخلال لقاء قاسم الاعرجي مستشار الأمن القومي العراقي مع وفد إقليم كردستان برئاسة نائب رئيس الحكومة في الإقليم  طالب الاعرجي من الحكومة المركزية  وحكومة الإقليم ان الخلافات السياسية يجب أن لا تؤثر على معيشة المواطنين ووضعهم الاقتصادي" فلا ذنب للمواطن بما يحدث من تداعيات نتيجة الخلافات السياسية " بدورنا نُذكر الاعرجي والحكومة المركزية أنهم المسؤولين عن تردي الاوضاع بشكل عام والانفراد بسياسة عدوانية ضد الكرد وبخاصة إيقاف حصة الإقليم من الميزانية المتفق عليها وقضايا أخرى زعزعت الثقة بين الطرفين ولعب نوري المالكي دوراً سلبياً في قضية المادة 140 من الدستور وكان المفروض ان تقوم بالخطوة الإيجابية في هذا المجال لأن مفاتح الحل بيدها وتستطيع أن تلعب دوراً إيجابيا في إنجاح المفاوضات وعدم الرضوخ للذين يضعون حجرة عثرة أمام أي اتفاق ممكن لا بل يدفعون نحو التعقيد والتعقيد وخلق مشاكل جديدة .

اليوم والبلاد على مزالق خطرة   فقد استبشر المواطنين بما جاء من تصريحات بعد لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع رئيس وزراء الإقليم ثم الإعلان عن اتفاق بين الطرفيين بعد خلاف امتد سنوات عديدة بين بغداد واربيل وعلى الرغم من أن " توقف تصدير النفط حتى يتم الاتفاق على كامل بنود الاتفاقية  مع حكومة الإقليم فقد صرح رئيس الوزراء محمد السوداني طالباً "  استئناف امدادات النفط على الفور الى تركيا " انطلاقاً من مفهوم أن الكرد عراقيون " بالمقام الأول" " وهو يعزز النظرة بأهمية عائدات النفط لدفع رواتب الموظفين ثم أهميتها لقضايا الخدمات للإقليم، محمد شياع أشار في المؤتمر الصحفي المشترك إن "إيقاف تصدير النفط تسبّب بضرر بالغ بمجمل الإيرادات للبلاد والاتفاق يؤكد الرغبة الجادة والصادقة من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان لمواجهة كل المشاكل والمعوقات التي ورثت منذ سنوات وأجلت ولم نصل فيها إلى حلول" لأول مرة نرى أن النية الحكومية باتت اكثر واقعية في إيجاد الحلول تخفيف حدة الخلافات التي اضرت ليس الشعب الكردي في الإقليم فحسب بل أيضا عموم الشعب العراقي، أن الفرصة التاريخية لإيقاف الخلافات التي سببها البعض من الذين يعادون عملية الاستقرار والتقدم  وإيقاف التطور في العراق،  ومن اجل خلق مستلزمات علمية لتعزيز الروابط القومية بين القوميات في العراق والوصول إلى حل عملي وواقعي يعزز العلاقات وينهي الخلافات واعتماد المواطنة كأساس  والتخلص من المحاصصة والإرهاب والميليشيات الطائفية ، يجب التخلص من النظرة الشوفينية التي يمتاز بها البعض من المسؤولين والميليشيات الطائفية التابعة التي تحاول تأجيج الخلافات وعدم احترام حقوق القوميات الاخرى وهذا يترتب التخلص من التعصب القومي للقوميات الأصغر تجاه القومية الكبيرة والذهاب الى حلول وطنية تعتني بالعلاقات الطبيعية التي ستكون ثمرة لبناء عراق وطني مدني ديمقراطي.

في هذا المضمار لا يمكن بناء دولة عراقية مدنية بوصفات قومية متطرفة مثلما كان النظام الدكتاتوري أو طائفية أو دينية ووفق محاصصة ضيقة، بل هي الوباء لإبقاء البلاد في دوامة الصراعات والخلافات والانقسامات ، بقاء الوضع المأساوي والمتردي الذي يعم العراق في الوقت الراهن وهو البلد الغني ، لقد حان الوقت للتخلص من العداء والنظرة الضيقة فيما يخص العلاقة مع الإقليم ومنح القوميات حقوقها المشروعة

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 23-05-2023     عدد القراء :  741       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced