استبشرنا ومعنا قطاعات كبيرة من أبناء شعبنا خيراً، بما أكد عليه البيان المشترك الذي صدر عن لقاء رئيس الحكومة مع رئيس الوزراء البريطاني (ستارمر)، من اتفاق على الالتزام بتعميق التعاون بشأن قضايا حقوق المرأة والسلام والأمن، خصوصاً وان المسؤول العراقي ظهر متفاخراً بما "حققه" في إطلاق خطته الوطنية الثالثة بشأن المرأة والسلام في العراق بالتزامن مع أعياد المرأة، إضافة إلى ما تضمنه البيان من أن حكومة العراق وعدت بدعم المنظمات التي تقودها النساء ومنظمات حقوق المرأة، نظراً للحاجة إلى الدعم المستمر لها ولضمان تحقيق المساءلة والعدالة في قضايا جميع الناجين من العنف الجنسي الذي ارتكبه كيان داعش الارهابي، بما في ذلك الأمهات وأطفالهن المولودون من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.
إلاّ أن ما جرى أمس في الجلسة الثالثة من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الرابعة والأخيرة للبرلمان العراقي، يفند ذلك وكل الإدعاءات بمواصلة الجهود لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات، والإهتمام بتعليمهن جيداً وبتمكين المرأة اقتصادياً بما يعود بالنفع على المجتمع.
إن ما جرى لا يعّد سابقة وظاهرة خطيرة فحسب، بل هي الأخطر من نوعها، حيث صّوت المجلس وفي مستهل الجلسة بالجملة وبلمح البصر على ثلاثة قوانين لايوجد بينها أي علاقة أو ترابط موضوعي، ويحتاج كل واحد منها إلى دراسة حقيقية وتفاصيل واضحة ومسائل إجرائية، قبل الانتقال إلى التصويت، الذي يجب أن يجرى بطريقة شفافة وسليمة وعلنية وأمام الرأي العام. إن ما جرى يعّد ببساطة مخالفة دستورية حسب المادة 93 - ثالثاً من الدستور (القوانين والإجراءات الاتحادية)، كما يعّد الإعلان عنه بمثابة الصفعة المباغتة التي أُريد بها أن تُنسي المجتمع حجم الصفقة بين الكتل المتنفذة وهبوط محتواها.
إنها صفعة للمجتمع لأنها تنسف كل الوعود الوردية التي تدّعي الحكومة رغبتها في الإلتزام بها، وهي صفعة لأنها كشفت عن سوق مقايضات رخيصة داخل البرلمان، تضع البلد مجدداً في مهب الريح، وهي صفعة لأنها مخالفة دستورية يجب عدم السكوت عليها، فلسنا بحاجة للمزيد من الفتن والحروب والصراعات يا برلمان الأغلبية، بل نحن الأحوج اليوم إلى العمل والتمكين الاقتصادي والضمان والرعاية وفرض القانون والحماية الكاملة من كافة أشكال الانتهاكات المتعلقة بالمرأة وحرية التعبير وحق الحصول على المعلومة.
أننا لا نحتج فقط على طريقة التصويت (المخالفة تماماً للدستور)، بل نرفض الآلية الخاطئة التي استخدمها رئيس المجلس مستخفاً بعقول العراقيين، إذ لا يجوز استحداث أي موضوع في جدول أعمال الجلسة قبل الاتفاق على طريقة طرحه للتصويت، وهذه ليست شطارة بل خدعة متفق عليها، في تمرير مساعي المتنفذين لنسف كل المكتسبات التي توفر بعض الحماية مثل قانون الأحوال الشخصية رقم 188.
إن ما جرى يضاعف من مسؤولية كل المنظمات النسوية والحركات المدنية، في الطعن بالجلسة وحث الخبراء والمختصين على التحرك لإجبار المتنفذين على الاحتكام للقانون والدستور ووضع حدٍ للمخالفات الدستورية التي يقوم بها البرلمان ورئاسته، خصوصاً انها ليست المخالفة الأولى ولكن يجب أن نعمل معاً كي تكون الأخيرة، ضماناً لإحترام الدستور وإرادة الشعب ولتعزيز الحقوق الأساسية وتحقيق التقدم للبلد.
المصدر.. طريق الشعب