د.عامر صالح
في الوقت الذي تشتد فيه جبهات الرفض لتعديل قانون الأحوال المدنية الرقم 188 من العام 1959 وهو العام بدأت فيه الجمهورية بعد انطلااقها في 14 تموز من العام 1958 الناشئة لتأسيس مجتمع مدني قائم على الحق والعدل بين الجنسين وتكريس المساواة في الأحوال المدنية من زواج وطلاق مع احترامها لكل المذاهب والأديان, بل ان هذا القانون جاء كخلاصة مركزة واحترام لكل ما ورد في الأديان من أجل التأسيس لأسرة صالحة قوامها عند الاختلاف هو القانون المدني وإعطاء كل حق حقه عند حالات الفرقة الاضطراري وكما هو الزواج امساك بعرفان والطلاق تسريح بعرفان كما ورد في النصوص الدينية دون عبث واضطهاد لأطراف العلاقة, والدولة والقانون باعتبارهما الحكم الذي لا يمكن تجاوزهما لضمان فرقة مؤدبة وبأستحقاقات انسانية.
وهذا يجري لحد علمنا انسجاما مع لائحة حقوق الأنسان الذي شرعنته الأمم المتحدة والذي نص على احترام حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل في قضايا الأرث والحضانة بعيدا عن الاجتهاد العبثي ودون وصاية وألتفاف من قبل دعاة المذهب والدين لأستغلال ضعف المرأة المكتسب بفعل عوامل القهر الأجتماعي..
وفي بعض ما يجري من تحايل على حقوق المرأة من قبل مضطهديها هو إجراء استبيانات لجر وتشويه الرأي العام حول ابداء الرأي حول تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 للعام 1958, مثل هكذا قضايا انسانية تتعلق بالمساواة بين الجنسين لا يمكن ابدا حسمها في استبيانات مشوهة تفتقد إلى المنطقية والواقعية فهي على نسق هل انت مع الأبادة الجماعية وهل انت من أنصار الجنس الأبيض او الأسمر هكذا اسئلة مرفوضة من أساسها البنائي المخالف للقيم الأنسانية وبالتالي لا تحل بالإجابة بنعم أو لا, بل بالرفض المطلق لتعارضها مع قيم العيش المشترك لكل التنوعات الجنسية والعرقية والأثنية.
والأستبيان بأعتباره احدى ادوات البحث العلمي, وهي تتكون من مجموعة من الأسئلة وغيرها من اوجه طلب المعلومات في القضايا ذات الصلة بالعديد من المشكلات الميدانية ذات الخلااف لتبيان الرأي فيها ولكن ليست في الموضوعات ذات الصلة الأنسانية بمصير الوحدات الأنسانية حيث الخلاف قد حسم فيها وغير قابلة للأجتهاد كمثل الطلاق والزواج والمساواة بين الشريكيين, ولا يمكن اثارة الأختلاف في قضايا ذات بعد انساني محسوم بفعل تعقد ظروف الحياة وان الأختلاف بين الجنسين هو اختلاف في الخلق وليست في الحقوق, فهناك ادوار مناطة بكلا الجنسيين استنادا الى البنية التشريحية والفسيولوجية والنفسية وليست اختلافات قهرية تقسم الظهر بل هي اختلافات تستند الى البنية النفسية والهرمونية لكلا الجنسين والاساس بينهما هم العدل والمساواة, فهذه الأستبيانات التي ترسل من صفحات النت هي مظللة في جوهرها الأجتماعي وتعكس ثقافة المجتمع الذكوري الذي يرغب في انتزاع الشرعية من الأمومة كما يرغب في الهميمنة الذكورية على مصير المرأة الضحية.
الكثير من هذه الأستبيانات مظلل وذو اجندة متخلفة يتحايل على مؤسسات البحث العلمي لأضفاء على نفسه الشرعية لآغتصاب حقوق المرأة من خلال الأستعانة ببعض المؤسسات البحثية لأستمالة الرأي العام وتشويه فلسفة الحق والجمال والمساواة بين الجنسيين, ويلعب هنا الأسلام السياسي دورا خبيثا لتمرير اجندته في الحط من مكانة المرأة واعتبارها مشرووع متعة لا غير وتسهيل عملية استلابها كمربية وأم وحاضنة للطفولة.
الأصل في المؤسسات البحثية الراقية والمعتمدة ممنوع عمل هكذا استبيان لأنه متعلق بحقوق الأنسان كمسلمات ولا يجوز العبث في المسلمات فالأجتهاد هنا هو لتسويق خطاب مريض الهدف منه حرف الأنظار عن ما يجري من صراعات بين قوى التقدم المدني والقوى الأسلاموية ذات الطابع المعادي للأنوثة.
ما نحتاجه الآن هو ليست اجراء استبيانات تجيب على" هل انت مع تعديل قانون الأحوال المدنية أم لا " بل ما نحتاجه هو حملات توعية اجتماعية وثقافية وسياسية لتكريس مفهوم المساواة بين الجنسين في كل المجالات, وليست الى حملات تظليل للرأي العام الهدف منها شرعنة وسلب حقوق المرأة المدنية من خلال فرض التعديلات المجحفة على قانون الأحوال المدنية الصادر في العام 1959 والمرقم 188 والمعمول به لحد الآن.