هموم تموزية
بقلم : د. إبراهيم إسماعيل
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كلما حلّ موعد إحتفال العراقيين بعيدهم الوطني الحقيقي، يوم قيام الجمهورية وتحرر البلاد من هيمنة الإستعمار البريطاني ومن قيود حلف بغداد وإنطلاق مسيرة الإعمار وإشاعة شيئاً من الحريات وتنفيذ إجراءات مهمة على طريق العدالة الاجتماعية كقانوني الإصلاح الزراعي والعمل، وعلى طريق الإستقلال الإقتصادي كقانون التخلص من التبعية للجنية الإسترليني و قانون رقم 80، الذي عادت بموجبه ملكية جميع الحقول النفطية غير المكتشفة الى العراقيين، تتصاعد أصوات كثيرة تحاول الإساءة للحدث التاريخي العام، وتحميله مسؤولية الفشل في قيام نظام وطني ديمقراطي في البلاد حتى الأن، رغم مرور 65 عاماً على قيام الجمهورية، ومعتبرة ما جرى عام 1958 إنتكاسة للتحولات “الديمقراطية” التي كان من المنتظر حدوثها على يد السلطة الملكية.

ورغم أن من العبث الرد على مدفوعي الأجر أو من يغلق عينيه وأذنيه ولا يريد أن يعرف الحقائق كما جرت، فإن من حق الأجيال الشابة من العراقيين التعرف على ماضي بلادهم القريب، والتمّكن من فرز الحق عن الباطل، كما أن من البداهة بمكان، الإصغاء الى من له رأي موضوعي مخالف والحوار الهاديء معه.

ديمقراطية «الباشا»!

شكّل تكوين المملكة العراقية على يد المستعمر البريطاني، الذي رسم حدودها وفق مصالحه وإستورد لها ملكاً عربياً هاشمياً وأوجد له قاعدة إجتماعية من الإقطاعيين والتجار والمصرفيين ورجال الأعمال، بداية المشكلة، حيث بقيت الدولة الحديثة غريبة عن المجتمع وعاجزة من أن تتحول الى نظام ديمقراطي، بسبب الفشل في بلورة الهوية الوطنية الجامعة و تمّركز الثروة لدى قمة السلطة مقابل غالبية معدمة، تعاني حرماناً من الثروة الوطنية ومن الخدمات ومن المشاركة في الحياة السياسية، ذلك الحرمان الذي شمل حتى البرجوازية الوطنية. وأدى تفاقم المشكلة الى تقليص الدور الشكلي للمؤسسات الدستورية وممارسة العنف من أجل حماية الإستبداد والتلكؤ بتنفيذ برامج الإعمار(1). وهكذا، فإن وصف البعض النظام الملكي بالديمقراطية لا علاقه له بالموضوعية، خاصة وإن إدعاء الديمقراطية ليس كافياً لتمثلها فكرا وسلوكاً مهما دقت طبول التزويق لأدعيائها (2).

ديمقراطية «الزعيم»

إن عدم الإعتراف بما يسمى ديمقراطية النظام الملكي، لا يلغي النقد الذي يجب توجيهه الى السلطة التي حكمت البلاد بعد الثورة، فرغم إستراتيجية التحديث التي تبنتها، كأهم قاعدة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، عبر إنصاف النساء ودمجهن في النشاط العام للمجتمع، وإطلاق حملات لمحو الأمية، وتحقيق توزيع أكثر إنصافاً للثروة و لبرامج التنمية والخدمات، وإطلاق حريات واسعة كحرية الإبداع والإعتقاد والبحث العلمي والتنظيم السياسي والنقابي، وبناء المساكن والمدارس والمستشفيات، فإنها إحتكرت قسماً غير قليل من السلطات، وأغفل الدستور المؤقت الذي أصدرته تحديد فترة الإنتقال نحو حياة دستورية ديمقراطية، دون أن تعتمد على تفويض شعبي قانوني، رغم إنه كاد أن يكون مضموناً من خلال التأييد الجارف لأغلب العراقيين للسلطة وزعيمها الوطني والنزيه عبد الكريم قاسم. ولعل التناقض الواضح بين الإجراءات التغييرية والإنجازات التقدمية وبين تبني المركزية الشديدة والميول الفردية، ساعد كثيراً في نجاح الشقاة في وأد الثورة يوم 8 شباط 1963.

القضية القومية

ومن بين القضايا التي يُروّج لها اليوم ضد 14 تموز، ماحدث من صراع مؤسف بين سلطتها والحركة التحررية الكردية، والإدعاء بعدم وجود أي تمييز وإضطهاد قومي أيام الحكم الملكي. وللتأكيد على بطلان الإدعاء الأخير نشير فقط الى الثورات المسلحة التي قام بها الكرد ضد الملكية أعوام 1921 و 1931 و 1943 والإنتفاضات الشعبية التي سُحقت كلها بالقوة الغاشمة. كما يمكن لأي مقارنة منصفة أن ترينا الفرق بين تأمين الحقوق قبل 14 تموز 58 و بعدها.

لقد ساهمت جماهير الشعب الكردي، كباقي العراقيين في النضال متعدد الأشكال من أجل حرية البلاد وسعادة شعبها، كما كان للكرد دور في تنظيمات الضباط الأحرار. وكانت الثورة وفيّة لهم منذ أيامها الأولى، حيث أُشركوا في مؤسسات الدولة المختلفة وتم الإعتراف بشراكتهم في الوطن، عبر المادة الثالثة من الدستور، وصدر عفو عن المعارضين والسياسيين الكرد المعتقلين، وإستقبل المنفيون منهم إستقبال الأبطال الوطنيين، وأسست مديرية المعارف الكردية وسمح بالتدريس باللغة الكردية وتم طباعة مئات الألوف من الكتب بها وأجيزت الصحف والمنشورات الكردية.

غير أن النكوص الذي أصاب علاقة قيادة الثورة بطرف رئيسي من الحركة الوطنية الكردية، جاء كما هو معروف جراء تأثير العناصر الشوفينية على قيادة السلطة في بغداد من جهة وتأثير إقطاعيي كردستان ممن تضررت مصالحهم الطبقية بقانون الإصلاح الزراعي من جهة ثانية إضافة الى التدخل التأمري لدول المنطقة والإمبريالية العالمية (3). ومهما كانت التبريرات، فإنها لم تستطع أن تقنع أحداً منذ تلك الأيام، حيث تبنى الشيوعيون وكل الوطنيين شعار السلم في كردستان ودعو لحل سلمي يحمي منجزات 14 تموز ويحقق للشعب الكردي مطامحه المشروعة.

القضية الفلسطينية

تبنت سلطة ثورة 14 تموز القضية الفلسطينية منذ البداية كقضية رئيسية من قضايا التحرر الوطني التي تهم شعبنا العراقي. ويسجل لها شكلاً متميزاً للتبني، حيث لم تكتف قيادة الثورة بالدعم السياسي والدبلوماسي والمالي والإعلامي وغيره فحسب، بل ودعت لفسح المجال أمام الفلسطينيين أنفسهم لإدارة قضيتهم بحرية ورفع الوصاية عنهم وأسست لأول مرة قوات عسكرية لخوض كفاح مسلح ضد مغتصبي أرضهم وديارهم.

وعموماً لا يمكن لأي منصف أن يقارن هذا التبني، مهما كانت للمرء من إنتقادات عليه، بما قامت به حكومات الملكية، سواءً في التبعية للإنكليز، الأباء الروحيين لمآساة فلسطين أو في مهزلة تزويد الجيش بسلاح فاسد خلال معارك 1948 أوتنفيذ مخطط صهيوني لتهجير اليهود العراقيين الى إسرائيل، وهو ما كشفه مؤخراً المؤرخ البريطاني الاسرائيلي آفي شلايم، في كتابه “ثلاثة عوالم: مذكرات عربي يهودي”، حيث فضح فيه الدور الذي لعبته الموساد لعزل يهود العراق عن مجتمعهم، وهو دور بنت عليه حكومة بغداد أنذاك حملتها لتهجير أكثر من 110 ألف يهودي عراقي الى فلسطين، والتضييق على من يرفض منهم ذلك. وما القمع الذي سلطه أزلام نوري سعيد على مناضلي عصبة مكافحة الصهيونية، والذي وصل لإعدام العديد منهم، سوى دليل أخر على تأمرها ضد القضية الفلسطينية (4).

ـــــــــــــــــــــــ

وصل العجز المالي في عام 1957 الى 5.8 مليار دولار.

يشير الراحل محمد حديد الى تحول حلف لموجّه للسياسة العراقية العامة، حيث بسببه ألغيت اجازات جميع الأحزاب وعطّلت صحفها والصحف الأخرى غير الحزبية التي كانت تنتقد الحكومة. وحدّدت حرية الاجتماع والتظاهر، وأخذت هذه المظاهر تقمع بشدة. وبات النظام البرلماني شكلياً حينما ألغي المجلس الذي كان قد انتخب سنة 1954 لفوز بعض المعارضين بعضويته.

في عام 1960، قام السفير البريطاني في بغداد، همفري ترفليان، بزيارة الأقطاعيين في كردستان، وأنفق نصف مليون دينار لتأليبهم ضد قاسم وإصلاحه الزراعي.

ومن سخرية القدر أن يجتر الصداميون، ومن هم على شاكلتهم، ذات التهم “السعيدية” على تلك المنظمة وشهدائها المكافحين لأسقاط الصهيونية.

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  السبت 15-07-2023     عدد القراء :  783       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced