لقد عانت المرأة على مر العصور من الحصار الجسدي بخلاف الرجل وكانت دائماً مراقبة في حركتها وكلامها وطريقة مشيها بالإضافة الى علاقاتها وأصبح لهذا تأريخ عريق ليس له أية علاقة بأي دين أو تعاليم سماوية بدليل أن طريقة ( الوأد ) عُرفت ما قبل الإسلام وهذه الطريقة إتبعها الهنود أيضاً فكثير من القبائل الهندية كانت تأمر بدفن المرأة حيَة مع زوجها في حالة وفاته أي أن حياتها موقوته بحياة زوجها , كذلك الحال في قارة أُوربا في القرون الوسطى حيث كانت الكنيسة خلافاً للتعاليم المسيحية تأمر بالرجم بالحجارة حتى الموت أو الحرق بالنار للمرأة التي يُعتقد بأنها ( زانية ) أو متشابكة العلاقات .
إن المجتمع العربي لا زال يمارس طريقة ( الوأد ) وبأشكال مختلفة ويبارك هذا القانون المحلي حيث يتساهل في الحكم وأحياناً لا ينفذه , ويخرج بعدها القاتل مرفوع الرأس مباركاً من قِبل المجتمع والأقارب . لو حللنا أسباب هذه الظاهرة الخطرة لرأينا أن حُب الملكية هو ما يدفع الذكر الى إلغاء حياة الأُنثى التي تذهب الى مالك آخر , والرغبة في المُلكية هذه لا تفرق بين عنصر وآخر فكثير ما نقرأ عن رجال من عنصر صيني أو هندي أو أُوربي قد قتلوا زوجاتهم أو صديقاتهم لعلاقات ثنائية , وما يتميز به المجتمع العربي إن الثأر للشرف يمتد الى الأخوات والأقارب . هنا. أنا لا اكرس العلاقات غير المسؤولة او الازدواجية بل. اتفحص عوالمها
لو شرحنا الأسباب الموضوعية لهذه الظاهرة سنجد أن أسبابها متشعبة وعميقة تتوزع ما بين الثقافة الذكورية العامة للعالم وضعف المرأة الجسدي والسلطة الأبوية التي تتحكم بمصير نساء العائلة , حاجة المرأة الإقتصادية بشكل عام للرجل وخاصة المرأة الآسيوية والأفريقية , الزواج المبكر وفارق السن بين الزوجين , الأُمومة المبكرة والإرتباط القسري بألزوج بسبب غريزة الأمومة والرغبة في الإحتفاظ بالأطفال , الإتجاه العام للرجل الى المسكرات والمخدرات في حالة الفشل الزوجي بينما الإتجاه الى المسكرات هو إقل لدى النساء , فتقوم المرأة بتفطية هذا الفشل بالبحث عن العلاقات البديلة .
إن كل هذه الأسباب تبدو كدعائم قوية لكن الهرم الأكبر فيها هو ( نزعة التملك ) والتي تدفع أي رجل مهما كانت جنسيته الى الإعتقاد بأن زوجته وأطفاله هم ملك مسجل له شخصياً وأن أي إعتداء على هذه الملكية هو دافع قوي للإنتقام الدموي .
أنا لا أدعو للعلاقات الثنائية والمتشابكة أو الى التهديم الأُسري لكني أُحلل أسباب هذه الظاهرة والتي لا يمكن أن تُحل إلا ببناء أُسري متين يتصل بحرية الإختيار وإرتفاع المستوى الثقافي والإجتماعي والأخلاقي لدى المجتمع , وهناك حقيقة واحدة وهي أن إعطاء المرأة الثقافة الإجتماعية والكفاية المادية سيجعلها تتجه الى النزاهة في علاقاتها الخاصة والعامة .
إن المجتمع العربي كان دائماً ظالماً في عطائه للمرأة وفي عقابه فهو قد حرمها من كثير من الحقوق الإنسانية وأحاطها بالشك والرقابة وكأنه يعلم مُسبقاً أن ما منحها لن يحصد سوى الجهل والإنحطاط الإجتماعي , وأكثر من هذا فإن مجرد شك أو وشاية أو أحياناً مرض عضوي يكفي لقتل هذه المرأة أو تلك وبفرح رجولي مريض . إن الكثير من الفتيات في المناطق العربية الريفية والموبوءة والتي تنتشر فيها أمراض مثل الأكياس المائية أو الديدان المعوية بإختلافها يُقتلن بعد أن تنتفخ بطونهن من جراء الإصابة بالأكياس المائية أو الديدان المعوية وبدون تعريضهن للفحص من قبل الطبيب لمعرفة سبب إنتفاخ بطونهن ويُعرف ذلك بعد موتهن .
إن البيئة العربية المحاصرة أخلاقياً والتي بنت جداراً فاصلاً ما بين عالم الرجال وعالم النساء كثرت فيها العلاقات الجنسية الشاذة وتواجدت حالات من الإعتداء الأُسري الجنسي على الفتيات الصغيرات من قِبل أحد أفراد العائلة والأقارب وأحياناً من قِبل الأب أو الأخ وكان هذا ينتهي دائماً بالقتل حال حصول الإعتداء خوفاً من الفضيحة والإستنكار الإجتماعي , إن الثورة الهرمونية لدى بعض الشباب العربي ومع وجود الحصار الإجتماعي تجعل هؤلاء الشباب لا يلتقون إلا بأخواتهم أو قريباتهم فيتجهون بغريزة عمياء نحو هؤلاء الفتيات ويجري التخلص منهن وبطرق شنيعة بعد الإعتداء مباشرة , وتستمر أحياناً حالات الإعتداء الى حين وضوح النتائج .
إن الذكر العربي وبسبب النظرة الدونية للمرأة ولأجيال طويلة لم يجد في المرأة سوى أداة للمُتعة والإنجاب وتبقى ملكية خاصة له طيلة حياته .
لايكفي للمجتمع العربي أن يزداد وعيه الثقافي والعلمي والإجتماعي بل يجب أن يغطي هذا المجتمع حاجات أفراده وخاصة النساء والأطفال فكثيراً ما تتجه ارامل الحروب الى مزاولة الدعارة لإطعام أطفالهن ويساهم التدهور الإقتصادي في طرق هذا الباب .
وبموازنة الأسباب جميعها أجد أن العُرف الإجتماعي العالمي والثقافة الذكورية والتي تسود حتى الدول المتطورة قد جعلت قتل المرأة هو الحل الأمثل في حالة خيانتها للمالك .
إن قيمة ( الشرف ) هي قيمة إجتماعية عظيمة لكنها نسبية ومتغيرة أما قيمة الملكية الفردية فهي تعمل مع قيمة الشرف لخلق المبرر المقنع للكثير من جرائم الشرف , ويذكرني هذا ببيت الشعر العربي القديم
لا يسلم الشرف الرفيعُ من الأذى
حتى يُراقُ على جوانبه الدمُ
وأنا لا أدعو طبعاً الى الإباحية الأخلاقية بل أدعو الى تطوير المرأة عقلياً وروحياً وإعطائها الحرية الكاملة للإختيار وهي في هذه الحالة ستكون مسؤولة عن سلوكها الأخلاقي سلباً وإيجاباً مسؤولية كاملة أمام نفسها وأمام مجتمعها الذي ستُرفض فيه ان اساءت في فكرها وسلوكها الاجتماعي