جميل الطبيب المتنقل: علاج الأمل في زمن النضال
بقلم : وردا البيلاتي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

معرفتي بالرفيق جميل (جوزيف) تعود الى تاريخ 22 / 3 / 1979 ، منذ الانطلاقة الأولى لبناء اول قاعدة أنصارية على مشارف جبل مامند أي بين حدود إيران والعراق (ناوزنك) لاحقا بات معروفاً بوادي الأحزاب من القوى المعارضة الوطنية والقومية واستمرت علاقتنا الى فترة الانفال 1988 وفي مواقع عديدة، كان آخرها قاعدة بهدينان (دهوك) بعد تشكيل أفواج وسرايا من الرفيقات والرفاق.

كانت الحياة اليومية في قواعد الأنصار مفعمة بالتسارع والروتين المرهق، ما بين مهام الخدمة الرفاقية، الحراسات، وتوفير الحطب وتقطيعه لأغراض الطهي وتدفئة قاعات النوم. في خضم هذه الأجواء، احتجَّ الرفيق جميل على تلك الأعمال الروتينية، ودخل في نقاش حاد مع والده، توما توماس، الذي كان مسؤول القاطع. ووسط التحدي المتبادل، طلب جميل الانضمام إلى المفارز القتالية، تحديداً مع السرية الثالثة التي كانت تعمل على أطراف دهوك. حاول والده ثنيه عن قراره واقترح عليه اختيار سرية أخرى، لكن جميل أصرّ على رأيه.

وبعد أيام، فوجئنا بجميل يصل إلى منطقة تواجد السرية الثالثة برفقة مجموعة من الأنصار، حاملاً البريد. وبمجرد وصوله، استُقبل باعتباره ملمًّا بقضايا الطب، حيث اشتهر بين الرفاق وأهالي القرى بلقب “دكتور جميل”. كان جميل شاباً أشقرَ ضخمَ البنية، يحمل حقيبة مليئة بالأدوية المتنوعة، ما أضفى عليه مظهر الطبيب، وانتشر الخبر بين القرى بوجود طبيب مع مفرزة الشيوعيين.

بدأ جميل في معالجة أهالي القرى، بأسلوب ذكي ومرتجل؛ إذ كان يتبع خطوات الطبيب الحريص، فيسأل مرضاه عن الادوية التي يستخدمونها ويفحصها بعناية، ثم يسجل ملاحظات حول الحالات في دفتره الخاص. وكان يكتب وصفة علاجية مشابه لما استخدمه اخرون من قبل، موقعة باسم "دكتور جميل"، ويوصي المرضى بمراجعة صيدلية محددة في دهوك للحصول على الأدوية اللازمة.

استمر رفيقنا جميل في أداء دوره النبيل كطبيب محبوب، يقدم الرعاية والعلاج لأهالي القرى. وفي إحدى المرات وبينما كنا متواجدين بين قريتي نينافا وباخرنيف (*) على أطراف دهوك، تعرضت القريتان لحصار شديد من قبل الجيش، بمساندة الفرسان (جحوش الكرد) والجيش الشعبي، مما أسفر عن معركة ضارية. فقدنا فيها شهيداً ، مع اصابة أربعة من انصارنا بجراح ، كان جميل من بين المصابين، ولم أستطع العثور عليه بعد انتهاء المعركة، فظننت أنه أسر. لكن فلاحاً من أهل القرية جاءني بخبر مطمئن قائلاً: "رأيت دكتوركم مصاباً على الطريق"

بعد فترة من الراحة في مقر الفوج الثالث بقاطع يهدينان، استعاد جميل نشاطه وعزيمته. لكن أثناء مرروه مع السرية الخامسة الى قرية كلكا، انفجر لغم تحت قدميه، ليصاب مرة أخرى. رغم هذه المحنة، ظل جميل ثابتاً وصبوراً، محتفظاً بمعنويات عالية ترفع من عزيمة رفاقه.

وفي السنوات الأخيرة، رحل جميل في منفاه بمدينة ديترويت، بعدما عانى من أمراض متعددة. ترك لنا ذكراه الطيبة وشجاعةً ستظل حية في قلوب رفاقه وكل من عرفه وأحبه.

  كتب بتأريخ :  الأحد 17-11-2024     عدد القراء :  99       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced