أمريكا وأوروبا: يمين متطرف وشعبوية جديدة
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تواجه الحقوق التي ناضلت الشعوب طويلاً للحصول عليها تهديداً واضحاً، مع تصاعد نفوذ اليمين المحافظ والمتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا. هذا التحول السياسي لا يعكس فقط رد فعل على أزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة، بل يكشف عن أزمة أعمق في بنية النظام الديمقراطي نفسه، حيث يستغل اليمين الشعبوي المخاوف الجماعية، لإعادة صياغة سياسات تضرب في صميم قيم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والضمانات الاجتماعية.

ويمثل صعود دونالد ترامب في الولايات المتحدة انعكاساً لتحول خطير في السياسة الأمريكية. فخلال فترة حكمه الأولى، تبنّى ترامب خطاباً شعبوياً قائماً على القومية والاستفزاز، مستغلاً الغضب الشعبي تجاه النخب التقليدية. وخلال ذلك استُخدمت شعارات مثل (أمريكا أولاً) لتعزيز الانقسامات الطبقية والعرقية، بينما شُخّص المهاجرون والأقليات كأهداف سهلة لامتصاص الغضب الشعبي. والمقلق هو تزايد قوة التيارات اليمينية المتطرفة، التي تعمل على تقويض التعددية والتماسك الاجتماعي.

تشهد الاوضاع السياسية في أوروبا تحولات جذرية مع صعود قوى اليمين المتطرف، مدفوعة بأزمات الهجرة والاقتصاد. وتتصدر أحزاب مثل "التجمع الوطني" في فرنسا و"البديل من أجل ألمانيا" المشهد في كل من البلدين، لكن التأثير يمتد ليشمل دولاً أخرى. ففي إيطاليا تترأس جورجيا ميلوني حكومة يمينية متطرفة، مع أجندة تركز على القومية وتقييد الهجرة. وفي بولندا، كان حزب "القانون والعدالة" يواصل حتى الأمس القريب حكمه، مستغلاً النزعة القومية لتعزيز قبضته على الإعلام والقضاء. وفي المجر، يقود فيكتور أوربان منذ أكثر من عقد سياسة قومية متطرفة تقيد الحريات وتهاجم المعارضة. فيما شهدت السويد وفنلندا مشاركة أحزاب يمينية متطرفة مثل "ديمقراطيو السويد" و"الفنلنديون الحقيقيون" في تشكيل الحكومات، ما يعكس تحولاً كبيراً حتى في دول كانت تُعتبر حصوناً للديمقراطية الليبرالية. وفي هولندا والنمسا، يزداد التأييد للأحزاب اليمينية، مما يثير القلق بشأن التغيرات المستقبلية في سياساتها.

تمثل هذه التحولات تهديداً للبنية الاجتماعية، حيث تعيد الأحزاب المذكورة إنتاج نظام اقتصادي يزيد من التفاوت الطبقي. وتستخدم خطاباً شعبوياً لتحويل انتباه الشعوب عن الأسباب الحقيقية للأزمات الاجتماعية، مثل البطالة والفقر، إلى المهاجرين واللاجئين كأهداف سهلة. وبينما تدعي هذه الأحزاب الدفاع عن مصالح "الطبقة العاملة"، فإن سياساتها تكرس هيمنة النخب الاقتصادية.

ويشكل هذا الصعود تحدياً وجودياً للديمقراطية، حيث تجد القوى الديمقراطية نفسها مطالبة بإعادة بناء خطابها وتوحيد الجهود لمواجهة هذه الموجة المتصاعدة. فالديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل هي ضمانة للحقوق والمساواة، وهي اليوم مهددة من قبل قوى تهدف إلى استغلال مخاوف الشعوب لخدمة أجنداتها.

ويتطلب الرد على هذا التحدي تعبئة شعبية واسعة، ووعياً طبقياً قادراً على كشف أجندات اليمين المتطرف. وتكمن القوة الحقيقية في توحيد القوى الاجتماعية التي تؤمن بالديمقراطية والعدالة والتعددية، وفي العمل على إعادة توجيه النقاش العام نحو معالجة الأزمات الحقيقية التي تواجه الشعوب.

إن صعود اليمين لا يُعدّ مجرد حدث سياسي عابر، فهو يعكس أزمة عالمية متجذرة في صلب النظام الرأسمالي. ولمواجهة هذا التحدي، يتطلب الأمر إعادة ترتيب الأولويات، وتفعيل دور النخب الثقافية والسياسية في ترسيخ قيم التعايش والعدالة الاجتماعية، بما يضمن الحفاظ على الديمقراطية كقيمة إنسانية جوهرية، لا يمكن الاستغناء عنها.

  كتب بتأريخ :  الخميس 30-01-2025     عدد القراء :  39       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced