تتجدد الآمال والطموحات عشية حلول العام الجديد ٢٠٢٥، وهي ربما تتكرر على ألسنة العراقيين عاما بعد آخر، وهم لما يروا بعدُ ضوءا في نهاية النفق.
وبقدر تعدد الامنيات وتطلع المواطنين الى تحقيقها، يقفز مقابلها الكثير من التحديات والصعوبات، بعضها قديم متراكم منذ ما قبل ٢٠٠٣ ربما، ومنها ما هو حديث العهد ارتباطا بالتطورات الجديدة في المنطقة، وانعكاساتها المحتملة على أوضاع بلدنا.
عشية العام الجديد وفيما شعوب العالم تتهيأ للاحتفاء بالمناسبة من مشرق الأرض الى مغربها، يلفت الانتباه ما يحصل في بقاع عدة من المعمورة، وتبرز بينه الجرائم التي يرتكبها المحتل الصهيوني بحق الفلسطينيين عامة وشعب غزة خاصة، والحرب الداخلية الاهلية في السودان وما تخلفه من كوارث ومآسي، كذل الحرب الدامية بين روسيا وأوكرانيا.
وليست الحروب والصراعات، الداخلية منها والخارجية، هي ما يؤرق فقط ونحن على بعد أيام قلائل من العام الجديد، بل هناك أيضا هذا الاختلال في النظام العالمي الذي تَشكّل غداة الحرب العالمية الثانية، وفقدان المؤسسات الدولية دورها، والتمرد على القرارات والمواقف الدولية الهادفة الى جعل العالم أكثر عدلا واستقرارا، والى صيانة حقوق الانسان وفي مقدمتها الحق في الحياة، الذي كثيرا ما يصادر لأتفه الأسباب والدوافع.
وفي جميع أنحاء العالم يموت عدد أكبر من البشر في النزاعات والمعارك العسكرية، وتدمر بنى تحتية ومدن بكاملها، ويُفقد الكثير من المعالم الحضارية والاثرية، ويضطر الملايين الى ترك بيوتهم أو الى طلب العون الغذائي والدوائي الضروري للبقاء على قيد الحياة. ويحصل هذا بنسب تفوق ما كانت عليه على مدى عقود خلت.
يحل عام ٢٠٢٥ والعالم مضطرب وغير مستقر، وربما عمّق من ذلك أيضا رجوع ترامب ثانية الى الرئاسة الامريكية وما يطلق من تصريحات مقلقة، وآخرها ما يتعلق بقناة بنما. ويتنامى القلق ليس فقط بفعل الصراعات الدموية والعسكرية وما تخلف من ضحايا ودمار، ولكن أيضا بسبب الامراض والجوع والفقر التي ما زالت تهيمن على دول العالم، والنامية منها خاصة.
فتقارير الأمم المتحدة تشير الى تفاقم مسألة الجوع وانعدام الامن الغذائي في العالم، بشكل مثير للقلق منذ عام ٢٠١٥، بفعل الاوبئة والصراعات وتغير المناخ وتفاقم عدم المساواة. حيث ان هناك ٧٣٣ مليون شخص يواجهون الجوع، فيما ٢٩ في المائة من سكان العالم يعانون من انعدام الامن الغذائي. ولعوامل عدة أصبح الحد من نسب الفقر ومحاصرة الجوع امرا بعيد المنال. فالأرقام تقول انه في العام ٢٠٣٠ سيكون هناك ٦٠٠ مليون شخص عبر العالم في حالة فقر مدقع.
ويغدو الامر أكثر تعقيدا عندما يقترن بالحروب والنزاعات والقتل اليومي والتهجير القسري، وفقدان الخدمات، وهو ما تعاني منه اليوم مناطق عدة في العالم بضمنها منطقة الشرق الأوسط. ومؤكد ان بلدنا العراق ليس بعيدا عن كل هذا الذي يجري، وواهم من يعتقد غير ذلك.
ويبقى السؤال عن كيف نجنب بلدنا وشعبنا مخاطر التداعيات المحتملة؟ وتقديرا لتلك المخاطر بدأت الأصوات الوطنية المخلصة تتعالى داعية الى ولوج التغيير قبل فوات الأوان (ووقوع الفاس بالراس ).
والمطلوب ليس الانحناء امام العاصفة حتى تمرّ، واعتماد الحلول الترقيعية، بل الجرأة والإرادة في تبني منهج متكامل سليم، ونمط تفكير مختلف تماما عما هو سائد. وهذا يتطلب كذلك طاقما يقود البلاد بعيدا عن المحاصصة المدمرة، واعتماد مبدأ المواطنة، والسرعة في إعادة هيبة الدولة، وانفاذ القانون على الجميع، وولوج طريق تنمية حقيقية.
هذا وغيره هو ما تنتظره بنات وأبناء شعبنا في العام الجديد. وتمسّ الحاجة الى جهد وطني شامل ليكون عام ٢٠٢٥ خط شروع.
في العام الجديد نعبر عن امنيات صادقة في عالم بلا حروب وجوع وامراض وفقر، وفي الأمان والاستقرار لبلدنا وشعبنا، والانطلاق نحو فضاءات جديدة حافلة بالخير للمواطنين جميعا، من دون تفريق وتمييز.
طريق الشعب