كنت أطالع صباح هذا اليوم في إحدى المواقع الإخبارية عن ذكريات دخول داعش عام2014 إلى الموصل ، فقرأت ما هو معروف عن إختطاف الأيزيديات وإستخدام أطفالهن في معسكرات التدريب الإرهابي لكن أكثر ما راعني ما قرأته عن طفلة في الثامنة من عمرها في أحد المخيمات في زاخو والتي قام بإغتصابها داعشي في الأربعين من عمره وقد فعل ذلك من قبل بأمها وهو بالتأكيد من المحرمات في الدين الإسلامي ، فتساءلت عن أي تدين يتحدثون وما أشبه اليوم بالبارحة ، فقد قنن ذلك وشرعه عباقرة القانون في البرلمان العراقي ، حيث أجازوا أن تستباح عُذرية الطفلة العراقية قبل أن تكون مهيأة عقلياً وجسدياً للزواج .
لقد وقع العراق منذ الثمانينات على مباديء حقوق الطفولة وحمايتها لكنه سلم عهدته إلى بعض رجال الدين ، ويعلم الجميع بأنهم هم من أجازوا ما هو أبشع من زواج القاصرات ألا وهو ( زواج المتعة وزواج المسيار ) مما لا يوافق حتى أردأ العقول والضمائر ، وهذا يندرج تحت مصطلح ( الزنا ) الذي يعلموه جيداً ، لكنه زنا مُشرع وهذه ظاهرة لم تمارس في أغلب الدول الإسلامية .
إن ظاهرة زواج الأطفال هي ظاهرة تطفو على السطح في فترات الحروب والفساد الإجتماعي والإقتصادي ، والمراد منها هو تقليص التكاليف المادية على رب العائلة وتخليص هذه العائلة من فئة الإناث . لقد برزت هذه الظاهرة في العراق في فترات الأزمات السياسية والإقتصادية ، وظهرت أيضاً في سوريا وفي اليمن ، وهناك المئات من الفتيات القاصرات زُوجن قسراً لرجال بأضعاف أعمارهن ، وكان هذا لأجل رفع العبء الإقتصادي عن كاهل الأب وتحويله على كاهل الزوج .
لقد إنتشرت هذه الظاهرة وأبحرت مع صفوف اللاجئين العراقيين والسوريين إلى جميع دول أُوربا وأمريكا ، وإكتشف البوليس الغربي ذلك وقام بملاحقة أولياء الأمور الذين حاولوا التخلص من فتياتهم بتزويجهن ليس من خلال القانون ولكن من خلال رجال الدين المتواجدين هناك ، فأيهم أكثر نُبلاً وشرفاً ، أولياء الأمور لهؤلاء الفتيات أم سلطة القانون الغربي . ولقد إنتشرت هذه الظاهرة أيضاً كما ذكرت بعد نشوب الحرب في اليمن وإنسحب ذلك على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ، فقد تهدمت البنية التحتية تماماً لهذا البلد وإنتشرت المجاعة والأوبئة وأُغلقت عشرات المدارس أو تحولت إلى ملاجيء أو مخازن سلاح وتهدم الكثير منها ، فتسرب طلاب وطالبات المدارس وأصبحت الفتيات عبئاً ثقيلاً على كاهل الآباء ، فما كان إلا أن تنتقل ولاية الفتاة إلى الزوج وهكذا زُوِّج آلاف الفتيات الصغيرات اليمنيات إلى رجال مُسنين ، وكان هذا كمن ينقل الثقل من اليد اليمنى إلى اليسرى ومع ذلك يبقى العبء الإقتصادي ثقيلاً على المجتمع برمته ، أي أن هذا الحل لا يتبع المنطق إطلاقاً .
لقد إنتفضت الأقلام الشريفة لتتحدث عن مسخ قانون الأحوال الشخصية العراقي 188 لعام 1959 ، وكلنا نعلم أن هذه العملية ما هي إلا غزل سياسي ما بين القوى الدينية المتصارعة ، أيهما أقوى ديناً ولم يُخرجوا من الدين إلا أوضاع المرأة ، فإذا أردت أن يُعرف تدينك فضع المرأة تحت المجهر ما بين اليمين واليسار ، وما بين الأعلى والأسفل ، تُلاحق في عملها وكلامها ولباسها وعلاقاتها ، وعلى هذا الأساس لا حق لها في الإختيار أو الرفض ، وعلى هذا الأساس أيضاً فهي تتزوج بمن يرغبون ومتى ما رغبوا ، وهي هنا سبية في بيتها ولا فرق في إنتقالها من بيت الأب إلى بيت الزوج .
لو نظرنا إلى المكتسبات التي حصل عليها الشعب العراقي بعد 2003 لوجدنا أنه لم يتغير شيء ولم يجر الإهتمام بتطوير البنية التحتية ، بل ظهرت على السطح ظواهر سلبية كثيرة ، فقد إزدادت نسبة الجريمة المنظمة وغير المنظمة وإزداد عدد المطلقات والمحجبات قسراً إزدياداً كبيراً كما إزداد عدد المتزوجات قسراً وعادت ظاهرة الإتجار بالبشر وتجارة الأعضاء وتجارة الجسد ، وأصبحت المرأة العراقية مجرد بضاعة تدور في السوق ويكسب الجميع من دورانها إلا هي . فحتى النساء العراقيات ذوات المستوى العلمي والثقافي الجيد بدخولهن مجالات العمل المختلفة تشكل حركتهن خطورة كبيرة عليهن لأن المجتمع العراقي حالياً وبإعتراف الكثير من المنظمات الإنسانية العالمية ومنها منظمة حقوق الإنسان بأن المجتمع العراقي هو الأكثر خطورة في العالم مع المجتمع في الصومال واليمن وأفغانستان . ولو سأل سائل ما علاقة هذا بزواج القاصرات لكان الجواب واضحاً لكل ذي منطق ، وكل الظواهر السلبية المذكورة تشكل ثقلاً على العقل العراقي وعلى نفسية الفرد العراقي ، فيحاول عباقرة القانون هنا إيجاد منافذ وثقوب يتنفس منها القلب العراقي المنتفخ كألبالون وهو لا يعلم أن هذه المنافذ ستؤدي إلى كوارث أعمق فها هي نسبة الطلاق قد أصبحت مرتفعة جداً والزواج المبكر أحد أسبابها حيث تتزوج الفتاة الصغيرة وهي غير مُستطيعة أو مُدركة لمهامها الزوجية وينتج عن ذلك أيضاً الآلاف من الوفيات للحوامل من الفتيات الصغيرات وإحتمالات الولادة المبكرة ووفيات الأطفال المولودين مبكراً ، حيث كما هو معلوم أن أجساد هؤلاء الفتيات هي غير مُعدة بعد للحمل والولادة .وعقولهن غير معدة ايضالتحمل منطق الحياة الزوجية والذي هوتحمل مسؤوليةاعباءالاسرة وتربيةالجيل اللاحق من قبل امهات لم يذقن طعم الطفولة