توطئة : ثمة طقوس مبهجة تغمرني غبطة في أولويات سفرتي لبغداد الحبيبة هو الأستمتاع بشارع المتنبي وخزائن مكتباته الثرّة لأقتناء الجديد في عالم القيمية الثقافية والعلمية ، تسمرتُ فجأة أمام الواجهة الزجاجية لآحدى المكتبات العريقة وتفحصتُ عنوان كتاب غريب ومثير يوحي سيمياؤهُ المترع بسوداوية وعنف تخيلته لآول وهلة إنهُ من أفلام الأكشن الفرانكشتاينية ، وبدافع الفضول أقتنيتُ الكتاب وعنوانهُ : حرب الخليج الثانية الحرب القذرة النظيفة 1990 للكاتبة الفرنسية كريستين دويلان .
الموضوع : ثمة ذكريات سوداوية مقرفة ومفزعة شربناها نحن جيل الثمانينات مرارتها حتى الثمالة ضمن زمكنة وطني العراق المستباح أرضاً وشعباً وخيراتاً ، فمأساتي طويلة حيث سياط زمن ما بعد تلك الحروب العبثية تلهب ظهور أبناء جيلي ومدينتي الحبيبة عروسة التأريخ " بغداد " الغافية على ضفتي دجلة الخير التي غادرتها ولم تغادرني ، تركتُ بصماتي على جدرانها العتيقة تحكي حرمانات طفولتنا وطموحات شبابنا وأحلامنا الممنوعة والتي تكتمتُ عليها لأحميها من لعنة المخرجات السالبة لتلك الحروب العبثية التي تفتقد قوة المنطق والحكمة برافعة حكم شمولي دكتاتوري بغيض حولت الفرد العراقي إلى روبوت في التسيير الغيبي للعقل مروض بأحترافية بين الترغيب والترهيب ليستنسخهُ للأنسان المستقر المدجن بثقافة الولائية المطلقة للنظا م الدكتاتوري لذا انفرد رئيس النظام السابق بالقرار السياسي وأعلن أجتياح الكويت في 1990 سميت بحرب الخليج الثانية .
وهي مأساة جيل الحرب العبثية وهو يتعايش دمويتها وجنائزها ، وما تبقى من فواتير مراهقة تلك الحروب يدفعها (غدا ) جروحاً وآلاماً ويعاقر شيوع الجريمة وملازمة المؤثرات العقلية ، وتلك هي ( هنة ) الكاتبة الفرنسية دويلان أن هناك نظافة في الحروب ! ! وبالخصوص عندما تتغوّل الرأسمالية المتوحشة بالتوليف بينها وبين الحصار الأقتصادي المقرف والظالم تلك هي يوم القيامة للشعوب المقهورة وشاءت الأقدار ان يتزامن القرار الأممي باصدار عقوبة الردع في 6-8 -1990 على العراق وجيشهُ المنسحب وألقاء القمبلة النووية على هيروشيما اليابان في 6-8-45 وهومنسحب ومستسلم ، لعمري أنها جريمة بشعة ، هناك تشابهاً وتقارباً في تدمير الروح البشرية والبنى التحتية والفوقية للدولتين .
وأنا شخصياً (مكرهاً ومضطرا) مع عقوبة الردع للمعتدي على سيادة دولة الكويت الجارة وللحفاظ على السلم المجتمعي ولكونها معترف بها أممياُ من قبل المحافل الدولية ذات ازدواجية المواقف في مسائل عالمية عديدة ولأن الكويت ينبوع نفطي من العسل دارت عليه الدبابير من كل حدبٍ وصوب بريطانيا وفرنسا وأمريكا حكموا بالفناء سبق الأصرار والترصد على من يجرأ في أقتحامهُ وتسجيله بأسم مجهول( والحكام الذين حاولوا أرجاعها للعراق (الأول) هو الملك الهاشمي الراحل غازي والذي أغتيل على يد مجهول والزعيم العراقي الخالد عبدالكريم قاسم بتكليف مهمة الأقتحام إلى آمرإحدى الفرق الضابط حميد حصونه سرعان ما وصل لحدود الكويت تخاذل لسبب في قلب يعقوب وأعدم عبدالكريم قاسم في أنقلااب 8 شياط 1963 وكررها صدام حسين وخسر السلة والعنب وأحتلت أمريكا العراق في 2003 ، وبالمناسبة هم يعلمون بأنها جزء من العراق قضاء ملحق بالبصرة في العهد العثماني الحديث حسب الوثائق التأريخية الموجودة اليوم في الأرشيف السياسي البريطاني ، (الوثيقة البريطانية تحكي أن الكويت من مصادر الطاقة في العالم وهي جزء من البصرة العراقية) ولكني أرفض وبشدة الهولاكوست أوالجيناسايد الذي تعرض لهُ جيشنا المنسحب والذي يرقى لمحو الهوية العراقية بدفن 60 ألف جندي عراقي في حفر الباطن وهم أحياء ، أضافة إلى أحتلال العراق من قبل الولايات النتحدة الأمريكية وقصف بغداد الحبيبة بصواريخ اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض للبحث عن أسلحة دمار شامل (وهمية) ، ولاحقاً تأكد للمجتمع الدولي إن الأمريكان أستعملوا ( القمبلة النيترونية ) في حسم معارك الجيش العراقي في 2003 .
وسوف أعرض بعض الأقتباست بتصرف من كتاب " الحرب القذرة النظيفة " الكاتبة الفرنسية كريستين دويلان لتكون شاهدة في (أرخنة ) أحداث دفن الجيش العراقي وهم أحياء تقول : --- لم تكن معزولة وإنما كانت عملية تكتينية عسكرية دقيقية للقوات الأمريكية ولكن ولا صحيفة عراقية تناولتها في وقتها حتى في الأدب والفن العراقي لا ذكرلها ، مع إن غابريت ماركيز كتب روايته الشهيرة ) مئة عام من العزلة عند مقتل أقل من 30 من عمال الموز وهم أقل من ثلاثين ضحية وحاز بسييها جائزة نوبل .
{ ----- الكولونيل مورنيو قائد الكتيبة الثانية في الفرقة الحمراء المنفذة حرفيا قال :
إن عملية الدفن التي تمت كانت عملية تكتيكية عسكرية دقيقة للقوات الأمريكية ، ومن بين مخططي العملية كان هناك المهندس ستيفن هاوكيش في الفرقة الأولى الذي قام ببناء معسكر تدريبي في الأراضي السعودية ، من أجل دفن الجنود أحياء في خنادقهم .
في تصريح للعقيد الأمريكي أنتوني مارينو قائد الوحدة الثانية في الجيش الأمريكي : قتلنا آلاف الجنود العراقيين ، وأضاف إنهُ قد رأى العديد من أذرع الجنود العراقيين الماسكة للسلاح وهي تتململ تحت التراب }. أنتهى
أخيراً-جريمة نكراء مفجعة بحجم دفن 60 ألف جندي عراقي ضحية وهم أحياء مغيبون بضبابية أعلامية لحدثَ صادم لا يقل غرابة عن المفهوم التكييفي لقانون مفهوم الجريمة وظهر أنهم تدربوا مسبقاً على جريمة الدفن للأحياء الضحية أي مع سبق الأصرار والترصد بمعنى أصح الأعدام المسبق ، أتساءل وبمرارة في أية بقعة على سطح هذا الكوكب التعيس – عدا العراق – أقل من هذا الحدث المفجع كان سيؤدي هذا الكشف الموجع لضجة عالمية وتدويل القضية ، تلك الجريمة لم تكن عملية معزولة وإنما كانت عملية تكتيكية عسكرية سرية دقيقة للقوات الأمريكية ، ولكن الأعلام العراقي أوالصحفي وعلى مستوى شعبي وحكومي تكتم عليها ولم يذكرها بل تغافل عنها ، ولا حتى على مستوى الأدب والفن والرواية وتذكرنا الروائية كريستين في كتابها هذا :برواية غابريل ماركيز الشهيرة (مئة عام من العزلة)عن قتل عمال الموز في أضراب وهم أقل من الثلاثين ضحية وحاز على جائزة نوبل بسببها !؟ ، وبالتأكيد ينطبق عليها المثل العربي: قتل أمرء في غابة جريمة لا تغتفر، وقتل شعي آمن مسألة فيها نظر ، ولو أن الأمثال (تضرب ولا تقاس) ولكن في عصر الأزدواجية الفكرية وخلط الأوراق وأنحطاط الحضارات التي آلت إلى الحداثة الرقمية المقلقة والذكاء الأصطناعي ( تضرب وتقاس ) عند العراقيين !؟----
تشرين ثاني 23
كاتب وباحث