عرض : شميران اوديشو
كتاب بعنوان نساء عراقيات : وجهة نظر اجتماعية صادر من دار المدى في 263 صفحة من القطع المتوسط يتضمن العديد من الدراسات والانجازات المهمة في مجال علم اجتماع المرأة ساهمت بالتعريف بهذا الميدان النشيط ولم يعد كافيا الحديث عن مشاكل النساء كحزمة واحدة فقد صار واضحا ان هناك الكثير من الزوايا التي يمكن ان ترصد من خلالها مشاكل النساء وقضاياهن المتعددة كشرائح مستقلة تضم الحضريات والريفيات ، المتعلمات وغير المتعلمات ، الناشطات وغيرهن .. هذا الكتاب جمعت فيه الدكتورة لاهاي ما انجزته من دراسات علمية نظرية وميدانية لتسليط الضوء على الجوانب المتعددة من حياة النساء في العراق .
تناولت البحث في اثر التنمية في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية للنساء الذي يكاد يكون من اقدم الموضوعات التي زخر بها علم الاجتماع وخاصة البلدان الصناعية المتقدمة التي سعت الى الكشف عن الانماط السلوكية والاجتماعية الناجمة عن التنمية بمختلف مؤشراتها ذات التأثير في المجتمع . وعندما ساد الاعتقاد بانتشار تأثيرات التنمية في بلدان اخرى كالبلدان النامية ظهرت الحاجة الى البحث في النتائج المتعددة للظاهرة من ذلك مثلا البحث في اثر التنمية على مشاركة النساء في الحياة العامة وبالذات في مجالات التعليم الرسمي والعمل خارج المنزل لقاء اجر والتخصص المهني والجذور النظرية للتنمية كظاهرة اجتماعية مهمة تعود الى اعمال العديد من الاجتماعيين الاوائل ممن حاولوا دراسة وتعقب اثرها كقوة اجتماعية حاسمة .. ولعل احدى السمات الرئيسية التي ميزت عدد كبير من الاجتماعيين الاوائل الذين درسوا اثر التنمية على اوضاع النساء في البلدان الصناعية المتقدمة انهم اشتركوا في الاطراء على الجوانب الايجابية فيها فكان ان خلصوا الى الاعتقاد بأن التنمية في المجتمع ادت الى تطوير اوضاع النساء بطريقة لم يشهد تاريخ البشرية لها مثيلا من قبل .وفي المجتمع الزراعي فان انخفاض مكانة المرأة ينعكس من واقع اعتمادها الكبير على المكانة الاجتماعية للرجل التي تتحدد بحجم ملكيته من الاراضي الزراعية مما لا تجد المرأة الطريق اليه سبيلا بسبب محدودية قدرتها على منافسة الرجل او على الاستثمار المباشر للأرض . وتصل الكاتبة في دراستها للموضوع الى ان واحدة من اهم الخلاصات الفكرية هي ان تجربة النساء في البلدان النامية لا تشبه بالضرورة تجربة النساء في البلدان الصناعية المتقدمة ويصدق هذا بصورة خاصة على الاعتقاد الذي شاع في اوساط المتخصصين والمهتمين بشؤون النساء في البلدان الصناعية المتقدمة من ان للتنمية آثارا ايجابية ترتبط بتمكين النساء من تحقيق المزيد من التحرر والتقدم على طريق تأكيد الحضور الذاتي والاجتماعي والثقافي في المجتمع . وقد ساهمت التنمية في البلدان النامية باحداث تحولات بنائية تركت آثارا تختلف عن تلك التي احدثتها التنمية في البلدان الصناعية المتقدمة فقد ارتبطت التنمية في البلدان النامية بانتشار ظواهر احتدام الصراع وانعدام الاستقرار والمقاومة والتغيير . والعديد من معوقات التنمية ارتبط بالطبيعة المتشددة للنظام القيمي والتيارات الدينية ذات التوجهات الايديولوجية الجامدة او الموروث الثقافي للسكان او بسبب التعصب الاجتماعي والثقافي المستمد من الثقافات الفرعية لبعض الجماعات ذات الهوية العرقية او العنصرية او الطائفية . وتوصلت الدراسات الاجتماعية المتخصصة في مجال التنمية والنساء الى اربعة انماط عامة لعمل النساء في ضوء النتائج الاحصائية التي تم الحصول عليها من هذه الدراسات , نمط البلدان الصناعية المتقدمة ونمط بلدان امريكا اللاتينية ونمط بلدان البحر الكاريبي ونمط البلدان الاسلامية من عربية وغير عربية .
وبالنسبة لتحديد مفهوم النوع الاجتماعي بين الرؤية الدولية والرؤية العربية يعني التعرف على جنس الانسان من مواقف اجتماعية وسلوكية وثقافية تنطوي على قدر من التمايز والمفاضلة والتفريق وهذا المفهوم ظهر في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي وذلك في محاولة لتطوير تصور اكثر دقة لتأشير الخلافات والمشكلات ذات الطبيعة الاجتماعية والسياسية والثقافية بين الرجال والنساء . وقد ساهم هذا المفهوم بتطوير المعارف الانسانية والاجتماعية تجسد ذلك في العديد من الدراسات والبحوث التي تناولت اوجها متعددة للقضية ذات الخاصية المعقدة والمتشابكة بطبيعتها . وللموضوع عدد من الاعتبارات من الناحية الاجتماعية والعلمية والنواحي السياسية والعولمية . ولذات الموضوع رؤية تستند الى عدد من البديهيات النظرية الفكرية التي تحدد المسارات العامة الاساسية لسلوك الفرد او الجماعة بدرجة كبيرة ومنها الرؤية الدولية التي تشمل الاتجاه النسوي الليبرالي التحرري والاتجاه الماركسي التقليدي والاتجاه النسوي الاشتراكي والاتجاه النسوي الراديكالي والاتجاه النسوي الثقافي الحديث ، والرؤية العربية التي بالرغم من المحاولات المخلصة لعشرات من الناشطات والناشطين النسويين في البلدان العربية ممن اظهروا التزاما عاليا بقضايا المرأة العربية وهمومها فانه من المؤسف القول ان جهود هؤلاء الافراد منيت بالفشل . والصوت العربي يضيع في المؤتمرات الدولية المعنية .
وتضمنت الدراسة اشكالية الدور الاجتماعي للمنظمات النسائية العربية ومفهوم العضوية في المنظمات النسائية واشارت الى عدد من القضايا التفصيلية التي هي مسؤولة عن رتابة التطوير النوعي للعضوية في المنظمات النسائية العربية الهادف الى استقطاب شرائح معينة ومهمة ممثلة عن نساء اي مجتمع على وجه التعيين . اشارت الى الموقف الفكري لبعض المنظمات ومحاولات اخلال التوازن بين مفهومي الوطنية والقومية من جهة وقضية المرأة من جهة اخرى وقضية مدى استعداد النساء للانضمام الى عضوية العديد من المنظمات النسائية بضعف او غياب الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية وما يرتبط بذلك من انواع الصراعات والمعرك والحروب التي جلبت الويلات والخسائر المادية والبشرية الكبيرة وكان نصيب المرأة من هذه الكوارث بالتأكيد عظيما ووجدت هؤلاء النساء انفسهن مجبرات اجتماعيا او رسميا وحتى قانونيا لترك العمل .
احد الظواهر المرضية التي لحقت بالمنظمات النسائية العربية واصابتها بالشلل على الصعيد الداخلي ما يمكن ان نسميه بالتقوقع البيروقراطي والاعتماد على شبكة من الخبراء الذكور بنسب تصاعدية ولكن من المناسب القول ان القيام بأي جهد باتجاه معالجة المشاكل والقضايا المشار اليها انما هو ضروري وحاسم حتى لو تضمن ذلك مجرد دعوة للقاء والحوار وتبادل الافكار ومحاولة تطوير طرق واساليب تهدف الى تنمية ما يمكن تنميته . وتؤكد الكاتبة الى عدم وجود لدراسات اجتماعية مركزة ومتخصصة تتعلق بالمرأة في العراق وفي الاطار النظري تقدم توضيح لعدد من المفاهيم والمناهج وتقدم نتائج لدراسة استخدم فيها عددا من طرق القياس الاحصائي مثل معدل الاناث الى الذكور كما استخدمت طريقة انعدام التشابه للعزل الجنسي حيثما امكن ذلك الى جانب النسب المئوية . وقدمت ايضا في دراستها الميدانية استقراء آراء وتقييمات اعضاء هيئة التدريس في كلية التمريض التابعة لجامعة بغداد حول عدد من التحديات الرئيسة التي يعتقد لها دورا مهما في تطوير مستوى الاداء النوعي لهذه الكلية المهمة في العراق .. ومشكلة الارامل في العراق تطرقت اليها بالقاء الضوء على الجهود المبذولة والافاق المطلوبة لوضع الارامل التي بدأت مشكلتهم عشية انتهاء الحرب العراقية الايرانية حيث بلغ عدد الارامل ( 400 ) الف امرأة حسب الاحصاءات الرسمية الحكومية آنذاك واليوم حسب احصاءات وزارة التخطيط بلغ عدد النساء الارامل في العراق مليونا ونصف المليون امرأة يقمن بإعالة ما يقدر بخمسة ملايين شخص . وتشير الى الاستراتيجية الوطنية للتخفيف عن الفقر في العراق التي تستهدف تقليل التفاوت بين الرجال والنساء سواء في مصلحة المرأة ام في مصلحة الرجل وبذلك تساوي بين الضحية والسجان والملاحظ ايضا انها اظهرت اهمالا واضحا بل وتحيزا منظورا لمصلحة الرجل ضد المرأة واهدافها المعلنة لم تذكر المرأة صراحة الا في الهدف السادس والاخير الذي نص على الدعوة الى تفاوت اقل بين النساء والرجال الفقراء . وتشير الى عدد من الدوائر والمؤسسات التي تهتم بالارامل وبطرق متفاوتة منها دائرة رعاية المرأة ومركز تدريب وتطوير الارامل ومنظمة نسائم الخير الانسانية لرعاية الارامل والايتام وجمعية الامل العراقية وجمعية عمر المختار ومؤسسة الشهيدة العلوية بنت الهدى ( آمنة الصدر ) ورابطة المرأة العراقية .
خصصت في دراستها بحثا خاصا عن آفاق التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمرأة الريفية في العراق والتي بدأ الاهتمام بهذا الجانب منذ مطلع السبعينات حيث شهدت المرحلة كثرة الدراسات العلمية الهادفة لتحليل اثر التنمية على المرأة في البلدان النامية ومنها البلدان العربية . تم تقييم الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي وتقديم خلاصة التي تشير ان النساء الريفيات يفتقرن الى اي ضمانة اقتصادية حقيقية خارج قدرتهن البدنية والفكرية على العمل اليومي المثابر وعلى الصعيد الاجتماعي تبين الدراسة ان المرأة الريفية تحيا حياة يعوزها الكثير من مقومات تطوير الوعي الشخصي والاجتماعي لدورها ومكانتها كانسان وعلى الجانب السياسي تم تغييب المرأة الريفية كليا عن ساحة العمل السياسي .
اما موضوع الدراسة عن الحراك النسوي الاحتجاجي في العرقي كدراسة اجتماعية ميدانية ، منهجيا تنطلق من فكرة "فالح عبد الجبار " في ان الظواهر في تحول مستمر وان هذا التحول ارتقائي ويقوم على التعمق المستمر في ملاحقتها ووصفها وتثبيت خصائصها لتكون فيما بعد قاعدة لانطلاقة جديدة . تقنيا اعتمدت الدراسة طريقة الملاحظة بالمشاركة والمقابلات النوعية لشخصيات مؤثرة وبخاصة لأولئك اللواتي يتوسمن مسؤوليات متقدمة على مستوى المنظمات التي يعملن بها . وتؤكد ان النساء العراقيات ساهمن منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى اليوم بصنع التاريخ السياسي للمجتمع العراقي وشاركت المرأة في نضالات عديدة من اجل قضايا وطنية ومجتمعية مهمة بضمنها النضال للارتقاء بالقضايا النسوية العادلة تحقيقا لاهداف نهضوية وتنموية تسعى الى انصاف حقوقهن . واليوم تظهر ملامح حراك نسوي يتسم بدرجة من درجات الاستقلالية تساهم فيه نساء ناشطات بتوجهات يمكن ان توصف على وجه العموم بانها يسارية وتقدمية ومنظمات ذات توجهات دينية وطائفية ولايكاد يسمع لها صوت بسبب انغلاقها عن دائرة الضوء المجتمعي الي يمكن من الكشف عنها والتعرف على فعالياتها . وتهتم الدراسة بالنظر في طبيعة الحراك النسوي الاحتجاجي القائم اليوم في العراق واحتمالات تطور حراك نسوي مستقل يهتم بقضايا النساء العراقيات .. كما تناولت في الدراسة عينة مختارة من المنظمات النسوية الاكثر حضورا والتي تحظى بالاهتمام ومنها شبكة النساء العراقيات ومنظمة الامل العراقية وجمعية نساء بغداد ومنظمة المرأة والمستقبل العراقية ومنظمة نساء من اجل السلام وتحالف 1325 ومنظمة تموز للتنمية الاجتماعية ورابطة المرأة العراقية ومنظمة حرية المرأة .. وتوصلت الدراسة الاستقصائية الى ان انقلابا حدث فعلا ان لم نقل زلزالا هز طبيعة العمل النسوي في العراق واللافت ان المنظمات بعد 2003 لم تعد تعتمد في تمويل نشاطاتها على الدولة .وتنفذ نشاطات منسجمة مع مبادرات المنظمات الدولية لحماية المرأة وتغيير القوانين المجحفة بحقها ومنها مشروعات قوانين تسمح بتزويج القاصرات وتعدد الزوجات وتطارد مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة وفي مقدمتها الاغتصاب . ودراسة اخيرة تضمنها الكتاب عن العنف القائم على اساس الجنس ضد النساء وهي عبارة عن دراسة اجتماعية لعينة مختارة من الناجيات من اعمال العنف في العراق .
جريدة الصباح