خسارة الفريق وأزمة البلاد العامة
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

خسارة المنتخب الأولمبي العراقي أمام نظيره المغربي في دورة الألعاب الأولمبية -باريس 2024، أثارت موجة من الانتقادات اللاذعة للمدرب راضي شنيشل ولأداء اللاعبين. هذا الحدث كشف عن التناقض الكبير في ردود الفعل العراقية بين الانتقادات الحادة للأداء الرياضي، وصمت النخب شبه التام عن تدهور الخدمات العامة، وعدم الاكتراث للخسائر الوطنية على مختلف الصعد، حيث الأزمات المستفحلة التي تعصف بالبلاد، ابتداءً بالمحاصصة ونتائجها الكارثية، والفساد وعدم التصدي لتغوّله، واتساع رقعة البطالة وآثارها المدمرة على المجتمع، واستفحال تجارة المخدرات وتزايد تعاطيها.

ماذا يمكن لك أن تستنتج عندما تلاحظ ردود الأفعال العراقية الغاضبة على خسارة الفريق المؤسفة، حيث اكتظت وسائل الإعلام العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي بالتحليلات والنقاشات حول أسباب الخسارة، والتي حمّلت في أغلبها المدرب الكابتن راضي شنيشل مسؤولية ذلك. بينما الأسباب الحقيقية للخسارة أوسع وأعمق بكثير؟

يمكن أن نستنتج بسرعة أن النقد اللاذع لأداء الفريق والصمت التام ازاء أداء طغمة الحكم، لهما عدة أسباب، أبرزها التعب والإرهاق والشعور بعدم الجدوى وباليأس من قدرة النظام السياسي على تحقيق منجز يسعد به الشعب العراقي. وهذ الشعور أدى، ولو بشكل مؤقت، إلى نوع من الاستسلام واللامبالاة، تجاه القضايا السياسية وسوء الإدارة وتردي الخدمات. وربما يجري تجنب انتقاد الحكومة خوفًا من العواقب الشخصية التي لا يُراد تحملها، فترى كثيرين أشد تحفظًا في التعبير عن استيائهم من أداء الحكومة، مقارنة بانتقاد الفريق الرياضي.

كذلك يجد الكثيرون في كرة القدم وسيلة للهروب من الواقع اليومي المثقل بالأزمات، وفرصة للتعبير عن مشاعر الفخر الوطني والانتماء، مما يجعلهم يتفاعلون بشدة مع نتائج الفريق. حيث ان الرياضة توفر مجالًا يمكن فيه تحقيق الانتصار بشكل سريع ومباشر، مما يعزز الأمل ويجعل الناس أكثر تفاعلًا معها. في حين أن معالجة قضايا الفساد وسوء الخدمات تتطلب وقتًا وجهدًا طويلين، وهذا قد يؤدي إلى فقدان الأمل وتراجع الدافع للتحرك. وبهذا، فإن الخسارة أثارت حفيظة الجمهور، الذي كان يعلق آمالاً كبيرة على الفريق في تحقيق نتائج إيجابية، تعوض له شيئًا من تراجع البلاد على مختلف المستويات.

الرياضة ليست بعيدة عن بنى الدولة، بل هي جزء من سياسات الدولة واستراتيجيتها. وفي نظامنا السياسي، هي ليست خارج المحاصصة، التي تظهر نتائجها السلبية بشكل أوضح على تشكيلة الفريق واختيار اللاعبين. كما يؤثر الفساد سلبًا على الفريق، فيضعف قدرته على المنافسة. ومن هذا يتضح أن القطاع الرياضي يعاني هو ايضا من تأثيرات الفساد والمحاصصة.

ان خسارة الفريق العراقي في اولمبياد باريس ليست الخسارة الأولى التي تتعرض لها كرة القدم  العراقية، ولن تكون الأخيرة بهذا الشكل الذي يشبه الهزيمة، إن لم تعالج الأسباب البنيوية. فالرياضة ليست جزيرة منعزلة عن الأزمة العامة، بل ربما هي تجسيد واضح لها.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 31-07-2024     عدد القراء :  198       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced