حين اندلعت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 بدا واضحاً أن البلاد دخلت مرحلة جديدة نوعيا من تاريخها الحديث، أكثر حيوية ولكنها أكثر خطورة، وأن آفاقا كبيرة قد انفتحت لإدخال إصلاحات جدية في كافة جوانب الحياة الاقتصادية/الاجتماعية. بيد أن عمق الإصلاحات وسعتها، والوتيرة التي تتحقق فيها كانت تتوقف، شأن كل الثورات، على طبيعة السلطة التي تنبثق عنها والعلاقات المتبادلة بين الطبقات وتوازنات القوى وسلوك القوى الأساسية، وعوامل داخلية وخارجية أخرى.
ومن بين تلك القضايا غدا الإصلاح الزراعي مطلبا ملحا يواجه الثورة الجديدة وجها لوجه. وكان لابد من إصدار قانون ينظم هذه العملية الجوهرية، التي كانت تطول أخطر القضايا في الريف، وهي قضية تغيير شكل الملكية الزراعية وتصفية أسس النظام السابق. ودار صراع صاخب حول المسألة الزراعية بين خطين سياسيين وفكريين:
خط البرجوازية الوطنية ومن يلتف حولها؛
وخط القوى اليسارية والديمقراطية، وأساسا الحزب الشيوعي العراقي.
وقد كشف انتصار الثورة العاجل قصور القوى السياسية المختلفة عن تكوين وجهة نظر واضحة ومحددة، إزاء المسألة الزراعية، كما هو الأمر بالنسبة للقضايا الكبرى الأخرى. لقد كان واضحاً، ومنذ زمن بعيد، أن حلاً لابد من اتخاذه بشأنها، وان أي حل لابد أن يستند أولاً وقبل كل شيء، الى تغيير وضع ملكية الأرض الزراعية باعتبارها تمثل جوهر المشكلة ومصدر مشاكلها المتفرعة. غير أن المسألة الجوهرية التي لم تكن واضحة عند جميع القوى هي حدود ملكية الأرض الزراعية. لقد كانت هذه القوى تنادي بتحديد ملكية الأرض الزراعية، ولكن كانت هناك أسئلة تفصيلية تطرح نفسها بحده، من قبيل:
ما هو سقف هذه الملكية؟
ثم كيف ستتم عملية تحقيق الإصلاح الزراعي المنشود؟
وهذا ما لم يكن قد اتضح، وان بشكل متفاوت، لدى جميع القوى السياسية الوطنية حتى لحظة اندلاع الثورة.
وبعبارة أكثر تبسيطاً يمكن القول إن جوهر الصراع في حقل المسألة الزراعية بعد ثورة 14 تموز 1958 كان يدور حول سؤال حاسم قوامه: أي إصلاح زراعي يحتاجه الريف العراقي آنذاك؟
في مسعى الإجابة على السؤال السابق، كان موقف السلطة الحاكمة يتحدد بالأسس التالية:
الإقرار بالملكية الخاصة للأرض، سواء كانت ملكية كبيرة أم فلاحية؟
العمل لاستبدال العلاقات شبه الإقطاعية في الريف بعلاقات رأسمالية، وارتباطا بهذا، السعي لتصفية النظام القبلي والعلاقات القبلية.
اتخاذ البرجوازية الريفية والرأسمالية الزراعية التي ستنمو بعد تطهير الريف من العلاقات شبه الإقطاعية، معبراً لنفوذها الى جماهير الريف وكسب الفلاح المتوسط.
تمكين الملاكين من التحول الى عناصر رأسمالية في ما تبقى لهم من الأرض وتحميل الفلاحين أعباء هذا التحول.
هكذا، إذن، وفي 30 أيلول/1958، أي بعد مرور حوالي شهرين ونصف من اندلاع ثورة 14 تموز صدر القانون رقم 30، الذي عرف فيما بعد بـ (قانون الإصلاح الزراعي رقم 30لسنة 1958)، الذي نقل صدوره وتطبيقه الصراع الاجتماعي في الريف الى مرحلة نوعية جديدة، وطرح مجموعة من الإشكاليات التي استحثت إجابات ملموسة ومحددة من خلال تطبيقه.
كشف تطبيق القانون رقم 30 عن حقيقة المواقف الطبقية المتنوعة إزاء المسألة الزراعية، والمصالح الطبقية التي تدفع بالأحداث في هذه الجبهة الهامة من جبهات الصراع الطبقي. فمثلما سعت البرجوازية الى أن تدفع بقانون الإصلاح الزراعي بالاتجاه الذي لا يصفي الملكية الكبيرة، عملت أيضا على عرقلة تطبيق القانون بوسائل شتى، وبذلت جهودها من اجل أن تُبعد الفلاحين ذاتهم عن المشاركة في التطبيق وحصره في أيدي الأجهزة الحكومية. وبالمقابل، وقف الحزب الشيوعي العراقي بقوة وراء تطبيق القانون والتسريع بعمليات الاستيلاء، وكان الحزب يدرك بأن القانون على علاته، يوجه ضربة قوية الى النظام شبه الإقطاعي.
والخلاصة، فقد دارت بين القوى الديمقراطية، وأساسا الحزب الشيوعي العراقي، من جانب والبرجوازية المحلية ومن ورائها قوى اليمين الرجعي والملاكون الكبار، من جانب آخر معركة أخرى ميدانها هذه المرة تطبيق الإصلاح الزراعي.
حفلت السنة والنصف الأولى من عمر الإصلاح الزراعي بالكثير من الأحداث والصراعات، وكانت، في واقع الحال، أوسع واعقد تجربة يخوضها الحزب في الريف. وفي ضوء ذلك برزت الحاجة الى تلخيص هذه التجربة واستخلاص الدروس منها وإيضاح موقف الحزب من قضايا الإصلاح الزراعي، كما أظهرها واقع الصراع في الريف. وقد ألّف الحزب لهذا الغرض لجنة خاصة مهمتها جمع البيانات الضرورية لإعداد تقرير حول هذا الموضوع ومن ثم مناقشته ليأخذ صيغته النهائية. وبعد مناقشات مستفيضة اخذ التقرير شكله النهائي وطرح على الرأي العام العراقي تباعا في جريدة (اتحاد الشعب). ونشر فيما بعد في كراس صدر عن دار بغداد للطباعة والنشر بعنوان: " تقرير عن مسائل في الإصلاح الزراعي".
يعالج هذا التقرير جملة من قضايا الأرض والإصلاح الزراعي والحركة الفلاحية. غير أن قراءة تفصيلية للتقرير تسمح ببلورة أربعة محاور كبرى يرتكز عليها، وكل محور يتضمن مجموعة من الاشكالات.
المحور الأول: ويتضمن محاولة إنتاج مجموعة من الأدوات والمفاهيم، التي تستخدم في تحليل الواقع الملموس الريف العراقي. يدور هذا المحور حول جملة قضايا:
-مقدمة نظرية تاريخية مكرسة للدور الذي لعبه تطور الإنتاج السلعي في تفكيك العلاقات العشائرية، وكيف يؤدي تطور هذا النمط من الإنتاج الى مجموعة من الآثار التدميرية على أشكال الإنتاج الأخرى، وأساسا الإنتاج السلعي الصغير.
-استعراض ميكانيزم التحول من الإنتاج الطبيعي الى الإنتاج السلعي، وشرط ذلك التحول، وخصائص السوق المرافقة لهذا التحول في ظروف إنتاج سلعي ضمن إطار اقتصاد متخلف وتابع.
-شرح لدور النقود وسيرورات التسليع وانتشارها الذي يؤدي الى تمايز طبقي واضح وبروز أشكال متنوعة للاستغلال.
-ثم يتحدث التقرير عن إشكالية ملكية الأرض في الشرق انطلاقا من سؤال جابه الفكر التاريخي دائما وهو: لماذا لم يتوصل الشرقيون الى ملكية الأرض حتى بشكلها الإقطاعي؟
المحور الثاني ويتضمن إشكالية التناقضات وتجلياتها الملموسة في الثورة البرجوازية الديمقراطية. يشخص التقرير في البداية طبيعة ثورة الرابع عشر من تموز بكونها ثورة برجوازية ديمقراطية من حيث علاقات الإنتاج. وانطلاقا من ذلك يحدد طبيعة التناقضات خلال هذه المرحلة من تطور الثورة، مشيراً الى نوعين:
-الأول، هو التناقض بين العمال والرأسماليين الوطنيين في هذه الثورة ويعتبره، بحسب التسمية الواردة هنا تناقضاً جزئياً، أي تناقض داخل الشعب، أو بحسب المادية التاريخية تناقض داخل معسكر الثورة، ويمكن حله عبر تسويات وتنازلات متبادلة.
-الثاني، تناقض عميق وحاد ولا يقبل المصالحة، أي تناحري بين الفلاحين والإقطاعيين ولا يمكن حله إلا بتصفية آخر بقايا الإقطاع.
إذا قبلنا بهذه الأطروحة أمكننا الاستنتاج بأن التناقض الرئيسي/السياسي كان يوجد في الريف ومصير حله يعتمد على كيفية حل الصراعات الكبيرة التي كانت تدور هناك بين القطبين المتعارضين: الفلاحين والإقطاعيين.
ونظراً لطبيعة الثورة، أي كونها ثورة برجوازية ديمقراطية فإن حل هذا التناقض لا يؤدي الى قطع جذري أي شكل جديد نوعياً للملكية بل إنه يظل يدور في أفق الملكية الخاصة. ولهذا استدرك صائغو التقرير موضوع الحديث بأن أكدوا على أن محو بقايا الإقطاع " لا يعني بأي وجه من الوجوه محو كل أشكال الملكية الخاصة بل العكس تماما أي أنه يعني توسيع قاعدة الملكية الخاصة بتحويل الفلاحين المستبعدين المجردين من أراضيهم الى فلاحين متحررين يملكون أراضيهم ". وبالتالي فإن المحتوى الاجتماعي للثورة الزراعية الفلاحية، بحسب تسمية التقرير، ضد الملكية الكبيرة هو محتوى برجوازي ديمقراطي وليس بروليتاري بعد.
المحور الثالث ويتضمن مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بقانون الإصلاح الزراعي رقم 30 وتطبيقاته. في هذا المحور هناك محاولة للإجابة على سؤالين حاسمين هما:
-الأول: لماذا تحفظ الحزب الشيوعي العراقي على قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958؟
-الثاني: ولماذا أيده برغم تحفظاته عليه؟
وقبل الإجابة على السؤال الأول، لا بد من التأكيد على حقيقة مهمة هي أن القانون رقم 30 جاء حلاً وسطاً بين اتجاهين:
-الاتجاه الأول، الذي كان يدعو الى الاكتفاء بالحد الاعلى نسبيا من الملكية الكبيرة للأرض وتطمين حاجات قسم من الفلاحين الى الأرض ؛
-والاتجاه الثاني، الذي يمكن تسميته بالراديكالي الثوري الذي كان يدعو الى تخفيض الحد الأعلى الى حدود ملكية الفلاح الغني، وتمكين الأكثرية الساحقة من الفلاحين، خاصة الفقراء منهم، من تملك الأرض.
وبالرغم من التحفظات التي أخذها الحزب الشيوعي على القانون المذكور، فإنه اعتبره خطوة تقدمية في مجمله نظراً للظروف السائدة آنذاك. ويشير " تقرير مسائل في الإصلاح الزراعي " الى أن الحزب تبنى قانون الإصلاح الزراعي للعديد من الأسباب من بينها (انظر ص 25-26 من التقرير(":
أولا لأن هذا القانون صدر عن سلطة وطنية، من حكومة الثورة واستجابة لمصلحة وإرادة جماهير الفلاحين الغفيرة الواعية، ولذا فإنه أشبه بمنهاج مشترك للحركة الوطنية في ميدان الإصلاح الزراعي وفي النضال المشترك ضد الإقطاع.
ثانياً إن مجرى إعلان القانون كان اقوى ضربة عنيفة بعد ثورة 14 تموز ضد سلطة الإقطاع وهيبته وأقوى مشجع وحافز للحركة الفلاحية.
ثالثاً لأن القانون يخفض مساحة الإقطاعيات واقتصاد الإقطاعيين بنسبة الثلث تقريباً.
رابعاً- إن صدور القانون جعل بيد الحركة الفلاحية سلاحا شرعياً كان ضروريا لتعبئة وتنظيم أوسع الجماهير في الريف ".
غير أنه وبالرغم من الملاحظات الايجابية السابقة فإن التقرير المذكور يسطر مجموعة من التحفظات على قانون الإصلاح الزراعي وبالتالي يجيب على السؤال التالي: لماذا جرى التحفظ على القانون المذكور؟
إن أبرز التحفظات كما وردت في التقرير هي (انظر ص 23 من التقرير):
" أولاً أن القانون لم يصفِ ملكية احد من كبار الملاكين بل وضع حداً أعلى للملكية الزراعية (ألف دونم من الأراضي المرواة و 2000 دونم من الأراضي المطرية). إن تحديد الحد الأعلى بهذه المساحات يترك نصف الأراضي الزراعية المستثمرة بيد الملاكين، وبمعنى آخر يترك نصف الفلاحين من دون شبر من الأرض.
ثانياً إن القانون أقر مبدأ التعويض للملاكين والزم الفلاحين الذين ستوزع عليهم الأراضي بدفع التعويض حلال عشرين سنة ".
ثم يشخص التقرير المناورات والصراعات التي دارت حول كيفيات تطبيق القانون رقم 30 والآثار المتنوعة التي ترتبت على تطبيقه، ومن أهمها:
- إن القانون خلق الشروط لتطور هائل للحركة الفلاحية وساعد في تصاعد نضالاتها المطلبية وتبلورت، في مجرى الصراع، أشكال متقدمة لتنظيمها النقابي والسياسي؛
- وكل ذلك أدى الى تسريع وتيرة الصراعات الاجتماعية والطبقية في الريف وانعكاساتها على عموم المجتمع. لقد حدث تمايز طبقي واجتماعي حاد وتبلورت تحالفات وتكتلات جديدة وبالتالي صار مطلوباً التأكيد على بلورة موقف متقدم من القضية الزراعية. وفي هذا الصدد أكد التقرير على أن الخطة الصائبة في تطبيق قانون الاصلاح الزراعي في هذه اللحظة هي:
أولاً: تجريد الملاكين من الأراضي الخاضعة للإصلاح الزراعي ومن السلطة التي يمارسونها على فلاحيهم، وبالتالي تقويض دعائم الإقطاع في الأراضي المستولى عليها.
ثانياً: توزيع الأراضي المستولى عليها على الفلاحين بتمليكهم إياها.
المحور الرابع: ويتضمن الإشكاليات المرتبطة بالسياسة الطبقية للحزب الشيوعي العراقي في الريف في الظروف الجديدة التي نشأت بعد ثورة 14 تموز وبعد صدور قانون الإصلاح الزراعي. ينطلق التقرير من تشخيص حالة الريف في هذه المرحلة، مشيرا الى انه يخوض ثورة زراعية فلاحية هدفها إزالة بقايا الإقطاع وأساسها الملكية الكبيرة للأرض، ثم يشخص التناقض الرئيسي في الريف، الذي جرت الإشارة إليه في مكان سابق، ثم بعد ذلك يسعى التقرير لتحديد أدق لمعالم اللوحة الطبقية/الاجتماعية في الريف العراقي عشية ثورة 14 تموز والسنوات التي تلتها. وهناك محاولة جادة في التقرير، في ضوء المستوى الفكري الذي كان سائداً آنذاك في الحزب وطبيعة الأدوات المنهجية المستخدمة، لتحليل الوضع في الريف على أساس تكوينه الطبقي واعتماد مجموعة من المعايير لضمان تمييز سليم يسمح بالتفريق بين الطبقات والمراتب داخل كل طبقة في الريف العراقي.
يعتمد التقرير معيارين منهجين:
-معيار الملكية/تملك الأرض؛
-معيار الاستغلال الطبقي.
ونظراً لأن الفلاحين لا يعتبرون طبقة متجانسة من الناحية المنهجية، ونظرا لوجود مراتب متعددة في أوساطهم، لذلك واجهت التقرير مشكلة ترسيم الحدود بين هذه المراتب بشكل صحيح بهدف صياغة سياسة سليمة وتكتيكات ملموسة تجاه كل مرتبة. ولضمان ترسيم صحيح للحدود بين هذه المراتب انطلق التقرير من سؤال حاسم: هل الفلاح مستثمِر (بكسر الميم) أم مستثمَر (بفتح الميم)؟ وهذه هي القاعدة العامة لتمييز الفلاحين حسب مراتبهم الثلاث التالية:
- فقراء الفلاحين، وما يميزهم هو أنهم لا يستثمرون عمل غيرهم، بل أن الآخرين يستثمرون جزئياً أو كلياً عمل هؤلاء الفلاحين.
- الفلاحون المتوسطون، القاعدة العامة هي اكتفاء الفلاح المتوسط ذاتياً، لكنه يستثمر أحيانا عمل الآخرين.
- الفلاحون الأغنياء، وما يميزهم هم انهم يستثمرون عمل الآخرين كقاعدة عامة.
وارتكانا الى هذا التحديد استنتج التقرير بأن هناك حاجة ملحة لبلورة سياسة حزبية صحيحة وواقعية تجاه المراتب الفلاحية الثلاث تقوم على الثلاثية المعروفة: اعتماد ــــ اتحاد ـــــ كسب. أي:
- الاعتماد على فقراء الفلاحين وهم الأكثرية، وان تنظيماً حزبياً متيناً من هؤلاء هو ضمانة ضد الانتكاسة.
-الاتحاد مع الفلاحين المتوسطين.
-محاولة كسب الأغنياء من الفلاحين عبر تكتيكات ملموسة.
ولكي يكتسب النضال في الريف صيغته العملية والملموسة دعا التقرير الى البحث عن أشكال ملموسة، من أهمها تشكيل الجمعيات الفلاحية وضرورة الاختيار الصحيح لقياداتها دون فرض أوامر فوقية.
كما ميّز التقرير ثلاث مراتب للملاكين هي:
- صغار الملاكين؛
- متوسطي الملاكين؛
- كبار الملاكين.
وهنا بلور التقرير السياسة الطبقية الملموسة من هذه المراتب عبر ثلاثية محددة هي: كسب ـــــــ تحييد ــــــ مصادرة، أي:
- النضال لكسب صغار الملاكين عبر العمل السياسي وكذلك من خلال تطمين مصالحهم الاقتصادية؛
- تحييّد الملاكين المتوسطين، من خلال الإبقاء على ملكيات الوطنيين منهم، باعتبار ذلك الثمن الذي يمكن للحركة تقديمه لهم لقاء عدم انحيازهم لصف معسكر أعداء الثورة.
- مصادرة أراضى الملاكين الكبار وإجلاؤهم عن الريف. ومن خلال التمييز بين المعادين للثورة والموالين للجمهورية يمكن ضمان حق التعويض القانوني لمن من لم يقف موقفاً معاديا، وعدم تعويض الخونة.
لقد كان الإيقاع السريع والعنيف للصراعات السياسية والطبقية المحتدمة خلال السنوات الأولى من عمر ثورة 14 تموز والأسئلة الجديدة التي طرحتها قد ألقت بثقلها على كل القوى السياسية محدثة صراعات فكرية وجدل صاخب داخلها وفيما بينها، حول أفق الثورة الوطنية الديمقراطية وإمكانيات الانتقال بها الى حدود جديدة تتجاوز الحل البرجوازي التقليدي.
وباختصار، منذ لحظة اندلاع ثورة 14 تموز 1958 كان هناك صراع يدور بين خطين سياسيين وفكريين متقاطعين حول جملة من القضايا من بينها القضية الزراعية والصراع داخل الريف وسبل حله، والتي ساهم القانون رقم 30 لسنة 1958 بما حمله من مضامين في تسريع عملية الاستقطاب وبلورة حلول ملموسة وواقعية لهذه القضية في الريف، وان لم تصل الى نهاياتها المنطقية الصحيحة بسبب جملة من الأسباب والعوامل لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها هنا لأنها تحتاج الى معالجة خاصة. ولهذا يمكن القول: أن هناك العديد من المهمات التي طرحها القانون آنذاك ما تزال تتمتع براهنية، رغم مرور 55 عاما على صدوره.
ففي ضوء الأزمة التي تعيشها الزراعة والريف العراقي اليوم، والناجمة عن سياسات النظام المقبور والسياسات الاقتصادية التي اعتمدها الاحتلال، وأيضا انعدام وجود إستراتيجية تنموية عند القوى التي قادت العملية السياسية خلال الفترة بعد 2003، وفي ظل السياسات الحكومية الحالية، يتضح الاتجاه الواضح لتمايز الفلاحين وإفقار فئات واسعة منهم من الشرائح الوسطى والصغيرة. وهذا يخلق أرضية لطرح بديل فلاحي ديموقراطي لا بد من تدشين نقاش بشأنه لبلورة عناصره.