بعد انتهاء انتخابات مجالس المحافظات، وإعلان نتائجها التي اسفرت عموما عن استمرار هيمنة منظومة القوى الحاكمة والمتنفذة، قوى المحاصصة والسلاح، عاد الحديث وخصوصا في صفوف القوى المدنية والديمقراطية عن دور ومكانة الانتخابات في عموم الحياة السياسية في بلدنا ، ومدى تأثيرها على الاهداف المتبناة ذات العلاقة بتغيير نمط الحكم ونهجه وشخوصه ، وعلى مجمل عملية التغيير كصيرورة وعملية تراكمية ، نظرا الى ان التغيير غدا حاجة ماسة وتتطلع اليه الغالبية من العراقيين . نقول الغالبية لانه اصبح واضحا وملموسا الآن هذا الانقسام الحاصل في المجتمع بين أقلية حاكمة تمتلك المال والسلاح والاعلام والسلطة، وتستحوذ على مؤسسات الدولة وتمعن في هيمنتها عليها ، وبين غالبية من العراقيين تكافح في سبيل العيش في ظل توزيع غير عادل للدخل وللخدمات ، وتكتوي بنار أزمات المحاصصة، المحاصصة التي يجهد البعض نفسه عبثا في البرهنة على انها مجرد تقاسم انتخابي للسلطة ، فيما التعامل مع نتائج انتخابات ٢٠١٠ و ٢٠٢١ وما الت اليه الأمور في الواقع يدحض ذلك. والواقع يرفض كذلك القول بانها تمثيل عادل للمكونات ، في حين هي تقاسم محاصصاتي تخادمي بين من يدعون تمثيل هذه المكونات. وهنا تجدر الإشارة الى ان الـ ٧٥ في المائة الذين قاطعوا او عزفوا ، هم قطعا من هذه المكونات التي يدعي البعض تمثيلها !
والشيْ الذي يتردد ويتوجب التوقف عنده هو القول بان لا طريق سلميا للتغييرغير الانتخابات ، فيما لا يرى آخرون في الانتخابات الا تزكية للمنظومة الحاكمة. ومن حيث المبدأ لا اعتراض على انتخابات ديمقراطية سواء للمجالس المحلية او لمجلس النواب ، ولكن الانتخابات ، كما نرى ، لا يمكن التسليم بها بغض النظر عن ظروفها الملموسة ، وما يتوفر لها من مقومات ومستلزمات ، كما ان من الخطأ المبين عدم الاكتراث بها ، وكأنها امر يهم الجماعات المهيمنة المتنفذة وحدها ، وهي عندذاك ستكون مطمئنة الى إدامة نفوذها وهيمنتها .
وهناك جانب اخر لابد من الوضوح بشأنه، وهو انه لا يمكن بأي حال من الأحوال حصر العمل النضالي بطريق واحد ووسيلة واحدة. ومثال ذلك ما قدمته انتفاضة تشرين ٢٠١٩ ، فهي التي اسقطت الحكومة ، وهي التي فرضت اجراء انتخابات مبكرة تلاعب المتنفذون لاحقا بتوقيتاتها ، بعد قمعهم الانتفاضة باساليب وحشية فاشية. وبعد ارتكابهم الجرائم المنكرة المعروفة بحق المنتفضين ، يعود احدهم اليوم ليقول بان ما حصل في تشرين كان ٩٠ في المائة منه سليما. ويقينا ان الـ ١٠ في المائة المتبقية ، هي ممن زرعتهم القوى المضادة للانتفاضة ، الداخلية والخارجية ، في صفوفها .
بطبيعة الحال لا يمكن التقليل من أهمية الانتخابات ، ولكن من غير الصحيح المبالغة بدورها وقصر النضال عليها. فهي لا يمكن النظر اليها الا باعتبارها حلقة في صراع سياسي محتدم ، وهي حلقة يتوجب عدم التقاعس عن حسن استخدامها واجادة فن الاستفادة منها ، وهو متعدد الجوانب ولا يقتصر على الحصول على المقاعد فقط ، رغم أهمية ذلك أيضا .
ومن جانب اخر من غير المفهوم ان توضع تعارضات او تقاطعات بين اشكال ووسائل النضال ، فيما يفترض التكامل بينها. فلا يتوجب ان يوضع العمل الجماهيري والمطلبي والشعبي ، وما يتخذه من اشكال عدة ، من الابسط الى الارقى ، في تقاطع مع المشاركة الفاعلة في الانتخابات ، التي يتوجب استمرار النضال من اجل ان تكون عادلة ونزيهة ومعبرة حقا عن إرادة المواطنين .
وبعد انتهاء جولة الانتخابات وكما كان متوقعا ، بقي الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والمال السياسي والسلاح المنفلت على جدول العمل. وان تحقيق هذا وفرض السير على طريق التغيير، يتطلب اصطفافات سياسية وشعبية واسعة ، لا بد ان يتواصل العمل لتحقيقها كأداة لتحقيق إرادة غالبية العراقيين .
طريق الشعب