نحن النساء.. لسنا صفقة
بقلم : انتصار الميالي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

عندما ذهبت الدولة العراقية الحديثة لسنّ قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، كانت ترمي بناء وإنتاج المدنية، من خلال مقاربة عادلة لحقوق النساء، وهو ما يتسق مع النص الدستوري الحالي في المادة 14، لكن يبدو أن العقل الذكوري البرلماني لا يمكن أن يستقر قبل أن يدمر هذا الانتاج، الذي لم تأتِ مضامينه من فراغ، بل جاءت خلاصة لجميع مدارس الفقه الاسلامي ولم تذهب بعيداً عنه، وحاولت تقليص فجوات التمييز بما يحافظ على وحدة النسيج المجتمعي.

ولذا أصبح البلد مصدر إشعاع للمدنية في المنطقة. وبدلاً من إستكمال التحول نحو انتاج منظومة مدنية متكاملة، يسير البعض بأتجاه نسف كل مقومات المدنية، منذراً بمخاطر أبشع، حيث يُظهر لنا تفكيره البشع من أن المرأة كائن للمتاجرة والمقامرة السياسية والصفقات الرخيصة، وهو ما تنضح به أروقة البرلمان، التي ترن في أرجائها مساومات " أعطيك قانونا وأعطني قانوناً بالمقابل" دون أي رادع لما يسببه ذلك من خراب، كإنتهاك حقوق المرأة والطفل في التشريعات البرلماطائفية الأخيرة.

هنالك أمثال عراقية شعبية تحمل العبر والمعاني وبالتالي تضرب ولا تقاس، لكن الحكماء يفهمونها بالتأكيد ويحللون أسباب قولها حسب الظرف، وهنا اتذكر المثل ( اداري هواي مثل المي بالصينية )، وللتوضيح أكثر، المرأة العراقية بكل عناوينها (الأم والزوجة والأخت والبنت وشريكة العمل، تجدها تبذل قصارى جهدها كي تكون مثالية لأرضاء الآخرين، ليس لأنها تريد أن تكون مثالية بل لأنها تريد ان تنعم بحياة كريمة ومجتمع يحترمها.

وتاريخياً عرفت المرأة العراقية بجهودها وتضحياتها المستمرة رغم ويلات الحروب والضغوطات والعنف ومرارة العيش، إلّا أنها حافظت على صمودها وأصرت أن تبقى صورتها خلاقة وفي كل المجالات، ولكن هذه المرة يبدو أن موازين الأمور تغيرت بتمادي العقلية الذكورية التي استفحلت وحولت المرأة العراقية من عنصر فعال في بناء المجتمع إلى أداة للضرب تحت الحزام، فقط لأن مصالح الذكور تقتضي ذلك.

وتدرك ملايين النساء العراقيات أن العراق يعيش في أزمة كبيرة تتطلب معالجتها رجالاً يدركون أهمية دور المرأة وضرورتها في استقرار البلد وتقدمه وتنميته. غير أنه وللأسف تفتقد البلاد لحكماء يشغلون المواقع السياسية القيادية والمتنفذة بحيث تشتد الأزمة كل يوم، ويتمادى كل يوم البعض في سياسته غير السليمة لا بل الهدامة مجتمعيا وسياسيا وثقافياً.

ولهذا نبقى نعيش فوضى التشريعات والتصعيد في المزايدات داخل قبة البرلمان، وتشتد حملات الضغط ضد الحراك المدني وتشارك فيه فئات مختلفة، بالاساءة والتشويه والتسقيط والاتهامات الباطلة ومحاولات تسفيه مواقف الرافضين لتعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188، والمتصدين لسياسات خاطئة وممنهجة همشت دور النساء ورفعت من مستوى العنف بمؤشرات خطيرة، ليس ضدهن فحسب بل وضد كل المطالبين بحقوقهم، وآخر ذلك ما تعرض له الخريجون من قمع واعتداء وحشي والإساءة بكلمات تحط من قيمتهم ومكانتهم العلمية.

هنا ندرك أهمية وحدة النضال والدفاع عن مدنية العراق أولاً، ومكافحة خطر التمييز والنعرة الذكورية الحاكمة، ومضاعفة حملات الضغط وتعبئة الجماهير والتصدي لكل من يتسبب بانتهاكات حقوق الانسان، وأن نسحب الحصانة ممن يُسّخر موقعه البرلماني أو الحكومي لضرب مصالح الشعب والبلد وزعزعة استقراره، ويعرض المجتمع للمزيد من الإنقسامات والويلات.

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  السبت 07-09-2024     عدد القراء :  156       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced