يجبر الفقر الشديد عدداً متزايداً من النساء للأسف على بيع اجسادهن، تماماً كما تدفع الحاجة الماسة بعض المعوزين إلى بيع اعضائهم كالعين والكلية، مع فارق يشير الى أن تجارة المرأة بجسدها تبقى مدعاة للخجل والعار في المجتمع، الذي ربما يتعاطف بعض افراده مع بيع الأعضاء!
ويبدو أن ارتفاع مستوى دخل بعض المواطنين، قد ساعد في ظل الكبت السائد على جعل سوق تجارة الجنس رائجة، تتباين مواقعها بين الملاهي الليلية والشقق المؤجرة، كما في دولة الامارات التي استقطبت العديد من النساء العراقيات الهاربات من الجحيم الإقتصادي والعنف الأسري والفاقة في البلاد، للعمل هناك.
وعلى الرغم من الانغلاق المجتمعي، ساعد الجوع وفقدان المعيل وغياب فرص العمل على ارتفاع نسب الممارسات اللااخلاقية المختلفة ومنها تجارة الجنس، ووجد من بين العاطلين سماسرة قاموا بتنظيم هذه الممارسات، وإنتظموا في مافيات تدير عمليات كبيرة لتجارة البشر ما بين العراق والأردن وسوريا ودول الخليج، وإمتلأت الملاهي بالعديد من النساء المستعبدات من مختلف دول العالم.
ولم يقتصر الوضع على العراق وحده بل تعداه الى بعض الدول العربية، ففي الرباط عاصمة المغرب هناك ما لا يقل عن 7333 مومس وأغلبهن مطلقات أو أرامل. أما في تونس فقد حوصرت هذه المهنة بثورة الربيع العربي، بعد ان كانت البلد العربي الوحيد الذي يسمح بمزاولة تجارة الجنس في بيوت مغلقة.
وعلى الرغم من توقيع إتفاقية حظر الإتجار بالبشر وإستغلالهم بالدعارة عام 1949 والتي بدأ تنفيذها منذ 1951، ما زالت دول كثيرة تمارس هذه التجارة مثل الأمريكتين واليابان، وتدر عليها أرباحاً طائلة.
وإذا ما وضعنا تحت المجهر بلادنا، التي إتسم مجتمعها لقرون عديدة بالصرامة القيمية، لوجدنا أن السبب الرئيسي لإنتشار هذه المهنة وغيرها من الممارسات اللااخلاقية هو الفقر المدقع، سواء في فترة الحصار او خلال العقدين الماضيين.
لقد إطلعت على الكثير من الفيديوات الوثائقية التي تفضح مجموعات من السماسرة وهم يوظفون أخواتهم أو زوجاتهم في هذه المهنة ويدعون بأنهم مجرد موظفين وهو مجرد (أكل عيش) وكأي تجارة أخرى. لذا فهم يضعون تسعيرة لكل فتاة حسب عمرها وجمالها، وقد لاحظت أن الكثير منهن خريجات جامعيات وعاطلات، أو أرامل ومطلقات.
إن هذه الظاهرة غريبة على المجتمع العراقي، والجذور المغذية لها هي نفسها المغذية للكثير من الظواهر السلبية المفزعة التي ظهرت في العراق قبل 2003 وتبلورت بعد الإحتلال، حيث تعلم بعض الأفراد أن يسرق المال العام السائب لوحده أو بمساندة مافيات الفساد، وتعَلم أن يخطف أطفالاً من أبناء منطقته، وان يقتل لقاء مبالغ مالية، حتى تطور الامر الى ارتكاب جرائم جماعية.
لقد قُتلت فتيات في بعض المناطق للإشتباه بعملهن في مجال الدعارة، كما قتلت 27 فتاة في إحدى الشقق على يد إحدى الميلشيات وبمسدسات ذات كواتم للصوت.
وعلى الرغم من رفض البرلمان ظاهرة الدعارة، أكدت تقارير دولية أن آلاف الفتيات اللواتي أختُطفن في السنوات الماضية، ومن بينهن آلاف الأيزيديات، يتم استغلالهن في هذه التجارة في ظل تجاهل حكومي مستمر
واخيرا اود التنبيه الى انه لا يمكن ان نجزم بأن الفقر وحده يتسبب بهذا الانحدار المجتمعي، بل ان للتدهور القيمي لدى بعض الأفراد وضعف بعض الاشتراطات المجتمعية دورهما في بروز وتعزيز هذه السلوكيات غير الاخلاقية.