يبدو أن طغمة الحكم تعتبر المشهد الحالي المليء بمشاعر اليأس والإحباط، دليلا على انطفاء حركة الاحتجاج، متوهمة أن الشعب قد استسلم للواقع القائم، وأن صوته لم يعد له أثر. وهي ترى في هذا الانكفاء الظاهري ما يطمّنها على ان أحدا لن يعارض هيمنتها. لكن الواقع مختلف طبعا، فهدوء ساحة الحركة الاجتماعية لا يعني القبول، بل انه يخفي غضباً مكتوماً قد ينفجر في أية لحظة، محملاً بمطالب لا تحتمل التأجيل. فاليأس في ظل تراكم الظلم، يصبح تربة خصبة لثورة شعبية.
في هذا السياق يأتي دور النخبة الثقافية، التي عليها ادراك أن الصمت ليس خياراً، وأن واجبها التاريخي يفرض عليها أداء مهمتها على احسن وجه. لكن ما يؤسف له أن هذه النخبة، باستثناء القلة منها القابضة على الجمر والمتمسكة بمواقفها الجريئة، لم ترتقِ إلى مستوى مسؤولياتها، حتى فضّل الكثيرون من افرادها الحياد أو اتخاذ مواقف خجولة، وكأنهم تناسوا دورهم في مواجهة فساد القلة المستأثرة بالسلطة والثروة. فالمثقف، كما قال غرامشي، "هو الذي يربط الأفكار النظرية بالنضال الشعبي اليومي."
مسؤولية النخبة جسيمة، فهي تدرك أن ركود مشاعر الاستياء قد يخدع الطغمة، لكنه يشكل جرس إنذار يحثّ على التخلي عن عزلة الأبراج، والانخراط بجرأة في الحراك الاجتماعي. وفي هذا الظرف لابد لها من انتشال روح الاحتجاج من تحت ركام الإحباط، ومن ان تكون القوة الدافعة لإحياء الأمل.
اليوم، ومع تزايد الفساد واستحواذ القلة على الثروات، تقع على عاتق النخبة مسؤولية دفع عجلة الوعي الطبقي، وتشكيل جبهة لتحريك الرأي العام وتوجيهه نحو المطالبة بحقوقه. وكما يُقال، لا بد من "تَعليق الجَرَس في رقبة القط""، وأن تكون النخبة الصوت الذي ينبه النظام إلى حتمية التغيير. فعندما تكون مطالب الكرامة والعدالة رهينة بيد طغمة تتجاهل معاناة الشعب، يصبح محتما أن تشعل النخبة جذوة المقاومة.
ان مهمة النخبة اليوم لا تقتصر على الدفاع عن حقوق المضطَهَدين، بل تشمل الاسهام في اطلاق حراك يمكّن الشعب من مواجهة الطغمة. فإن لم تقم النخبة بدورها هذا، فان الشعب سيجد طريقه لاستعادة حقوقه بنفسه، ولتأكيد حقيقة ان الكرامة والعدالة ليستا ترفاً، بل هما من الحقوق التي لا مساومة عليها.
يؤكد المشهد الحالي ضرورة تجديد أدوار المثقفين، ليكونوا جزءاً فاعلاً في حركة الوعي الطبقي، كاشفين زيف الشعارات السائدة وواقع الفساد المتغلغل في كل زاوية من زوايا النظام.
وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد نشهد حراكاً جديداً يعبر عن مطالب شعبية بإصلاحات جذرية، لا تحتمل التأجيل أو المساومة، وأن الثورة السلمية الشعبية هي السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق، عندما يقتنع الشعب بأن مطالب الكرامة والعدالة ليست ترفاً، بل هي حقوق أساسية، وان احدا لن يقبل أن تظل إرادته رهن طغمة مستبدة، اختارت التنكر لمعاناة من لا يملكون سوى قيودهم.
طريق الشعب