حين يخضع السياسي لوصاية الآخر إن كانت دولا أو افرادا أو أحزابا أو جماعات، ويسلم أمره لذلك الآخر ويكون مستلبا فكرا ومواقف يتحول كما الأطفال القاصرين الذين يعيشون تحت وصاية جهة أخرى إن كانت وصاية أشخاص مقربين أو مؤسسات أو جهة ما، يكون القرار بيدها ولا يحق للقاصر أن يتخذ قرارا أو يمارس فعلا خارج إرادة الكفيل عليه.
هكذا هي الوصاية على القاصرين التابعين لأحزاب وكتل وجهات تملك الحق في اتخاذ القرار، سياسيا كان أم غيره، بحيث يتحول السياسي القاصر كما لعبة الشطرنج يحركها المسؤول الأعلى كيفما يشاء دون أي ردة فعل أو اتخاذ موقف مغاير، وهذ ا وللأسف ما نلاحظه اليوم لدى معظم السياسيين العراقيين سيما البرلمانيين منهم.
تلك هي الطامة الكبرى التي تميز المشهد السياسي العراقي منذ بداية تغيير النظام المقبور حتى يومنا الأسود هذا، والحقيقة أن من ينتمي لهذا الحزب أو ذاك، يخرج علينا متبجحا وبلغة فضة وهو يدافع عن حزبه أو كتلته دون ذرة إحساس بآدميته وحنوه على وطن ولد وترعرع ودرس فيه ولا من وفاء لترابه المقدس، والكارثة أنه يعرف أنه مجرد مسيَّر وتابع لنظام محاصصة مقيت ومرفوض حوّل البلاد الى مستنقع نتن والناس الى أتباع مسلوبي الإرادة، فتفتحت لهم الآفاق حيث يريدون ويخططون وينهبون وتتقسم أموال السحت الحرام الى الرؤساء والمرؤوسين، كلٌ ونصيبه، ناسين أو متناسين وهذه هي الأغلب أنهم ينتمون لوطن منهك وخارج من محارق صدام الكارثية ليزيدوا من فواجع الأرض والعباد وهم منهمكون بنهب ثروة البلاد وتخريب مصادر النمو من صناعة وزراعة وتعليم واقتصاد ينبغي أن يكرس للبناء والاعمار، وهكذا تمر السنين والعقود ولا يلمس المواطن المنكوب والمغلوب على أمره، أي تحسن في وضعه المعيشي والصحي والتعليمي والاستقرار السكني ولا حتى التفاخر بالانتماء لبلد أسمه عراق كان مصدر حضارة تضاهي كل حضارات العالم.
أليست تلك هي الفاجعة والبلاء المبين الذي صار يلازم قدر العراقيين ويبقيهم في ذات المعاناة والعوز والفاقة وفقدان الأمل بمستقبل زاهر لهم ولأولادهم والأجيال القادمة.
من باب الإنصاف والاعتراف بالتغيير النسبي وما معلن حول إجراء تحولات مؤخراً في الملف الخدمي والاقتصادي، نلاحظ حصول تحسن شبه نوعي في مناحي متعددة نأمل أن تتواصل بوتائر اسرع واعمق باتجاه توفر قناعة لدى المراقب العراقي بأن الجهود قد تغيرت وأفلح السيد السوداني في تغيير البوصلة ونحن نتلمس بعض التغييرات المهمة، سيما تجميل مدينة السلام وما تستحقه من رعاية أهملها الآخرون مثلما بقية المحافظات العراقية التي تنتظر الفرج سيما تلك التي تعاني من اهمال كبير في الخدمات ومعاناة الشباب من البطالة وغياب فرص العمل والتوظيف. نبارك لأي جهد وطني إن كان صحوة ضمير نأمل أن يبتعد صاحبه عن أية مؤثرات قد تعيق أي جهد نبيل للبناء والتغيير الحقيقي.
هنا ينبغي أن نشير الى ما ذهبنا اليه من صحوة ضمير وطني نريده أن يؤسِسْ لنظام دولة لا تتأثر بالتغييرات السياسية التي باتت سمة للوضع السياسي العراقي بتأثير نظام المحاصصة المعطِّل لكل وسائل التنمية والتغيير
نبارك لكل من يفعّل ضميره ويوطد انتماءه بمحبته لوطنه، تاركا كل المؤثرات الخارجية جانبا والالتفات بحمية وطنية وحرص نبيل وبنّاء لإعادة الاعتبار لوطنه وتمتين أواصر الوشائج الوطنية مع الشعب العراقي المظلوم واخراجه من حالة اليأس وفقدان الأمل بأي تغيير قد يأتي من ساسة اليوم وعليه ينبغي من العراقيين كافة أن يباركوا أي جهد وطني أصيل موجه لإعادة البناء والاعمار، وهذا بحد ذاته يعتبر صفعة حقيقية ورسالة لكل من وضع المواطنة جانبا ليتفرغ للنهب والسحت الحرام حين تحول الى أداة بيد من لا يريد الخير العراق العظيم.
قد نفلح هذه المرة بإيصال خطابنا الوطني لمن في آذانهم وقرٌ لتصحو ضمائرهم بعد أن تيقنوا بأن لا بديل لهم غير الوطن خيمتهم التي تحميهم من عوادي الزمن وما أكثرها وليعلموا جيدا أن الوطن باقٍ والفاسدون الى زوال أولئك العابثون بآدميتهم قبل وطنهم وما أكثر وأقرب الدروس والعبر بهذا الصدد.