سايكولوجيا جدلية الحب والكراهية
من أهم المشاعر الإنسانية التي يتميز بها الإنسان منذ خلقه هي مشاعر المحبة والكراهية ، وكلا الشعورين هما رد فعل مؤقت أو دائم حسب ثبوت وقوة الشخصية الفاعلة وحسب قوة الدافع المقابل ،فإذا كان الشخص طفلاً أو مراهقاً فمن الممكن أن تتغير مشاعر المحبة أو الكراهية الى اللا إهتمام أو تتغير الى العكس والسبب في هذا هو أن هذه المشاعر الإنسانية لا تنبعث إلا باستلام المعلومات الحسية من الذاكرة ، وذاكرة الطفل والمراهق تكون محدودة ، فقد يمتلك إحساساً مرهفاً منذ الولادة وقد يكون محباً للطبيعة وعلى هذا الأساس يحب الحدائق والمزارع وتبقى في ذاكرته صور ومناظر المزارع والأزهار والأشجار فهو قد يفضل اللون الأخضر لملابسه وورق حائط غرفته، ذلك ان ذاكرته مملوءة بردود الأفعال الإيجابية تجاه هذا اللون ، كما قد يحب المراهق طعاماً محدداً أو شراباً محدداً إرتبط في ذاكرته بأفعال محبذة ،كأن يحب المراهق (الكولا ) لأنه مرتبط في ذاكرته بإصطحاب أبيه له في طفولته الى الحدائق وقضائه وقتاً ممتعاً هناك وتبقى لديه الذكريات الجميلة التي عاشها في طفولته ،كما أنه قد يحب فتاة ما في مراهقته وشبابه لأن هناك في ذاكرته أجزاء محبذة ومرغوبة في تقاطيع وجه الفتاة كما أن لديه ردود أفعال إيجابية لطريقة سلوكها ومشيها وكلامها ومستوى معرفتها ونوع هذه المعرفة ،كل هذا مُخزّن على شكل ذكريات ،فقد تكون الفتاة تحمل أجزاء من وجه أُمه المحبب أو أجزاء من وجه نجمة سينمائية قد أُعجب بها وتدخل في هذا مستوى قراءاته ونوعها والتي تحدد مستوى رومانسيته أو واقعيته ،تحرره أو تحفظه وقد يحدد هذا نوع الملابس التي يحب أن يراها على فتاته ،ولهذا فإن القول المعروف ( بأن الحب قد يأتي من أول نظرة ) ليس صحيحاً لأنه في الحقيقة مجمع بطيء لردود أفعال سريعة تجمع كل ما هو محبذ لهذا الشخص أو ذاك ،يستخرجها سريعاً من مخازن الذاكرة وتجري موافقة العقل عليها، وعلى أن هذا الشخص أو المرأة مرغوبة ومحببة ويُعطى لها جواز المرور الى القلب .
إن الشعور الإنساني الإيجابي يربط البشر بسلسلة من الروابط بغض النظر عن البعد المكاني والزماني والحضاري. أن هناك محبَذات متفوقة وحديّة لدى شخص ما ومحبذات غير حديّة يمكن التساهل معها ، فقد يمكن أن يتساهل الشخص بالمستوى المعرفي للآخرين وقد يتساهل بالمستوى المادي ،وهو قد لا يتساهل بالمستوى الأخلاقي ويشكل هذا الإنطباع الأول حيث يعطي العقل الموافقة الأولية لكنه يجب أن يعطي الموافقة الثانية والي تمر بأفعال وردود أفعال مختلفة حسب نوعية الفرد لكي تثبت المشاعر الإنسانية تجاه شخص ما .
أما مشاعر الكراهية فهي أيضاً تمر بالذاكرة ،فقد يكره الإنسان اللون الأسود وإعمام كراهيته للجنس الأسود ولحالة الظلام ولهذا مسببات منطقية في مخازن الذاكرة لدى هذا الشخص، ذلك ان كرهه للظلام قد يكون سببه حادث مر في طفولته وقد يكون الثوب الأسود الذي إرتدته أُمه طوال حياتها ، وقد يكون حادثاً مريعاً مرَّ به وكان الفاعل رجل أسود ، فتُختزن الذكريات المظلمة في مخازن الذاكرة وتبقى كجدار فولاذي أمام قبول هذا الشخص باللون الأسود ، وقد يكره الإنسان تقاطيع محددة للوجوه البشرية والتي تذكره بتقاطيع شخص ما لديه معه تجربة حسية قاسية كأن يكون قد ضُرب من قِبل شخص ما أو عومل بشكل سيء في البيت أو في المدرسة أو في الشارع وقد يكون الشخص المكروه أحد المقربين ممن لديه ذكريات مؤلمة معه ، وقد يكون الأب الشرس أو أي شخص آخر أخاف الطفل أو المراهق فتُحفر تقاطيع هذا الشخص في الذاكرة والعقل الباطن فيرفض هذا الشخص كلما يتعلق بذلك الشخص الذي تسبب له بالإحساس القهري ، فإذا إقترب شخص يحمل أجزاءً من تقاطيع ذلك الشخص فإن المعلومات السريعة عن الماضي تستخرج وبسرعة ويُرفض الشكل الخارجي أو السلوك الخارجي لهذا الشخص المقترب ،وقد يحدث هذا في حالات التقديم الوظيفي وقد لا يجد الشخص المُقدِم مبرراً منطقياً لرفضه .
وقد يمتد إحساس الكراهية الى الطعام والشراب لأن الذكريات السيئة لأي طعام أو شراب قد يجعل تناوله مرفوضاً لأن الفرد بطبيعته يحب ما يريحه ويفيده ويقدم له الإحساس بالمتعة ويبتعد عن ما يقدم له الإحساس بالألم أو عدم الراحة .
إن أحاسيس الحب والكراهية هما الأساسين لكل العلاقات البشرية بين الأفراد فهي قد تقطع سلسلة العلاقات وقد تربطها سواء كانت بين غرباء أو معارف وبين المجتمعات ايضاً ،فإن مجتمع ما قد يكره طباع وتأريخ وطعام مجتمع آخر أو قد يحبه ولهذا أسباب كثيرة ذاتية لأفراد هذا المجتمع ومستوى ثقافته ونوعها وأسباب موضوعية تأريخية عميقة وجغرافية .
ويبقى إحساس المحبة إحساس سهل ومريح للنفس الإنسانية ولا يحرق الفرد فيه الكثير من الطاقة بل قد يمر فيه بإرتخاء عضلي وإحساس إنسيابي ومنعش وهو ايضاً مثمر وإيجابي لأنه يؤدي الى تحفيز الفرد على الإنتاج وعلى حب الخير لنفسه وللآخرين ،ولهذا يمكن أن يوصف بأنه إحساس قابل للفاعلية وغير رافض وهو كمن يفتح أبواب نفسه للآخرين وللعمل ولنشاطه اليومي وللطبيعة ،أما إحساس الكراهية فهو إحساس صعب وسلبي قابض للنفس الإنسانية ومنفذ سلبي للطاقة ،يصيب الإنسان بتشنجات عصبية هائلة وهو لأجل رفض إنسان وكراهيته يستهلك طاقة جسدية وعصبية كبيرة وهو إحساس غير فاعل وغير مُنتج ،إذ أنه يستهلك الطاقة البشرية من دون إنتاج وقد يدفع بالفرد الى الإنزواء والإبتعاد عن المجتمع . إن القدرة على الكراهية هي قدرة نسبية فقد تكون عالية كما القدرة على الحب وإذا كانت القدرة على الكراهية عالية فإنها قد تصل الى أكثر من شخص وقد تكون غير منطقية وغير مبررة أحياناً ،وقد تكون التربية الأُسرية والتعود على هذا الإحساس يجعل الفرد غير قادر على إيقافه ويصبح ايضاً غير راغب بإيقافه لأسباب مرضية وعصبية وهذا ما يدخل حيز المرض النفسي والعصبي ،وقد يتضرر مجتمع بكامله من أفراد من هذا النوع لديهم مخزون هائل من الكراهية والذكريات الرافضة تجاه شخص ما أو عدة أشخاص أو مجتمع بكامله أو ضد مفاهيم سياسية وإقتصادية وإجتماعية ما ،وإذا خرج هذا الإحساس من إطار الإحساس الى إطار ردود الأفعال القوية والوحشية حسب القدرة الفاعلة للشخص المعني، فإن هذا الشخص قد يدمر نفسه أو عائلته أو مجتمعه.