الطائفية الحالية هي الازمة المستعصية التي تعصف بالعراق، و تدمير المعايير الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما انها تشمل قضايا الثقافة والادب والفنون ولهذا للازمة تداعيات معقدة ومناح عديدة :
1 ــ المحاصصة الطائفية التي أقيمت بعد الاحتلال وتبوء قوى طائفية دينية في قمة السلطة.
2 – الفساد المالي والإداري نتيجة للصراع والسرقة وتقاسم واحتكار السلطة لمكون واحد وحلفاء مطيعين
3 ــ الميليشيات الطائفية المسلحة تنقسم الى قسمين
أ – ميليشيات قديمة وجديدة مسلحة تابعة لقوى خارجية تدعمها لوجستياً بالمال والسلاح وتتصرف بشكل غير قانوني، وقد نشر مؤخراً تقريراً تلفزيونياً حول تفاصيل إنشاء خلية بالأسماء من قبل قادة امنيين وقيادة لميليشيات عراقية تابعة وضباط ايرانيين والحشد الشعبي، بهدف القضاء على انتفاضة تشرين أو ثورة تشرين هي تظاهرات اندلعت في ( 1 تشرين الأول عام 2019) واغتيال الناشطين والقادة الميدانيين وفعلاً تم ذلك.
ب ــ الحشد الشعبي تشكل حصراً على أساس محاربة داعش الإرهاب واعلن انه لجميع المكونات دون طابع طائفي لكن القوى الطائفية أخذت فتوى السيد علي السيستاني " الجهاد الكفائي " و تبين انها استغلت من قبل القوى الطائفية لنشر السلاح دون مراقبة، ولا قانوني مما جعل السيد على السيستاني مؤخرا يشير لخطورة الاستغلال فارسل رسالة أشار فيها الى ضرورة تطبيق سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وداعياً الى مكافحة الفساد على جميع المستويات، وحسب معتقدات الكثير من المحللين والمتابعين وجدوا ان الرسالة "وكأنها تستهدف التضييق على الحشد الشعبي والتفافا على فتوى الجهاد الكفائي التي أَطْلَقَتْ أيدي ميليشيات الحشد الشعبي للسيطرة على مختلف مفاصل الدولة في العراق سياسيا"
4 – عدم استقلالية القرار العراقي وهذا ما يلاحظ على حكومات المحاصصة الطائفية المتتابعة، ان أي قرار يخص الحفاظ على استقلال البلاد لم يتخذ إلا بالشعارات ومنها احتلال تركيا لأراض عراقية وتدخلات إيران في الشؤون الداخلية ثم وجود القوات الامريكية والتحالف الدولي .
لهذا نجد ان السبب الاول في التدهور والخراب وتقسيم المجتمع والأزمة العامة وقضايا متنوعة تخص الوضع الخارجي والداخلي هو الاحتلال الأمريكي والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية وما يسمى بالمحاصصة الطائفية التي كانت ومازالت البلاء المستشري التي جعلت البلاد تعيش دوامة للهيمنة والتسلط والتقسيم الطائفي والديني المذهبي وهي التي انتجت التداعيات لعدم استقلالية القرار العراقي الوطني وتهديد السلم الاجتماعي بما منحته من تسهيلات لبعض دول الجوار ولم تقف حكومات المحاصصة موقفاً صارماً ضد هذه التدخلات بما فيها احتلال أراضي عراقية في الإقليم، ان المتابع لقضايا الطائفية والبعض من تجاربها يجد انها ظاهرة تلحق اشد الضرر بالمنسوج الوطني وهي أداة شريرة لتفكيك المجتمع والتهديد الدائم للسلم الاجتماعي وهي كظاهرة تعد تعبيرا واضحا لتخريب التماسك الوطني وتمزيق عرى التآخي والعلاقات التاريخية وتتميز بخطابها الطائفي المعلن بكل صراحة والذي يستخدم الدين كشماعة للمواصلة في تفسيخ بناء المجتمع المتعدد الطوائف والأديان والمذاهب، المحاصصة الطائفية تتحمل المسؤولية الاجتماعية والسياسية والتاريخية في عدم استقرار المقومات الأساسية للبناء الوطني بما تحمله من عقدية تجاه السلم الاجتماعي ووحدة الكفاح الشعبي المخالف لأي توجه انعزالي عنصري وطائفي مذهبي وتعتبر الطائفية ذات التوجه المذهبي من اخطر ما يكون في العلاقة مع المكونات الأخرى التي تختلف معها عقائديا.
ان المحاصصة الطائفية في العراق وليدة الاحتلال والتنظيمات والأحزاب الشيعية التابعة مع العلم هناك المكونات الأخرى ولكنها أقل وغير فعالة، وبهذا لاحظنا خلال فترة ما بعد الاحتلال وتشكيل حكومات على أساس المحاصصة الطائفية تزايد الاعمال الوحشية والاجرامية حتى على الأسماء وبخاصة أعوام (2006 و 2007 ) وما قامت به القوى والتنظيمات والميليشيات الطائفية القديمة والحديثة مما أدى إلى آلاف الضحايا والمعوقين والمتضررين والمهجرين والمهاجرين خوفاً من الاعمال الطائفية الموغلة بالحقد والعنصرية، ونالت العاصمة بغداد نصيبها المفجع حيث غيرت العديد من المناطق والاحياء وفق سياسية طائفية منهجية وأصبحت ذات مكون واحد تقريباً تفاخر البعض به ممن ساهموا في هذه النكبة وراحوا ينشدون "بغداد شيعية صبحتْ ...الخ " وخير مثال نورده كحالة " جرف الصخر حيث هجرت آلاف العوائل وتم الاستيلاء على البساتين والدور من قبل البعض من الميليشيات الطائفية وهناك امثلة على الاحياء السكنية ايضاً" ولقد لعبت الميليشيات الطائفية الشيعية والمنظمات الإرهابية التكفيرية دوراً بارزاً في اثارة الانقسام والعمل باتجاه تمزيق الوحدة الوطنية وخلق النعرات العدائية بين المكونات والطوائف العراقية التي تعايشت بشكل سلمي وضمن دائرة من الاخاء الوطني سنين طويلة، وشخص الدكتور برهان غليون ماهية الدور الطائفي السياسي للدين بالقول " الطائفية هي التعبير السياسي عن المجتمع العصبوي، الذي يعاني من نقص الاندماج الذاتي والانصهار، حيث تعيش الجماعات المختلفة بجوار بعضها البعض لكنها تظل ضعيفة التبادل والتواصل فيما بينها "
ولم تكن سياسة المحاصصة ببعيدة عن عيوب كثيرة اصابت الشعب العراقي برمته وجعلته ينظر بريبة وخشية فهناك تدخل في شؤون البلاد تحت يافطات طائفية وهناك احتلال للأراضي في الإقليم إضافة للقواعد العسكرية الامريكية بينما تلعب الميليشيات الطائفية ادواراً خطرة لأضعاف القرار العراقي المستقل وعدم حصر السلاح المنفلت في يد الدولة فضلاً عن انتشار الفساد المالي والإداري بشكل لم يسبق له مثيل وهناك عشرات القضايا ومن خلفها مسؤولون لا يعاقبون وهناك أموالا طائلة فقدت بأشكال مريبة هربت الى الخارج والشعب يتضور جوعاً وفقراً، ان الفساد الذي ابتلت البلاد به هو ما اشرنا لهُ سببه المحاصصة الطائفية والحكومات التي نتجت عنها وأصبحت مؤسسات الدولة والدوائر والإدارات لم يكن إلا بسبب أولئك المنخرطين في خلافات وصراعات من اجل الاستيلاء على السلطة وقضية توقيف رئيس هيئة المستشارين بمكتب رئيس الوزراء وطلب الرشوة اكثر من مليون دولار حيث تناولت من قبل الإعلام العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي ولكثرة قضايا الفساد وتداولها من قبل وسائل الإعلام وتسريب ذلك في تسجيل صوتي منسوب الى رئيس الهيئة ،نقول ان الصراع وصل الى حد بعيد اكثر مما نتصور وما أصدره القضاء فقد يصعب ذكره في هذا المقال إلا أننا نذكر الضجة التي اشيرت حول ما يسمى" سرقة القرن" في 2022 وأسماء المتهمين التي ذكرت حتى في وسائل الإعلام ثم ما جرى من " طمطمها"، وقد اشارت البعض من المصادر عن وثيقة لها صلة بالقضية اشارت "من الهيئة العامة للضرائب أنه تم دفع 2.5 مليار دولار بين أيلول (سبتمبر) 2021 وآب (أغسطس) 2022 عن طريق 247 صكا صرفتها 5 شركات. ثم سُحبت الأموال نقدا من حسابات هذه الشركات التي يخضع أصحابها لأوامر توقيف". وكما يقال اننا نلاحظ عدم استهداف كبار الفاسدين في قمة الهرم السلطوي وهي تستهدف فقط الوظائف والمستويات المتوسطة مثل المدراء والموظفين وهو دليل على الصراع الداخلي بين القوى المتنفذة وقوة نفوذ الفاسدين الكبار الموغلين بالجريمة وعدم المبالاة للقضاء العراقي وما يصدره من قرارات إدانة لأنهم على ما يبدو فوق السلطة القضائية أي انهم لا يعيرون إي أهمية للقانون والمحاسبة القانونية، هذه نبذ صغيرة عن الازمة والفساد والمخفي أعظم .
آخر المطاف نقولها جهراً وعلناً لن يستقر العراق سياسياَ واجتماعياً واقتصادياً ولن يسلم من الهيمنة الخارجية والمحاصصة الطافية والفساد والميليشيات الطائفية والقوى الإرهابية إلا بالتخلص من المحاصصة الطائفية وقيام الحكم الوطني السليم.