لعل الأحداث المتكررة والتي تكاد تكون يومية من انتهاكات وتمييع لحقوق الناس في العراق، تدفعنا وكافة المراقبين والمتابعين لما يجري من تجاوزات وتجاهل لحق المرء في العيش بكرامة وامتلاك حرية التعبير والعيش بكرامة والدفاع عن مشروعية هذا الحق الوجودي والإنساني الذي اقرته كل الأعراف والدساتير والاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نقتبس من ديباجته: (لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم) ونقتبس أيضا (ولما كان تناسي حقوق الانسان وازدراؤها قد أفضيا الى إلى اعمال همجية أذّت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو اليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة).
هذا التعريف النبيل يبين سعي المنتظم الدولي الى تحقيق حياة كريمة للبشر دون تمييز أو فوارق أو تبنّي عنصرية أو ممارسات طائفية من شأنها أن تفكك اللحمة الوطنية لأي مجتمع وتحوله الى حالة من المواجهات الدائمة، دونما سبب أو فائدة أو أي هدف انساني.
وباختصار شديد أن ما يهمنا من هذا التقديم ما يحصل في العراق حصرا باعتباره وطننا الذي يعاني من مثالب وتجاوزات خطيرة شملت المجتمع العراقي برمته بسبب الممارسات غير الإنسانية واعمال البلطجة والتجاوزات على ابسط حقوق الانسان شملت كل مفاصل المجتمع العراقي وذلك لغياب الوعي الفكري لدى العديد من أصحاب سلطة القرار أمثال أولئك الذين جاءوا لسلطة القرار بعقلية الانتقام وسلوك البلطجة ومبدأ إما أنا ولا غيري، ليبدأ العبث بكل القيم الإنسانية والمجتمعية والتي فاجأت العراقيين وحصرتهم في زاوية العبث اليومي من ممارسات لأفراد لا يعرفون ولا يعون قيمة الانسان وحقه في العيش بكرامة وحرية في مجتمع مكون من طوائف وإثنيات وقوميات وأعراق وهم بأمس الحاجة أن يتلمسوا افضال حقوق الانسان التي اقرتها الأعراف الدولية، ولكنهم فوجئوا بمخلوقات لا تعي هذه المبادئ ولا تعترف بها، ليعيش العراقيون في دوامة من الفوضى والتجاوزات ومصادرة كرامة الناس وحقهم في العيش الحر وبسلام دائم، من لدن أحزاب ومليشيات وأطراف شاذة في سلوكها، دونما رادع أو موقف يحد من تجاوزتها وعنجهيتها وأفعال البلطجة التي باتت سمة ملازمة لما يجري في العراق، بحيث اصبح البعض يخاف من البعض ويخشاه لتتولد لدى العراقي القناعة أن الوضع بات مأساويا بسبب هذا الخبل وهذه التصرفات التي تضع كل شيء وراء ظهرها وتترك الحبل على الغارب وفرض إرادة الأقوى ليختلط الحابل بالنابل.
إن العراقيين أحوج اليوم للتمتع بمجتمع مسالم يحترم كرامة الناس واختياراتهم دونما خوف أو تهديد من هذا الطرف أو ذاك، يسعون للعيش في مجتمع مدني حضاري خال من لعلعة الرصاص وأزيز الصواريخ ولغة القتل والتصفيات التي عانوا منها لعقود بعد أن كانوا مخبئين في جلابيبهم خوفا من أن تطالهم ماكنة المحو ومقاصل القتلة، اليس من المهازل أن تتكرر ذات الأوضاع ليعيش العراقي حالات من الرعب لم يتخلص منها بعد انهيار نظام القتلة الفاشي.
إن حقوق الانسان بات مطلبا ملحا وأساسيا لكافة العراقيين لشعورهم بأنهم ما زالوا يعيشون حالة من الفوضى وانفلات أمني وتسلط مجموعة من الجهلة والطارئين، هدفهم بث الرعب بين الناس المغلوبين على أمرهم ليتسنى لهم امتلاك ناصية الخراب من خلال أساليب النهب والاستحواذ على خيرات البلاد وفرض حالة من الهلع الدائم ولا يتوانوا في سفك دماء الأبرياء وكل من يسعى للمطالبة بحقوقه المشروعة واسترداد الكرامة التي باتت تحت رحمة القتلة والفاسدين ومن يمسكون بسلطة القرار دونما رادع أخلاقي أو انساني أو وطني أو حتى ديني، وهنا تكمن كارثة العراقيين.
إن حقوق الانسان تنتزع ولا تعطى، لأنها ليست منّة من أحد، بل هي حق انساني مشروع تكفله كل الشرائع والسنن، وليس من حق أيٍ كان أن يصادر هذا الحق أو ينتقص منه تحت أية ذريعة مهما كان مصدرها أو تبريراتها.
إن العراق بحاجة الى سن قوانين تتبنى حماية حقوق الانسان وتحافظ على كرامة البشر دونما مزايدات أو اجتهادات شخصية باعتبار ان هذه القوانين والتشريعات مقدسة ولا يمكن التجاوز عليها، ودون ذلك فأن النواميس الكونية أعطت الحق للبشر الى التمرد على الظلم والتجاوزات وهضم الحقوق المشروعة تحت أي مسمى او تبرير، لهذا كله ومما تقدم، بات من الضروري على من صودرت حقوقهم المشروعة التمرد وإعلان حالة العصيان السلمي حتى تحقيق الأهداف السامية والتي لا مناص من نيلها حتى وإن كلف ذلك التضحيات الجسام.
إن العدالة الاجتماعية والسلم الأهلي والاستقرار المجتمعي والنهوض فعليا بأحوال البلاد والعباد لا تتأتى أبدا إلا من خلال التطبيق الفعلي لحقوق الانسان، سيما في مجتمع موزائيكي تركيبته متعددة الأعراق والأديان والمعتقدات والطوائف مثل العراق، وصياغة دستور عصري غير خاضع للأهواء والاجتهادات التي غالبا ما تكون صبيانية وسوقية جاهلة بطبيعة النظم الديمقراطية، وهذا هو السبيل الوحيد والأمثل إذا ما أريد لبلد عريق وهام مثل العراق، الاستقرار المجتمعي والأمني والاقتصادي والسياسي، وهذا الامر يتطلب وعيا وطنيا بعيدا عن أي انحياز للقوى الخارجية ليبقى القرار عراقيا وحسب، لكننا وللأسف الشديد لا نرى أيا من هذه الشروط متوفرة اليوم في عراق ما بعد التغيير، بعد أن انتشرت وبشكل مخيف قوى تدّعي أنها سياسية وهي لا تعي من الفهم السياسي حتى القشور، هذه القوى التي أعادت حالة القرار للأقوى وارثة حيث كان يتحكم بالوضع في العراق بسياسات بلطجية ومجرمة أخضعت الوضع السياسي للمغامرات لجهلها بفهم ما كان يدور في العالم من إنجازات حضارية، لتدعي بأنها هي الأمثل في قيادة البلد وها هي الكوارث التي تعشعش في تفاصيل الوضع في العراق وما وصلنا اليه وما سيؤدي الى كوارث تحرق الأخضر واليابس.
فهل انتبه ساسة العراق اليوم لحجم المأساة بسبب الممارسات التي حولت البلد الى مستنقع من الأوضاع الشاذة والكارثية والشعب يتضور جوعا ويغلي بسبب سياسات التجهيل و الإهمال وترك صراخ المحتاجين وراء الظهور، دون أن يستفيدوا من الدروس والعبر إزاء ما حدث من زلازل إن كانت في العراق أو ليبيا أو مصر أو اليمن أو تونس وغيرها لتكون تلك الهزات العنيفة والمزلزلة دروسا يستفاد منها العقلاء، لا أن تتبنى مبدأ أنا وغيري للجحيم، وهنا لا تنتهي إلا ما أنتهى اليه من سبقوهم، لأن الكلمة الفصل دائما للشعوب التي لا يمكن الاستهانة بغضبها وما يمكن أن يترتب عليه إذا ما بلغ السيل الزبى.
مرة أخرى نقول أن تطبيق قانون حقوق الانسان بشكل عادل وصارم إزاء كل الحالات الشاذة في المجتمع وفسح المجال للمبادرات الاجتماعية لبناء الوطن والخروج من عنق الزجاجة، وتطبيق نظام ديمقراطي سليم وبعيد الأهواء الشخصية، هما السبيل الوحيد والأمثل أذا حكّمنا عقولنا وضمائرنا خدمة للأجيال القادمة وللوطن الذي يئن تحت وطأة الخراب والانفلات الأمني وغياب الأسس الحضارية لمواكبة التطور في كافة المجالات.
فهل يعي القائمون على سلطة القرار الى ما ذهبنا اليه أم أن مصيرهم سيكون مثل من سبقوهم.
ونتشهد بقول المتنبي الخالد:
لولا المشقّةُ ساد الناسُ كلهمُ.......الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قتّالُ