بين عبث الطغمة وحتمية التغيير
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في مشهد يجسد العبث السياسي، أصدر بعض المحافظين قرارات بتعليق الدوام في محافظاتهم ثلاثة أيام، رداً على قرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلايقاف الموقت لتنفيذ القوانين الثلاثة، التي مررها مجلس النواب في لحظات خاطفة. هذا التصرف، وإن بدا تمرداً إدارياً، ليس إلا امتداداً للنهج ذاته الذي يحكم المشهد السياسي في العراق، حيث لا يُتخذ أي قرار إلا وفقاً لمصالح المتنفذين، وليس وفق مصلحة الشعب.

وإذا كان تمرير القوانين المثيرة للجدل بمثل لمح البصر، قد كشف عن حجم الاستهتار بإرادة الشعب، فإن تمرد المحافظين على قرار المحكمة الاتحادية يفوق ذلك في خطورته، لأنه يهدد كيان الدولة نفسه. فالنواب الذين مرروا القوانين في ثوانٍ لم يكونوا يمثلون الشعب، بل ينفذون إرادة زعمائهم السياسيين. كذلك المحافظون الذين علقوا الدوام لم يفعلوا ذلك دفاعاً عن مصلحة المواطنين، بل لحماية مصالح القوى التي ينتمون إليها.

لقد تحولت المؤسسات التشريعية إلى أدوات طيّعة بيد المتنفذين، حيث يتم ترتيب الصفقات خلف الكواليس، ثم تمريرها تحت قبة مجلس النواب، وكأنها أوامر يجب تنفيذها دون نقاش. ولم يكن تمرير قانون يعفي القتلة أيضا وسارقي المال العام مجرد خطأ تشريعي، بل هو جريمة بحق العدالة، تعكس مدى استخفاف السلطة بمبادئ الإنصاف والمحاسبة.  وكان تشريع هذا القانون قد جرى لصالح بعض القوى التي تدّعي تمثيل السنة، مقابل قانون آخر يمس حقوق النساء ويجردهن من مكتسباتهن القانونية، في صفقة سياسية وضيعة لا تعكس سوى تبادل المصالح بين الأطراف المتنفذة.

أما ممثلو الكرد فلم يبدوا اهتماما بهذين القانونين، وكأن شعبهم لا يتضرر من قانون العفو عن ناهبي المال العام، ولا يعنيهم قانون الأحوال الشخصية، ما دام برلمانهم قد شرّع لهم قانونهم الخاص. فالمهم بالنسبة إليهم هو الحق في استعادة أملاك الأكراد في كركوك، والتي منحها الدكتاتور السابق لمن لا يستحقها.

ان ما نشهده اليوم ليس مجرد أزمة سياسية، انه انهيار لنظام حكم بُني على المحاصصة والفساد والمحسوبية. فتحالفات المال والسياسة أفرزت طغمة فاحشة الثراء، فيما تُرك الشعب يواجه الفقر والبطالة وتردي الخدمات. ولم يعد مجلس النواب معنياً بمعاناة العراقيين، بل تحول إلى أداة لتقاسم الامتيازات والمنافع، والتوافق على الصفقات بين القوى المتنفذة التي فقدت أي ارتباط حقيقي مع الشعب.

إن تصاعد الأزمات المتلاحقة يكشف عن عجز النظام القائم عن البقاء طويلاً، فكل أزمة تضيف وقوداً للغضب الشعبي المتزايد، الذي يمكن ان ينفجر في أية لحظة. حتى لم يعد السؤال عن إمكانية التغيير، بل عن شكله وتوقيته. فالعراق بحاجة إلى نظام سياسي جديد يقوم على تمثيل حقيقي للشعب، والى إعادة بناء الدولة بعيداً عن هيمنة المتنفذين المنشغلين بإصدار العفو عن كبار النهابين واللصوص.

إن استمرار هذا العبث لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى، ولن يكون هناك مخرج سوى التغيير الجذري الذي يعيد السلطة إلى الشعب، ويكسر دائرة الفساد والمحاصصة التي نخرت الدولة وأوصلتها إلى حافة الانهيار.

ولا بد من نهاية لهذه الطغمة التي اختطفت البلاد منذ عقدين، ولا مفر من مواجهة هذا العبث السياسي بموقف شعبي حاسم يعيد التوازن المفقود.

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 05-02-2025     عدد القراء :  27       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced