عندما تحصل المصائب والكوارث السياسية وغيرها بصورة مفاجئة تجفل الضمائر وتنهض الهمم. ولكنها حينما تأتي زاحفة بنواعم الخطى لغاية ان تعم، لا تواجه كما في الحالة الاولى، بل بالترقب السلبي غير المبرر على الاغلب. وهنا ينبغي ان يبرز دور صاحب القضية، رافضاً التدثر بأغطية الاعتبارات والقوانين الجائرة، التي لا تحظى بالقبول العام من الناس. انما ينبغي ان يأخذ العقل الجمعي مساراته المتصدية للكارثة، من دون لبس اوتردد . فما بالكم إذا ما كان المعنيون في حالة من التلقي مرهونون الى ما سياتي به الطارش " المبعوث " وتصبح الارادة بقضها وقضيضها بـيد " صاحب الارادة " الفرد مما يولد طعناً بارادة العقل الجمعي ويعومها مصادرة ومغتصبة على الاكثر.
ولكن ثمة من يرفع نقطة نظام ويقول لاحظوا شعلة حراك الشارع ما زالت متقدة تلوّح بايقاف تدحرج كرة الجليد الغادية لامحالة الى الوصول نحو الحضيض، ولا بد من التاكيد ان هذه الشعلة قد غدت بمنأى عن غدرالوعود السلطوية المضللة، التي اعتادت السلطات الظالمة على امتشاقها كسلاح غادر ضد ارادة حراك الشارع الثائر.. إن كل إيماننا بقدرته وهو المنسوب الى انتفاضة تشرين الباسلة، غير ان ما يقلق حقاً هو حالة الفرقة بين اطرافه. هذا من جانب، ومن جانب اخر، لم يلمس تخلصه من اطار المطالب الذاتية كالتوظيف وسواه الى حد ما. الامر الذي دفع بالبعض الى القول بان حراك الشارع الحالي لم يهجس منه التلامس الجدي مع اهداف الانتفاضة الوطنية الاساسية . وبخاصة إرساء العدالة الاجتماعية وممارسة الديمقراطية والتقيّد بحفظ السيادة الوطنية والقضاء على الفساد والسلاح المنفلت.
معلوم بان الازمة ليست في القاعدة الجماهيرية، بل متوطنة بالقمة " قيادة السلطة " الامرالذي يتيح بنهوض الحراك طالما هو خارج متناول هذه الازمة، والوصول الى وحدة الحراك ووحدة الارادة والعمل، التي ينتظرها الناس كأمل متبق يتم التعلق به لمعالجة الاوضاع المتردية في البلد، لاسيما وان الاحداث صار مسارها جارياً ومتسارعاً نحو التصاعد الخطير الذي يشير الى ان العراق عاجز عن الانفكاك من زخم الاحداث الحربية الجارية، بالرغم من كونه ليس طرفاً بالنزاع، وانما مسحوباً من تلابيبه عنوة بحكم الهيمنة السياسية للقوى المتنفذة القابضة على سلطة الحكم. وهذا هو جوهر محنة البلد.
ويقتحمنا سؤال وقح مفاده " اين نحن من ذلك كله ؟ " هل تصيبنا كثافة سخام بمرض العشو السياسي الذي سيدفعنا على التماهي مع تدحرج كرة جليد النار، اذا جاز هذا التعبير، ام ننتفض برسم التصدي لها دفاعاً عن العراق المستباح منذ عقود سوداء مضت. مع ان المدافعين الحقيقيين عن البلد لا يمتلكون سوى صدورهم العارية وعقولهم النيرة.. هل نحن ملزمون ان نجيب ام نجبر على البقاء جالسين على تل الترقب . الذي لا يبشر بسوى سوقنا الى سوق العبيد؟؟!!