|
|
|
|
تعالوا نتحاور من اجل الرقي بالثقافة العراقية بعيدا عن المحاصصة
|
|
|
حوار حول واقع الثقافة العراقية في المرحلة الراهنة مع الدكتور كاظم حبيب
فهو يرى بأن المشهد
الثقافي العراقي في أزمة حقيقية وفي صراع دائم بين أطراف غير متكافئة من حيث الإمكانيات المادية والدعم المتواصل من قبل السلطة لطرف دون طرف آخر. فالاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق يواجه محنة ضعف الموارد وسد الكثير من أوجه العمل الثقافي بوجه المثقفات والمثقفين في العراق من جهة, بين تلك المجموعة الطائفية المدللة من قبل الأحزاب الإسلامية السياسية المالكة للموارد المالية الخاصة بها وتلك التي تصلها من قبل السلطة بصيغ مختلفة من جهة أخرى.
والحكومة القائمة بعيدة كل البعد عن وعي أهمية الثقافة والحياة الثقافية ودورها في الصراع الدائر بين قوى الإرهاب والمجتمع, سواء أكانت تلك القوى خارج العملية السياسية أم في داخلها وتعمل من الباطن لنسف العملية السياسية.
اتحاد الأدباء يحظى بتأييد واسع من أوساط المثقفات والمثقفين العراقيين ومن فئات مهمة في المجتمع, فهم الذين يعانون من مصاعب إيصال الثقافة المتنوعة والمتقدمة والجديدة إلى أسماع وعيون القارئات والقراء والمشاهدين في العراق وخارجه, رغم الكفاح العنيد الذي تمارسه هذه الجمهرة الخيرة من الكتاب والصحفيين والموسيقيين والمغنين والتشكيليين وكتاب القصة والرواية والشعراء والمسرح الذين يزدحم بهم المشهد العراقي لكثرتهم وكثرة أعمالهم الإبداعية, وخاصة في مجالات الشعر والفن التشكيلي والغناء. كما تعاني تلك الفئات من حرمانها من عطاء هؤلاء الفنانين.
المثقفة والمثقف في العراق يعيش محنة حقيقية. وزارة ثقافة موجودة, ولكنها غير قادرة على العطاء أو تنشيط عملية عطاء المثقفات والمثقفين. وسقط اثنان من ابرز مثقفي وزارة الثقافة العراقية خلال السنوات المنصرمة, وهما قاسم عبد الأمير عجام وكامل عبد الله شياع مثلاً. هناك مؤسسات خاصة, وبشكل خاص مؤسسة المدى الثقافية, قدمت وتقدم للمثقفة والمثقف العراقي أكثر بكثير مما قدمت وتقدت وزارة الثقافة العراقية التي هي واحدة من وزارات المحاصصة الطائفية أيضاً وضحية هذه المحاصصة في من يعمل فيها. إنها الوزارة التي لم تقدم إلا القليل جداً ومواردها كما يبدو شحيحة, إذ لا يوجد وعي لأهمية ودور مثل هذه الوزارة في الحياة الثقافية العراقية.
المشهد الثقافي في كردستان أفضل بمرات عدة من حيث الدعم الذي يقدم للمثقفات والمثقفين من كتاب وصحفيين وتشكيليين وموسيقيين ومبدعين بمجالات إبداعية أخرى, وهو أمر جيد. والكثير من أدباء ومثقفي العراق يجدون في كردستان منفذاً ومتنفساً مهماً لهم ولنتاجاتهم الثرية.
ولا بد هنا من الإشارة إلى والإشادة بالدور المتميز والبارز الذي يمارسه الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لنشر الثقافة الديمقراطية الحرة والدفاع عن حرية المثقفات والمثقفين في ممارسة نشاطهم الإبداعي في كافة المجالات, إضافة إلى التزام استعادة حقوقهم المصادرة منذ عقود.
كلنا يعرف بأن النتاج الإبداعي للعراقيات والعراقيين كبير جداً وغني بعطائه, ولكن منتجي هذا الإبداع مركونون في زاوية إن لم اقل محصورون في زاوية حادة جداً, وعلينا النضال من أجل كسر هذه الزاوية بنضال دءوب ومتصاعد وسلمي من أجل فتح كل الأبواب والنوافذ أمام المبدعة والمبدع, أما المثقفة والمثقف في جميع المجالات في العراق.
الصراع في العراق في مجال الثقافة ليس بين الجيد والسيئ أو بين الجديد والقديم فحسب, بل هو بالأساس بين ما هو واقعي وإنساني وتقدمي ومتفتح على الثقافة العالمية ومتلاقح معها, وبين ما هو غيبي وتجهيلي وينشر الغشاوة على عيون وعقول وأفئدة الناس وينزع منهم الأمل والثقة بالنفس وبالمستقبل ويجعل حياة الناس حزينة أبدا وباكية دوماً وبعيدةً كل البعد عن الفرحة والبسمة والسعادة والنضال في سبيل الأفضل. لا شك في أن النصر سيكون للثقافة الديمقراطية والإنسانية والواعية لطبيعة العصر ومهمات الإنسان في الحياة, ولكن الصراع سيكلف الإنسان المبدع العراقي والإنسان بشكل عام الكثير من الجهد والوقت والتفاعل الحضاري مع الحضارة البشرية المتقدمة.
ماذا بصدد الازمة المفتعلة بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج وما السبيل لحلها
لم تكن المثقفة كما لم يكن المثقف من نتاج الخارج, فهما من نتاج الداخل وذاكرتهما عراقية أصيلة تراكمت في فترة وجودهم في الوطن. ولم يفعل الخارج سوى صقل تلك القدرات والتفاعل مع الثقافات الأخرى والاستفادة منها لصالح تعميق المستوى الثقافي والإبداع الفني. وكانت جمهرة المثقفات والمثقفين في الخارج يكتبون باستمرار للداخل, وبالتالي فموضوعات كتاباتهم وإنتاجهم الإبداعي هو العراق وهموم الشعب العراقي وقضاياه اليومية ومأساة المجتمع في ظل الدكتاتوريات أو في ظل نظام المحاصصة حالياً. هذه المثقفة وذلك المثقف, وهما يعيشان في الخارج, كانا وما زالا يعبران في كل أعمالهم عن أوضاع الداخل ولا يحس من في الداخل بغربة عن تلك الأعمال الإبداعية للمثقفات والمثقفين الذين عاشوا أو ما زالوا يعيشون في الخارج. لم ينفصل هؤلاء بأغلبيتهم, إن لم نقل كلهم, عن الوطن وعن الشعب وعن قضاياه العادلة.
إن غالبية الكتاب والأدباء والتشكيليين والموسيقيين والمغنين وفي كل مجالات الإبداع هم من الناس الديمقراطيين والتقدميين الذين لم يهجروا العراق, بل هجّروا قسراً وبأساليب شتى. والقوى غير السليمة هي التي تحاول نشر الفرقة بين من هم في الداخل وناضلوا ضد الفاشية أو ضد المحاصصة الطائفية والإهمال, ومن هم قد أجبروا على مغادرة العراق وواصلوا النضال في سبيل تغيير العراق ألصدامي إلى عراق جديد خال من الاستبداد والتمييز الطائفي والإثني والفكري والسياسي وضد المرأة. لا يمكن أن يعمد مثقف عراقي أصيل ومثقفة أصيلة في الداخل إلى وضع فاصلة أو فجوة بينهما وبين مثقفات ومثقفي الخارج. إنها لعبة مزرية فشلت وتفشل لأنها ضد الواقع وضد الإنسان المبدع, امرأة كانت أم رجلاً, في الخارج لصالح العراق وشعب العراق وثقافة العراق.
كان المثقف العراقي, وكذا المثقفة, يعانيان من سخط الحكام وغضبهم بسبب مواقفهما النبيلة إلى جانب قضايا الشعب, وليس في هذا أي تضخيم للقضية. فمعاداة صدام حسين للمثقفات والمثقفين وكل المبدعين كانت كبيرة حقاً, ولهذا أجبر الكثير منهم على مغادرة العراق والعيش في المنفى. ومن بقي إما أجبر على السكوت أو الكتابة بلغة كليلة ودمنة أو كتب ووجد نفسه في المعتقل أو تحت التراب. الصور المعادية للمثقفات والمثقفين في فترة صدام حسين كثيرة وجهنمية. علينا أن نتذكر قائمة الأسماء التي منع صدام حسين قراءة كتاباتهم حتى بلع عددهم الألف اسم. هذا ليس تقولاً والقائمة نشرت في حينها وتقرر حرق كتبهم ومن يجدوا لديه كتاباً لهؤلاء الكتاب يسجن على اقل تقدير.
هناك شعور يلازم المثقف العراقي بأنه ضحية للأنظمة السياسية الجائرة , الا يعتبر هو جائرا أيضا بنرجسيته ونظرته الاستعلائية للعامة
كل إنسان, وخاصة من هم في مجال الإبداع, يتسم ببعض النرجسية, وحين ينظر في المرأة يرى نفسه جميلاً مثلاً. ولكن المشكلة ليست في هذه النرجسية العامة والطبيعية, بل حين تتحول إلى حالة مرضية قاهرة لدى المثقف, أو المثقفة, بحيث يعيش في حالة يرثى لها من حيث:
** إحساسه باستعلاء مفرط وغير طبيعي على الآخرين من المثقفات والمثقفين, فهو الأفضل من كل الشعراء أو الكتاب أو الرسامين ... الخ, ولا يوجد من هو أفضل منه قطعاً. إنه مفتون بنفسه إلى حد الجنون, بل هو مجنون حققاً.
** وإحساسه بأنه الأفضل, يشعر بأن هناك من يحسده على إنتاجه الإبداعي, ويشعر بأنه يعيش الإهمال من جانب الجميع, ثم يتصور وجود تقييم أفضل لمن هو أقل منه كفاءةً.
** ويفرض عليه هذا الإحساس, التي هي النرجسية المرضية بعينها, التعبير عن ذلك في كل الاجتماعات والمحافل التي يحضرها ويتحدث فيها حيث ينزل اللعنات وجام غضبه على كل الناس الذين يهملوه ولا يقيموه حق قيمته التي هي ربما اقل بكثير من أي شاعر أو فنان آخر.
إن مثل هذا النرجسي يعيش حالة مرضية, يعيش في محنة حقيقية ويحتاج إلى معالجة نفسية ويثير حالتين لدى المشاهدين أو المستمعين له أو القراء:
** حالة الشفقة عليه والرغبة في مواساته, وهو يحتاجها لأنه مريض,
** وحالة الانزعاج وعدم الارتياح من كثرة ترديده لهذه الشكوى التي لا يحس بها الناس.
ومن المفرح أن حالات من هذا النوع قليلة, وإلا لكان الجميع يعيشون في جحيم هذا المرض وكذا القريبين منه.
هل هناك أمل في ظهور مشهد ثقافي جديد وماذا نحتاج من اجل النهضة التي نسعى اليها
لا شك في أن المشهد الثقافي الراهن سيتغير, إذ أن الموجود لا يتناغم مع مسيرة التطور والحضارة الإنسانية وطبيعة الإنسان, ومنه الإنسان العراقي. ستنتصر الثقافة الديمقراطية وسينتعش الأدب, من شعر وقصة ورواية ونثر أدبي, وسينتصر المسرح التقدمي الحر, وكذا الغناء والموسيقى والرقص والفن التشكيلي بمختلف مجالاته, وستنتصر الثقافة الحرة, رغم ما يدفعه المثقف وما تدفعه المثقفة من ضريبة قاسية حالياً في مواجهة المد التجهيلي والردة الفكرية والجمالية في المجتمع ولدى قوى بعينها تريد تحريم كل ما هو نشاط إبداعي إنساني حر.
نحن بحاجة إلى عقد ندوات ومؤتمرات يشارك فيها المثقفات والمثقفون من جميع أنحاء العراق ومن الخارج لمناقشة سبل كسر الحلقة الشيطانية الراهنة التي تمنع حرية حركة وإبداع الثقافة العراقية وتلاقحها العالمي ومسيرتها المتقدمة. نحن بحاجة إلى دعم منظمات المجتمع المدني, ومنها الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ومنظمات الفنانين في جميع مجالات الإبداع وتعاونها المشترك لممارسة الضغط لإصدار قوانين تساعد على تقديم جميع أشكال الدعم للكتاب العراقي والمعارض الفنية والحياة الفنية وخاصة المسرح والموسيقى والغناء والرقص وتطوير أكاديمية الفنون الجميلة ومعهد الفنون الجميلة ونشر هذه المعاهد في مختلف محافظات العراق.
علينا أن نخوض معركة انتصار الثقافة الديمقراطية في العراق رغم كل الصعوبات ورغم المواقف المناهضة لها, سواء ممن هم في الحكم أم الأحزاب الحاكمة التي تناهض مختلف أشكال الفنون وتحرم من يمارسها, وقد كان الكثير من المثقفين, ومنهم المبدعون, ضحية هؤلاء المتخلفين.
|
كتب بتأريخ : الثلاثاء 26-01-2010
عدد القراء : 2422
عدد التعليقات : 0 |
|
|
|
|
|
|
|
|
|