أسئلة تبحث عن أجوبة واضحة
نشر بواسطة: Adminstrator
الجمعة 22-01-2010
 
   
ملاحظات أولية حول مسودة موازنة عام 2010
(1 – 2)

د. صالح ياسر*
تواجه الدارس لموازنة 2010 جملة من الأسئلة الحارقة التي لا يمكن إنتاج معرفة صحيحة عن تلك الموازنة بدونها. وسنسعى من خلال تحليل الأرقام التي تضمنتها موازنة هذا العام لان تكون الأجوبة عليها بمثابة الخيط الهادي الذي يكشف لنا لعبة الأرقام من خلال تفكيكها وكشف القوى المستفيدة منها فعلا والقوى المتضررة منها فعلا.
تكرر مقدمة الموازنة لسنة/2010 ملاحظة تثير الانتباه ما جاء في مقدمة موازنتي 2008 و2009 وهي أن "المفهوم العلمي الحديث للموازنة الحكومية يتعدى كونها بيانات مالية وحسابات أو مجرد أرقام صامتة لا تقتصر على تقدير إيرادات الموازنة العامة ونفقاتها..... بل أصبحت الموازنة في عالم اليوم أوسع وأعمق بكثير، كونها تعكس مضمون السياسات المالية المعتمدة وهي مرآة الحكم بذاته في فلسفته المالية وتوجهاتها الاقتصادية وقواعده الضريبية وخياراته الاجتماعية والتربوية والصحية". (وزارة المالية العراقية، دائرة الموازنة، الموازنة العامة للعراق لسنة/2010، ص 9).
وتعني الملاحظة أعلاه أن الجانب الاجتماعي – السياسي مهم هنا، فالميزانية أداة سياسية تترجم مصالح وفلسفة القوى السائدة في المجتمع. وفي هذا المجال فإن تحديد المرجعيات الفكرية للموازنة العامة في العراق لا يجب أن ينفصل عن البحث عن أشكال سيطرة القوى المهيمنة وعن أسلوب ترجمة مصالح هذه القوى عبر بلورة القوانين المالية الكفيلة بضمان هيمنتها على الصعيد الاقتصادي، ومن ثم توظيف ذلك على الصعيد السياسي.
وعلى طريق بناء فلسفة الموازنة العامة لسنة/2010 انطلق معدوها من نقدٍ للميزانيات التي صيغت خلال السنوات السابقة (ص 9).
واستنادا الى ذلك تم تحديد جملة من الأسس والمبادئ التي اعتمدت لإعداد تقديرات الموازنة العامة لسنة/2010 (انظر: ص 15 من موازنة 2010).
ومن اجل الوصول الى الأهداف المتوخاة فقد تم تحديد الأولويات ومعالم تقديرات سنة/2010 بالتركيز على تحسين القدرات في مجالات عديدة كالأمن ومشاريع القطاع النفطي والطاقة والخدمات والهياكل الارتكازية والعمل على امتصاص البطالة.. الخ.
ولأن أي موازنة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن "البيئة" التي تطبق فيها وبالتالي معرفة التحديات التي تواجهها، فان ثمة نوعين من هذه التحديات هما: التحديات الخارجية المحيطة ببيئة العمل متمثلة في الالتزامات الدولية المترتبة على العراق وهي (اتفاقيات صندوق النقد الدولي ووثيقة العهد الدولي)، والتحديات الداخلية (انظر ص 10 من موازنة 2010).

مستويات قراءة الموازنة العامة لسنة / 2010

نظرياً، هناك عدة مستويات لقراءة الموازنة وكل قراءة مشروطة طبعاً بظروفها والصعوبات المنهجية والعملية التي يواجهها من يقوم بعملية القراءة. فهناك القراءة التي تركز على المستوى المنهجي وإعداد ميزانية الدولة، وهناك القراءة التي تسلط الضوء على المستوى التقني والمحاسباتي. ولكن هاتين القراءتين تواجهان صعوبات عديدة لا يتسع المجال هنا للدخول في تفاصيلها.
ولهذا وتجنبا للصعوبات ومن اجل تجاوز التخمين والحدس، يمكن اللجوء الى قراءة ثالثة. بموجب هذه القراءة يتم التعامل مع الميزانية العامة باعتبارها أداة من أدوات السياسة الاقتصادية، حيث يتوفر للمهتم بهذه الإشكالية، باعتماد هذه القراءة، معطيات موضوعية يمكنه أن يسأل من خلالها الميزانية. ومن بين هذه المعطيات طبيعة الحكومة وتوجهاتها السياسية ومقارنة هذه الأخيرة بسياسات الحكومات السابقة إلى غير ذلك.
سنحاول هنا تقديم قراءة لموازنة 2010 اعتمادا على المعطيات العامة المرتبطة بها. وسنسعى هنا للتركيز على تقديم أجوبة على سؤالين أساسيين، الأول عن المؤشرات الرقمية للموازنة لعام 2010 سواء من خلال بنية النفقات العمومية أو بنية الإيرادات العمومية والعجز وطبيعته، أما الثاني فعن كيفية تقدير السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال هذه الموازنة.
ومنعا لاستخلاص استنتاجات غير دقيقة لا بد من التأكيد على أنه لا يمكن فهم جوهر الموازنة الحالية بمعزل عن "فرادة" العمليات السياسية والاقتصادية/الاجتماعية الجارية منذ التغيير الذي حدث ببلادنا في 9/4/2003 وطبيعة القوى التي نفذته والتداعيات التي تلته. ثمة ميزان قوى جديد نشأ منذ اللحظة تلك، تتأثر حركته واتجاهاته، في معظمها، وتخضع لتأثير موازين القوى السائدة ، وتترجم ماليته هذا الخضوع بهذه الدرجة أو تلك.



هيكلية الموازنة لعام 2010
1 - بنية الإيرادات 
تقدر الإيرادات العمومية المتوقعة لعام 2010 بحوالي (56050.313) مليار دينار (ما يعادل 47.90 مليار دولار) وبنسبة نمو تبلغ 22.9% مقارنة بعام 2009 (وزارة المالية- دائرة الموازنة: موازنة عام/2010، ص 4). ومن المفيد الإشارة هنا الى أن الإيرادات المتوقعة تقوم على فرضية تصدير (2.1) مليون برميل/يوميا من النفط الخام وبسعر (62.5) دولار للبرميل الواحد.
وترجع الزيادة الأساسية المتوقعة في الإيرادات الإجمالية الى تلك المتأتية من الإيرادات النفطية التي تشكل نسبة قدرها 90.8% من إجمالي الواردات المتوقعة، علما بأنه يتوقع أن تنمو الإيرادات النفطية بنسبة قدرها 30.1% مقارنة بعام 2009. أما بالنسبة للمداخيل العادية الأخرى والتي تشكل 9.2% من إجمالي الإيرادات المتوقعة فإنها ستشهد (كمجموع) انخفاضا ملحوظا خلال عام 2010 سيبلغ ما نسبته 22.5% مقارنة بعام 2009، وباستثناء فقرة (الضرائب والرسوم التي ستشهد نموا) فان بقية الفقرات شهدت تراجعا ملحوظا (انظر: وزارة المالية – دائرة الموازنة: موازنة عام/2010، ص 7).
إن التراجع بالنسبة لمعظم مكونات الإيرادات غير النفطية يجد بعض جذوره في تفكيك بعض الرسوم ضمن إستراتيجية "تحرير التجارة" طبقا لشروط المنظمات المالية والنقدية الدولية ومن بينها منظمة التجارة الدولية التي تنص على إزالة الحواجز الجمركية ضمن أفق زمني محدد ضمن آليات "التحرير" الاقتصادي في إطار استراتيجيات المؤسسات المالية والنقدية الدولية.

2 - بنية النفقات العمومية
قبل العرض التفصيلي لبنية النفقات العمومية لا بد من الإشارة الى أن سياسة الإنفاق العام المقترحة للموازنة الفيدرالية لعام 2010 تؤطرها الاشتراطات التالية (موازنة 2010، ص 14 ولاحقا):
•اعتماد إستراتيجية الإصلاحات الاقتصادية..... بتشجيع السوق الحرة لتحقيق النمو الاقتصادي وإعطاء دور أساس للقطاع الخاص في اعمار وإعادة اعمار العراق ومشاركته في عملية التنمية المستدامة من خلال إعادة بناء البلد. وتحقيق الإستراتيجية أعلاه يتطلب نقل مهمة الإدارة الحكومية في إطار توفير الخدمات الى إطار الإشراف والمراقبة والتنظيم، والاستمرار بسياسات تحرير الموازنة العامة من الأعباء المالية.
•العمل على عدم تضخيم أجهزة موظفي الدولة من حجم الإنفاق على الرواتب خارج الحدود المسموح بها اقتصاديا والتوقف عن الصرف خارج تخصيصات الموازنة.
•ضرورة التركيز على انجاز المشاريع المستمرة والمباشر بها في مواعيدها المحددة لغرض انجاز اكبر عدد منها ووضعها حيز التشغيل.
•التقليل من دور الدولة في النشاطات الاقتصادية بخصخصة المؤسسات والشركات العامة وإشراك القطاع الخاص.
• إزالة كافة الأسعار الإدارية وتقليل حجم الدعم.
ويعني ذلك أن خطة للإصلاح الاقتصادي وكذلك بالانسحاب التدريجي من سياسات الدعم والاستمرار بسياسات تحرير الموازنة العامة من الأعباء المالية، العمل على عدم تضخيم أجهزة موظفي الدولة من حجم الإنفاق على الرواتب خارج الحدود المسموح بها اقتصاديا والتوقف عن الصرف خارج تخصيصات الموازنة ستكون الأولوية الأولى في الموازنة الفيدرالية لعام 2010. وستفسر لنا هذه النقطة لماذا تتخذ الموازنة في شقي النفقات والإيرادات هذه الوجهة دون غيرها.
وبالملموس، ستعرف النفقات العمومية في ظل موازنة عام 2010 نموا ملحوظا حيث تشير التقديرات الى أنها ستبلغ 83.418 تريليون دينار (ما يعادل 71.297 مليار دولار) وبزيادة قدرها 14.252 تريليون دينار (ما يعادل أكثر من 12.181 مليار دولار) وبمعدل نمو قدره 20.6% مقارنة بعام 2009 (موازنة 2010، ص 26).

ولكن ورغم معدل النمو الملحوظ هذا فإن بنية نفقات الميزانية العامة ستظل تتميز بنفس السمات التقليدية المعروفة والتي تعبر عن خلل بنيوي تبرز معالمه في ما يلي:
-ما زالت حصة النفقات التشغيلية تهيمن على إجمالي النفقات العامة في موازنة عام 2010. فقد فاقت هذه النفقات الـ 60 تريليون دينار ومشكلة نسبة قدرها 72.4% من إجمالي النفقات العامة بعد أن بلغت 78.2% في عام 2009.
-الحصة غير الكبيرة لنفقات المشاريع الاستثمارية التي بلغت 23051.612 تريليون دينار مشكلة نسبة قدرها 27.6% من إجمالي النفقات العامة، هذا مع ضرورة الإشارة الى حصول تطور في نسبتها الى إجمالي النفقات إذ ارتفعت من 21.8% في عام 2009 الى 27.6% في عام 2010.
ومن جانب آخر، لا يمكن تقديم تفسير متكامل لطبيعة الخلل البنيوي المشار إليه أعلاه دون ربطه بتحليل بنية النفقات التشغيلية. فبحسب المعطيات الواردة في الميزانية (وزارة المالية - دائرة الموازنة: موازنة عام 2010، بغداد 2010، ص 28).

يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1. رغم أن فقرة تعويضات الموظفين التي تشمل فقرتي (الرواتب والأجور والمخصصات، والرواتب والمكافئات التقاعدية) شهدت نموا قدرة 2.24% في عام 2010 مقارنة بعام 2009 إلا أنها مع ذلك ظلت تشكل نسبة كبيرة من مجموع النفقات التشغيلية حيث تقدر بـ 52.15% (و37.74% من إجمالي الموازنة) بعد أن كانت قد شكلت 56.8% في عام 2009، أي أن ما يقارب الأربعين بالمائة من النفقات السنوية وأكثر من نصف النفقات التشغيلية يذهب الى فقرة الرواتب والأجور وما يماثلها من تخصيصات. ولا ينبغي استخلاص استنتاج عام بشأن هذه القضية دون ربط ذلك بالتضخم ووتائره العالية، ثم الحاجة الى معرفة هيكلية الأجور (توزيعها بين الفئات الدنيا والعليا) والتفاوت الواضح بينها، وكذلك أنظمة الرواتب الخاصة المرتفعة جدا. وللمقارنة يمكن الإشارة هنا الى أن فقرة (تعويضات الموظفين) التي تخص مجلس الوزراء (إجمالي) لعام 2010 بلغت 531522.56 مليون دينار في إجمالي نفقات الموازنة، ووزارة الداخلية 5570581.316 مليون دينار، ووزارة الدفاع 2553080.400 مليون دينار.
2.  من المتوقع أن يشهد الإنفاق الأمني نموا ملحوظا في عام 2010. مقارنة بعام 2009 حيث بلغ هذا النوع من 3314.450 مليار دينار سيرتفع الى 4095.819 مليار دينار في عام 2010 وبنسبة نمو هي 23.57%.
3.  كما ستشهد فقرة الفوائد نموا ملحوظا يبلغ 55.65% حيث رصد لها 1072.435 مليار دينار في عام 2010 مقارنة بعام 2009 وهو 689.000 مليار. وكان هذا النمو ناجما عن تنامي الفوائد المستحقة عن الدين العام وفوائد الحوالات والسندات. وما يسترعي الانتباه، في هذا المجال، هو تنامي الفوائد المترتبة على إعادة هيكلة الديون ودول خارج نادي باريس بنسبة 186.83% حيث ارتفعت من 180.000 مليار دينار في عام 2009 الى 516.300 مليار دينار عام 2010.
4. لم يحدث تغيير ملحوظ بالنسبة لفقرة المنافع الاجتماعية ضمن إجمالي النفقات التشغيلية والتي ظلت تراوح في مكانها بل حتى انخفضت بمقدار حوالي 256.212 مليون دينار فقط وبمعدل انخفاض بلغ (4.03%).
ولتوضيح هذه الملاحظة لا بد من الإشارة الى أن هذه الفقرة (تشمل 11 بندا هي: تخصيصات البطاقة التموينية وشبكة الحماية الاجتماعية وبدلات العسكريين ونفقات الإغاثة والمعونة للمهجرين بقية المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث وتعويض دعاوى الملكية وتعويضات بعض المحافظات وتعويضات الضحايا وتعويضات لجنة 140 والمنح المقدمة من قبل مؤسستي السجناء والشهداء ونفقات الحج والعمرة). وتشير المعطيات المتوفرة الى أن المبالغ المخصصة للبطاقة التموينية سوف تسجل انخفاضا في عام 2010 بالمقارنة مع 2009.
فقد خصصت ميزانية 2009 مبلغا قدره 4200.000 مليار دينار في حين تضمنت ميزانية 2010 تخصيص 3500.000 مليار دينار أي أنها انخفضت في هذا العام بمقدار 16.67% مقارنة بعام 2009. والاهم من ذلك فإن حصتها في إجمالي النفقات التشغيلية ستنخفض في عام 2010 مقارنة بعام 2009 (من 7.7% في عام 2009 الى 5.8% في عام 2010). ولهذا فان مثل هذا التخفيض المطلق والنسبي سوف يلقي أعباء إضافية على الفئات المستفيدة من البطاقة المذكورة وستكون له تداعيات سلبية على البطاقة ذاتها سواء من حيث تقليص مفرداتها أو نوعية ما تتضمنه تلك المفردات.
ولا بد من إثارة الانتباه هنا الى أن التعامل مع البطاقة التموينية من منطلق أنها أعباء على الميزانية ولا بد من التخلص منها (وهو ما يروج له فرسان الليبرالية في بلادنا الواقعين تحت ضغوط صندوق النقد الدولي ومطالبه التي لا تنتهي) يمثل موقفا غير صحيح من الناحية الاجتماعية وقد تكون لذلك آثار سلبية. فالبطاقة هذه يعتمد عليها وعلى محتواها (مكوناتها) قطاع عريض من الفئات والشرائح الاجتماعية الكادحة والفقيرة وأن التقليص التدريجي سنويا لحصتها ضمن الموازنة التشغيلية دون توفير بدائل عقلانية قد يؤدي الى حدوث توترات اجتماعية وما يرافق ذلك من تكاليف سيدفعها المجتمع. لذا فان المهم أن يؤخذ بالاعتبار الآثار الاجتماعية الناجمة عن هذا التخفيض، وان لا يتم اللجوء الى اعتماد خطوات سريعة لإلغائها دون توفر بدائل معقولة وهذه الأخيرة لن تكون متوفرة على المدى المنظور.
ويبدو أن واحدا من الحلول المعقولة في الفترة الانتقالية الاستثنائية هو اعتماد نوع من نظام للضمان الاجتماعي وتمويله ليس بالضرورة من خلال الميزانية بل عبر إنشاء صناديق لهذا الغرض، والتخطيط لذلك ضمن أفق زمني وتثبيته مؤسسيا. هذا مع العلم أن المبالغ المخصصة لشبكة الحماية الاجتماعية بقيت على حالها من دون تغيير، حيث خصص لها في عام 2010 مبلغا قدره 944.775 مليار دينار عراقي وهو يعادل نفس المبلغ الذي خصص لهذا الباب عام 2009. في حين تنامت المنح المقدمة من قبل مؤسستي السجناء والشهداء من 172.000 مليار دينار عام 2009 الى 550.000 مليار عام 2010 أي أنها تنامت بـأكثر من ضعفين (218.10%). ونفس الأمر بالنسبة للمبالغ المخصصة للإغاثة والمعونة للمهجرين التي ازدادت من 78.250 مليار دينار عام 2009 الى 230.150 مليار عام 2010.
5. كما شهدت فقرة (الإعانات) التي تمثل تخصيصات الدعم المقدم للهيئات والشركات العامة المملوكة للدولة (SOEs) والتي توظف حوالي 633100 منتسب ابتداء من كانون الثاني 2010 انخفاضا يبلغ 12.5 % في ميزانية عام 2010 مقارنة بعام 2009. حيث ستوفر ميزانية عام 2010 مبلغا قدره 3003.202 مليار دينار (ما يعادل 2566.8 مليون دولار) لدعم هذه الشركات العامة. وإذا ما أخذنا بالاعتبار طبيعة الأوضاع التي تمر بها هذه الشركات فان هذا المبلغ الضئيل (2.5 مليار دولار تقريبا) لن يوفر دعما حقيقيا لهذه الشركات وبالتالي لن تتمكن تلك الشركات من القيام بإعادة هيكلة حقيقية تخرجها من أوضاعها الصعبة. لا تعني ضالة المبلغ المخصص سوى شيء واحد هو ترك هذه الشركات تواجه مصيرها المحتوم: الإفلاس، وبالتالي توفر الحجة لنسور الخصخصة دون قيد أو شرط لتصفية هذه الشركات بذريعة إفلاسها!
6. أما فقرة المديونية والالتزامات فقد تنامت بـ 23.19%، إذ ارتفعت من 3575.570 مليار دينار في عام 2009 الى 4404.804 مليار عام 2010.

وترجع أسباب هذه الزيادة الى عاملين على الأقل:
-الأول هو تعويضات حرب الكويت التي ارتفعت بنسبة 30.14% ( من 2153.500 مليار دينار عام 2009 الى 2802.515 مليار دينار).
-الثاني هو تسوية الديون التي بلغت 909.270 مليار دينار عام 2009 لترتفع المبالغ المخصصة لها في عام 2010 الى 1483.700 مليار 2010 وبنسبة زيادة بلغت 63.17%.

أما بالنسبة للنفقات الاستثمارية فتشير المعطيات المتوفرة في موازنة عام 2010 (انظر: موازنة عام 2010، ص 49 ) تسجيل أربع ملاحظات:
•الأولى، إن تخصيص 23051.612 مليار دينار للمشاريع الاستثمارية في موازنة عام 2010 وتناميها بنسبة 59.8% في هذا العام مقارنة بعام 2009 يعد مؤشرا جيدا على ما يمكن تحقيقه في البلاد لو تم الإنجاز بوتائر عالية وتم تقليص آثار الهدر والفساد المالي والإداري وضعف الإجراءات التي تردع من يقوم به. غير أن نتائج التنفيذ خلال السنوات الماضية تتيح القول أن تنامي التخصيصات الاستثمارية في سنة ما لا تتيح بالضرورة الاستنتاج بأن الآثار ستكون بالضرورة أكثر ايجابية ما لم تربط بنسب التنفيذ التي عادة ما تكون واطئة، ناهيك عن حجم الفساد المعروف بمختلف أشكاله.
•الثانية، يلاحظ ارتفاع مطلق ونسبي في حجم الاستثمارات المخصصة لقطاعي النفط والكهرباء وان تفاوتت من حقل لآخر. إذ رغم تأكيد موازنات السنوات السابقة على ضرورة إعطاء الأولوية لمشاريع القطاع النفطي والطاقة الكهربائية، ورغم الأهمية المحورية لقطاع النفط في الاقتصاد العراقي مقابل ما يعانيه من مشاكل مما يدعو الى تحديثه وتطويره من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات إليه نجد ان المبالغ المخصصة للمشاريع الاستثمارية للقطاع النفطي تنامت بـ 19.2% في عام 2010 مقارنة بعام 2009 حيث ارتفعت من 2603.55 مليار دينار عام 2009 الى 3103.55 عام 2010، علما أن نسبة مساهمته انخفضت من 17% في موازنة 2009 الى 13% في موازنة 2010. وبالمقابل، من المتوقع ارتفاع الاستثمارات المخصصة لقطاع الكهرباء من 1275.383 مليار دينار عام 2009 الى 4083.384 مليار عام 2010 وبنسبة نمو تقدر بـ 220.2%. رغم أن البلاد تعاني من أزمة فعلية في مجال الكهرباء. هذا مع العلم أن الأهمية النسبية لهذين القطاعين في إجمالي النفقات العامة (التشغيلية + الرأسمالية) كانت متواضعة (3.7% للقطاع النفطي و 4.9% لقطاع الكهرباء). وفي الوقت الذي يتعين دعم مطلب رفع معدلات الاستثمار في هذين القطاعين، لكن لا بد من إثارة الانتباه الى انه ورغم حجم التخصيصات غير القليلة لهما لكننا لا نعثر لحد الآن على أي اثر ملموس لهذه الاستثمارات على الاقتصاد العراقي بشكل عام وعلى الحياة اليومية للمواطن العراقي بشكل خاص. وينبغي الإشارة الى أن نسب الإنجاز في مشاريع الخطة الاستثمارية للسنوات الماضية شهدت تدنيا واضحا وهذا ناجم عن جملة أسباب لا يتسع المجال هنا للدخول في تفاصيلها.
•الثالثة، انخفاض دور الأقاليم والمحافظات في الميزانية الاستثمارية. ففي الوقت الذي بلغت تخصيصات 2009 لهذا الجانب 2872.065 مليار دينار فانه تم تخصيص فقط 2654.000 مليار دينار في ميزانية عام 2010 لتنمية تلك المحافظات والأقاليم، وذلك بانخفاض بلغ 218.065 مليار دينار عن عام 2009 (وبنسبة انخفاض قدرها 7.6%). علما أن هذه الأرقام تتعارض مع ما ورد في الموازنة (ص 48) حيث أشير الى انه تم تخصيص 2654 مليار دينار (ما يعادل 2.268 مليار دولار) " لغرض النهوض بالواقع التنموي للمحافظات للوصول الى التنمية المستدامة " . ورغم أن قانون الموازنة اشترط أن يكون حجم التخصيصات موزعا بما يتناسب مع عدد السكان ودرجة الحرمان، ولكن يبدو أن مثل هذا التوزيع كان ولا يزال يواجه بعض الصعوبات في التطبيق.
وملخص القول هنا هو أن ميزانية النفقات التشغيلية ما زالت تلتهم حوالي ثلاثة أرباع النفقات العامة وهي نفقات تجري على حساب الاستثمار، الأمر الذي يجعل الميزانية غير قادرة على خلق ديناميكية فعالة على مستوى النمو الاقتصادي الذي يشترط من بين ما يشترطه وجود استثمارات كبيرة تحتاجها البلاد حقا في هذه المرحلة.
واعتقد أن للملاحظة السابقة مغزى استراتيجياً يتمثل في أن النقص الحاصل في نفقات الاستثمار العمومي تترتب عليه نتيجة مهمة هي إمكانية تنامي الطبيعة المضارباتية للاقتصاد. ففي ظروف عدم تبلور إستراتيجية تنموية واضحة ووضع أمنى لم تستقر معالمه بعد رغم التحسن النسبي، سيتم التوجه إلى القطاعات ذات الربحية السريعة دون إعطاء الأهمية المطلوبة للقطاعات المنتجة. وسلوك من هذا النوع من شأنه أن يزيد من اختلال التوازنات الاقتصادية (ضعف المردودية، عدم تحقيق تنمية أفقية على كافة المستويات الاقتصادية...الخ). وبسبب محدودية الموارد، مقارنة بتنامي الحاجات، فان هناك افتراضاً ضمنياً تقوم عليه الميزانية هو أن تتولى المساعدات الدولية تمويل المشاريع الاستثمارية وما يشكله ذلك من قيد على بناء إستراتيجية اقتصادية معللة. يؤكد هذه الفرضية الأطروحات التي أشار إليها بعض صناع القرار على المستوى المالي في معرض مناقشات تمويل العجز في موازنة 2010 حيث أشير الى أن "السياسة المالية أوجدت مصدرا خارجيا لسد العجز والنهوض بالجانب الاستثماري". فيما صرح الناطق باسم الحكومة علي الدباغ، "إن تغطية العجز ستكون من خلال تدابير عدة، منها.. الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدولي".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced