ليس غريبا أن يواصل البرلمان العراقي سلوكياته الاستبدادية والتحجج بالأغلبية العددية داخل البرلمان، في وقت تقع فيه أغلبية السكان تحت طائلة العوز والفقر المدقع والمرض والبطالة والهجرة وراء لقمة العيش والتسرب من الدراسة وعمالة الأطفال والتسول، وهي مصائب لا تخلو جميعها من مظاهر العنف التي باتت تأخذ مساراً مرعباً، لايمكن التغاضي عنه.
ولا يختلف البرلمان العراقي اليوم عن أي رجل عنيف أو مجتمع منغلق، يمارس العنف الممنهج ضد المرأة والطفل، بدلا من دوره الرقابي والتشريعي الذي يفترض به أن يسمو إلى درجة عالية ويعمل بمستوى واحد دون أن يضر حتى ولا بفرد واحد، ذكراً كان أم انثى.
وعليه، يحق للناس أن تتساءل، هل بات البرلمان العراقي ممثلاً شرعياً للشعب ومدافعاً عن حقوقه؟! الجواب ببساطة، لا، فهو برلمان يعمل بمنهجية تنال من حقوق الإنسان والمرأة والطفل ويتدخل بحقوقهم الشخصية، ويذهب لأبعد من ذلك إلى المقامرة بنسف القوانين الرصينة بدلا من تشريع القوانين المهمة مثل قانون الحماية من العنف الأسري ومراقبة إنفاذ القوانين وتخليص قوانين أخرى من أي نصوص ومواد تكرس العنف وتقننه.
وعندما تغلق السلطة التشريعية الطريق وتستبد برأيها، يصير لزاماً على الحركات المدنية والمجتمعية التي تجسِّد أملَ الشعب وإصرارَه، مضاعفة حملات المدافعة والضغط على السلطة. ولهذا لا بد من الإسراع في تنظيم حملات متعددة ومتنوعة وبمستويات أوسع، ودعوة الشعب للتجمع والاحتجاج والتظاهر السِلْمي ضد نظام المحاصصة المأزوم.
يمكن لأي حملة الانتصار، إذا تمسكت بقوة مناصريها ومؤديها والداعمين لها، وعملت على إحياء الأمل في الفئات التي تواجه الظلم، فهذا من شأنه تحشيد المزيد من المواطنين العازمين على عدم تحمل جور السلطات المفروض عليهم، وعلى انتزاع حقوقهم عبر كفاح يومي مثابر وتعلم إدارةَ شؤونهم الخاصة.
وينبغي أن تضع حملات الدفاع عن الحقوق هدفها الأول في إجبار البرلمان على التراجع عن ظلم المواطنين بتشريعات مجحفة، لأن مصداقيةُ الردع المدني تكون فعليةً ومقنعة إذا ما أشعرت الخصم بالقلق وعرّضت نفوذه ومحاصصته ومساوماته لخطر جدي، وأحبطت أساليبه اللاديمقراطية في التعامل مع المختلفين معه.
لقد تمادى البرلمان وكتله المتنفذة في عدوانيته واستبداده، كما في سعيه لفرض تعديل قانون الأحوال الشخصية، وقام الأزلام والتابعون والموظفون بحملات ظالمة ومعادية ضد رافضي التعديل، وشكلوا كما يبدو شبكات تعمل على تسقيط المدافعات والمدافعين عن قانون 188. ولهذا صار مهماً اليوم تعزيز قوة حملات معركتنا القانونية المشروعة للحفاظ على مكتسبات النساء والأطفال والمجتمع بأسره، والتي جاءت بعد تضحيات كبيرة، وأن نواصل الضغط بما يزعزع نفوذ البرلمان المتسلط والمتزمت برأيه، مع مراعاة حجم وخطورة المواقف وحتى كلفتها النفسية والاجتماعية، دون أن نفقد الأملَ بالانتصار.
طريق الشعب