حراك داخلي وآخر خارجي.. من يقود التغيير في العراق؟
بقلم : حسين النجار
العودة الى صفحة المقالات

شهدت المنطقة تطورات سريعة بعد أحداث السابع من أكتوبر التي سجل فيها الفلسطينيون صوراً من الصمود البطولي أمام العدوان الهمجي للاحتلال الإسرائيلي، الذي سعى إلى تدمير كل شيء، وخطط لتهجير الفلسطينيين، واشتغل لمدة طويلة على تطبيع علاقاته مع عدد من دول المنطقة ورؤسائها.

قبل ذلك، كان هناك تصاعد غير مسبوق في التوترات والحروب بين مختلف دول العالم، أبرزها الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا التي دعمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما تدخلت الصين وإيران وكوريا الشمالية، كلٌ حسب مصلحته وتحالفاته الاستراتيجية، فيما انعكس ذلك على الوضع في المنطقة، خصوصاً ما حدث من مناوشات مع إيران، والتي أثرت بصورة مباشرة وغير مباشرة على العراق والعراقيين.

وفيما استمرت الحرب على غزة لأكثر من عام، وانتقلت الحرب إلى دول عدة في المنطقة، حدث تطور خطير نتج عنه سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بدعم من تركيا، بالتزامن مع استلام رجل الأعمال المتشدد دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو الذي لديه فكرة جديدة لقيام شرق أوسط يختلف عن السابق، يريد فرضه بأشكال مختلفة، يكون تحت هيمنة الولايات المتحدة وبحماية الاحتلال الإسرائيلي، مما زاد القلق في الأوضاع العراقية. وفي هذه الأثناء، يستمر التراجع عن الوعود التي قدمتها الجهات التي تسيطر على زمام الأمر في سوريا، فلا انتخابات قريبة، ولا دستور يكتب بأيدي السوريين جميعاً، وحتى العمل السياسي جرى تقييده بشكل أو بآخر.

أما عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، فإنه أيضاً مصدر قلق، ويمكن أن تعود آلة الحرب في أي لحظة، بسبب تزمت الصهاينة حكام الاحتلال الإسرائيلي بمبدأ توسيع الاحتلال وتهجير الفلسطينيين.

إن التطورات المتسارعة في العالم والمنطقة، ومحاولات ترامب لفرض سياسة "السلام بالقوة"، وسعيه لتغييرات واسعة في التعاملات الاقتصادية، وردود الفعل التي قابلتها، تنذر بقادم أسوأ على الأوضاع العراقية بعد ارتهان القرار السياسي والسيادي إلى الخارج، نتيجة تبعية قوى السلطة والسلاح إليه.

التغيير خارجياً أم داخلياً؟

ومنذ أخذت هذه التطورات انعكاسها على الأوضاع العراقية، صار هناك جدل واسع حول التغيير وأهميته وكيفية حصوله، وهل يمكن أن يحدث من الداخل أو الخارج، ومتى؟ ما هو شكله وطبيعته؟ هل ينتج عن تدخل خارجي عبر الحرب أو نتيجة للعقوبات الاقتصادية؟ كما طرحت أسئلة أخرى عديدة في هذا الصدد، تتفق جميعاً على حدوث التغيير، لكنها تختلف بشكل تام حول أهدافه ونتائجه وأهميته.

فيما سارعت قوى السلطة والسلاح إلى إطلاق تصريحات تقصد التخفيف من هذا القلق، وتحاول لفت النظر إلى أمور بعيدة عن الواقع المزري، ورمي اللوم على قضايا ليست لها أولويات راهنة. وجرى الحديث عن أن الأوضاع السياسية والاقتصادية آخذة بالتطور، وأن نظام الحكم ديمقراطي، وتحدثوا عن عدم إمكانية حصول التغيير على اعتبار أن ما نشهده من عملية سياسية يشترك الجميع في إدارتها. وهذا التبرير أو المنطق يستخدم كل مرة حين يضيق الخناق على هذه القوى التي تشكل الأقلية الماسكة بالسلطة المتحالفة ضد الأكثرية من الشعب العراقي الرامي إلى مستقبل أفضل، وهي إذ تختلف في كل شيء، تتحد حين يهدد أي حراك مستقبل وجودها في السلطة.

لماذا التغيير ضرورة؟

وإذ نتفق على أهمية وضرورة التغيير الذي ينبغي أن يحصل عاجلاً وليس آجلاً، على اعتبار أن هذه القوى فشلت في إدارة زمام الأمور، وجعلت العراق في مصاف الدول المتخلفة في كل شيء بعد اتباعها نهج المحاصصة والفساد ونهب الثروات كأسلوب وحيد في الحكم، لكننا نختلف في طريقته وأهدافه. فنحن لا نريده تغييراً يفرض علينا من الخارج عبر المزيد من الضغوط الاقتصادية أو التدخلات في الشأن السياسي أو الحرب، فقد عانى العراق كثيراً من التغيير الذي حصل بواسطة الاحتلال، وكذلك التدخلات في الشأن العراقي بموافقة وإرادة قوى السلطة والسلاح المنفلت.

ونحن لا نريده تغييراً شكلياً في المنظومة عبر تغييرات سطحية كما يتحدثون في كل مرة، إنما نطرح بديلاً جديداً عن النهج الفاشل وشخوصه. وبالتالي، نحن نريد أن يحصل التغيير بالشكل والمضمون، لذلك تطورت شعاراتنا منذ شباط 2011 وصولاً إلى انتفاضة تشرين 2019، فكان شعارنا الذي لا يزال راهناً "التغيير الشامل".

وحين نتحدث عن التغيير الشامل، فنحن نسعى إلى تحقيقه عبر تحقيق أوسع اصطفاف سياسي - شعبي في شعارات واضحة وبرنامج ورؤيا جديدين تماماً عن الطريقة والأسلوب الذي تحكمنا به قوى السلطة وتحالفاتها غير المبدئية. وأن مسار هذا التغيير واضح وهو يتبلور حالياً بصورة وأخرى، فيما المتبقي هو فقط تحويله إلى فعل سياسي صريح يطرح من خلاله المشروع الشامل للتغيير.

تنامي الحراك الشعبي الاحتجاجي وطبيعته

يخرج المتظاهرون إلى الشارع بشكل يومي، وهم يطالبون بالحقوق وفرص العمل ومكافحة الفساد وتقديم الخدمات الاجتماعية المختلفة. وهذا الفعل لم يتوقف، حتى مع انتهاء انتفاضة تشرين التي اندلعت في 2019 ونتج عنها استقالة الحكومة وقبول الأحزاب السياسية المتحالفة بإجراء انتخابات مبكرة. وفي الانتفاضة، تشكلت عدة أحزاب (أطلق عليها الأحزاب الناشئة) داخل الاعتصامات التي استمرت عاماً كاملاً (2019-2020)، فضلاً عن رفض واسع للقوى السياسية الكبيرة والتقليدية.

لكن ما هي الأسباب التي جعلت المتظاهرين يخرجون للساحات بشكل يومي؟ إن من أبرز أسباب خروج التظاهرات اليومية يكمن في طبيعة منهج وآليات حكم إدارة الدولة، وتفشي الفساد وتفاقم المشكلات الاقتصادية. كما لعبت التدخلات الأجنبية وتغييب إرادة العراقيين واستقلالية القرار الوطني وانفلات السلاح وتسلط المليشيات دوراً مهماً في غضب المواطنين.

وحين صارت المحاصصة أهم المصادر في القرار السياسي التشريعي والتنفيذي، تحولت الديمقراطية إلى شيء هامشي. فحتى الانتخابات، وإن اعتبرت أحد أهم أشكال الصراع السياسي، فهي تحولت إلى وسيلة يستخدمها المتنفذون المتحاصصون للبقاء في السلطة، ما بات يشكل تهديداً مباشراً للدولة المدنية الديمقراطية. ولذلك، لغياب تطبيق قانون الأحزاب وتأجيج الصراع الطائفي من قبل الأحزاب المتنفذة التي لم نشهد أي مواجهة عنيفة بينها على أساس اختلافها الأيديولوجي أو الطائفي، إنما الخلافات كانت تنحصر على أساس التمثيل والحصول على المكاسب.

وإذ لم يبق الخلاف بين هذه القوى (كما تدعي) طائفياً، بل تحول إلى صراع للحصول على المغانم، أصبح واضحاً أكثر فأكثر أنه ليس "طائفياً" بل صراع اجتماعي – اقتصادي بين أقلية استولت على السلطة وأكثرية تعاني من البؤس والحرمان، والأخيرة التي تظهر في الساحات بشكل يومي.

ونتناول هنا بشكل مقتضب أرقاماً عن الفعاليات الاحتجاجية التي خرجت في العراق منذ 2003: نظمت الجماهير المحتجة منذ 2003-2011 أكثر من 309 فعالية احتجاجية من بينها 263 تظاهرة، 40 اعتصاماً، 6 إضرابات في عموم المحافظات. كما خرج في 2011 أكثر من 186 فعالية احتجاجية من بينها 172 تظاهرة و12 اعتصاماً. أما في عام 2015، خرج أكثر من 381 فعالية احتجاجية بواقع 350 تظاهرة و12 وقفة احتجاجية و15 اعتصاماً و4 إضرابات عن العمل. وفي المدة التي تلت الانتفاضة، خرجت في 2021 أكثر من 708 تظاهرة و138 وقفة احتجاجية و68 اعتصاماً و34 إضراباً عن العمل و20 مسيرة احتجاجية، بمجموع 968 فعالية احتجاجية. وفي 2022، نظم ما يزيد على 996 فعالية احتجاجية متنوعة الأشكال والمطالب والأساليب الاحتجاجية. أما في 2023، فإنه حتى شهر حزيران، نظم أكثر من 541 فعالية احتجاجية متنوعة. الأرقام أعلاه موثقة من أخبار الاحتجاجات المنشورة في "طريق الشعب".

أما إذا تطرقنا إلى العام المنصرم 2024، فلم تصدر "طريق الشعب" يوماً وليس فيها تقرير عن ما يقارب 5-6 فعاليات احتجاجية متنوعة.

نلاحظ في الأرقام أعلاه تزايد أعداد الاحتجاجات وتنوعها، لكنها بقيت في غالب الأحيان، عدا مرات قليلة، تظاهرات مطلبية خاصة، جمعت مطالبها بين توفير فرص العمل والخدمات. وهنا يأتي السؤال الأهم في ذلك: ماذا نتج عن هذا الفعل الاحتجاجي الواسع؟ ومتى تتحول إلى فعل سياسي واسع؟ وما المنتظر من القوى المدنية والديمقراطية والأحزاب الناشئة لدعم هذه الفعاليات لتضع خططاً في طريق التغيير؟

خوف المنظومة الحاكمة من الحراك الاحتجاجي

لنتحدث أولاً، بشكل موجز، عن الثورة المضادة التي قامت بها الأحزاب الحاكمة، وكذلك استخدام مختلف الإجراءات العنيفة لقمع واحتواء الحراك الاحتجاجي والعمل على تخريبه وشراء ذمم بعض جماعاته وناشطيه من أجل منع قيام أي احتجاج سياسي واسع مستقبلاً، وكذلك تفتيت أي جهد ثوري، على اعتبار أن ما حصل في 2019 أحدث صدمة كبيرة للحكام، وهي تتأمل عدم قيام أي احتجاج ثوري عما قريب، فإنه في حال حدوثه، سيحقق تغييراً في شكل ومضمون الدولة العراقية.

ففي بداية الأمر، جرت محاصرة جميع الأماكن التي يتجمع فيها الناس للاحتجاج، وجرى تطويق ساحة التحرير، وهي الساحة الأبرز في الاحتجاجات العراقية ببغداد، بوضع عدد من الجنود المدججين بأنواع الأسلحة. كذلك كانت هناك خطة إعمار للساحة، وجرى تغيير شكل الحديقة الخلفية لها، وباتت مكاناً بدون أشجار وارفة الظل.

وفي تلك المدة، شرّع مجلس النواب العراقي قانون انتخابات جديداً مناسباً للقوى الكبيرة، وجرى تأخير إنجاز الانتخابات المبكرة. وعلى إثر ذلك، حققت القوى الكبيرة الحاكمة فوزاً كبيراً، فيما حصلت الأحزاب الشبابية الجديدة مقاعد قليلة وفاز نواب مستقلون. لكن في نهاية الأمر، انتقل عدد كبير منهم إلى حضن قوى الإطار التنسيقي، والذي شكل الحكومة فيما بعد، بعد الاقتتال الدموي الذي حصل مع جمهور التيار الصدري الذي حصل على غالبية المقاعد، لكن نوابه استقالوا لعدم تمكنهم من تشكيل الحكومة. كذلك شهدت تلك المرحلة عدة اعتداءات على إقليم كردستان بعد التحالف الذي حصل مع التيار الصدري ورئيس البرلمان السابق لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، لكن هذا التحالف انحل عقده لاحقاً وتحالفت هذه القوى مع الإطار التنسيقي في إطار تحالف أكبر وهو تحالف إدارة الدولة.

وفور استلام السلطة من قبل الإطار التنسيقي، حاولت القوى السياسية المتحالفة فيه السيطرة على جميع مفاصل الدولة، عبر زج أعضاء هذه الأحزاب والمقربين منها في قيادات الجهاز الإداري للمؤسسات الحكومية. وبعد تمكن هذه القوى من السيطرة على مفاصل الدولة، قاموا بتغيير قانون الانتخابات، ليتمكنوا من خلاله أيضاً السيطرة على المجالس المحلية في عموم العراق.

وبعد أيام من الهدوء الحذر، وحالة الانبهار بما تحقق في تشكيل حكومة السيد محمد شياع السوداني، تمت إقالة رئيس مجلس النواب، ويعيش البرلمان منذ دورته الحالية الخامسة في حالة من التخبط وعدم الاستقرار، مما أدى إلى تعطل تشريع الكثير من القوانين. مع ذلك، فقد استمر العمل داخله بصورة متلكئة، فقامت القوى الطائفية والاثنية بتغيير قانون الأحوال الشخصية، إلى قانون يفصل أحكام الزواج والطلاق والحياة الأسرية على أساس مذهبي – طائفي – ديني، وحصل ذلك مع اعتراضات شعبية وسياسية وبرلمانية معارضة واسعة.

وخلال هذه المدة الانتخابية، شنت القوى الحاكمة سلسلة من الإجراءات التي من شأنها منع الحريات العامة، وأبرزها منع نشاط المنظمات الطلابية في الجامعات، وتقييد عمل منظمات المجتمع المدني ومراقبتها، فضلاً عن حالات قمع شديدة للكثير من الفعاليات الاحتجاجية في العاصمة وغيرها من المحافظات، ومنع الموظفين من الإدلاء برأيهم، ومحاولة تشريع قانون يقيد حق التظاهر السلمي. ويجري التشديد على الجامعات والمدارس والنقابات العمالية والمهنية والنشاطات الفنية، وحتى إغلاق محلات بيع المشروبات الكحولية في بغداد، علماً أن ذلك مقيد جداً في المحافظات الجنوبية. وصدرت قرارات منعت أساتذة القانون من التعبير عن رأيهم في وسائل الإعلام، وجرت محاكمة محامين تحدثوا إلى التلفاز بشأن تغيير قانون الأحوال الشخصية.

كما لم تتمكن الحكومة من حماية الناشطين في مجالات مختلفة، وحدثت عدة عمليات اغتيال دون أن تجري محاسبة من ارتكب جرائم قتل هؤلاء، فضلاً عن الذين سقطوا في موجة احتجاجات تشرين، ولم يجر تعويض أهاليهم.

ما هي آليات ووسائل إحداث التغيير؟

أولاً: الآليات الديمقراطية

ما الذي يمكن أن تفعله القوى التي ترفع شعار التغيير فعلاً وممارسة؟ وما هي مهام القوى الوطنية والمدنية الديمقراطية في هذه الظروف؟ وسط هذه الفوضى والهيمنة السياسية من قبل الأقلية الحاكمة، مقابل أغلبية ساحقة تعاني من صعوبات معيشية صعبة، وانتشار ظاهرة سرقة أموال الدولة بشكل كبير جداً بدون مراقبة أو حساب، وسوء الوضع الاقتصادي والأمني والخدمي والصحي والتعليمي والمعيشي.

على الأحزاب المدنية والديمقراطية والقوى الناشئة أن تظهر نفسها على أنها البديل الحقيقي للقوى الحاكمة. إذ حصل بالفعل التفاف واسع حول هذه الأحزاب المدنية والقوى السياسية الجديدة والمستقلين، بحصولهم متفرقين على أكثرية الأصوات في الانتخابات النيابية الأخيرة، وسط المقاطعة والعزوف الواسعين. لكنها لم تحصل في النهاية على تمثيل لائق بسبب عدم تكتل هذه القوى في مشروع تحالف سياسي انتخابي مدني واسع. وبعدها تعمل على كسر نمطية تشكيل الحكومات بالتوافق التام بين جميع الفرقاء السياسيين دون وجود معارضة برلمانية – شعبية معينة، آخذين بنظر الاعتبار الصعوبات التي قد تواجه تشكيل مثل هذا التحالف الواسع، رغم أن المؤشرات تدل على أهميته.

في المقابل، ينبغي طرح هذا السؤال: هل انتبهت القوى الحاكمة لاحتمال توحيد القوى التي ترفع شعار التغيير، ونتيجة لذلك اتبعت قوى المحاصصة أسلوباً جديداً شتتت فيه المنافسة بينها وبين القوى المدنية؟ فجرى تشكيل 89 حزباً جديداً خلال المدة من تشرين الأول 2019 إلى تشرين الأول 2024، فيما مجموع الأحزاب المسجلة حتى الآن هي 299 حزباً. فكيف تحصل الغالبية العظمى من هذه الأحزاب على المال، والمقرات، والدعاية الانتخابية؟

تبين المؤشرات أن قوى السلطة لديها يد في تأسيس وتشكيل عدد كبير من الأحزاب الجديدة تحت مسميات مختلفة، ويهدف ذلك إلى كسب ولاء الناشطين السياسيين وشراء أصواتهم. فيما قام عدد منهم بالتجسس على هذه الأحزاب وجرى خرقها وشق صفوفها. أكد ذلك زعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، وكذلك رئيس حزب التيار الاجتماعي الديمقراطي د. علي الرفيعي، فضلاً عن رئيس البرلمان الأسبق سليم الجبوري، جاء ذلك خلال مقابلات خاصة مع الكاتب. فما الذي يحول دون أن تستخدم القوى الراغبة بالتغيير تكتيك التحالف الواسع الذي يحمل مشروعاً واضحاً على اعتبار المؤشرين أعلاه؟ ويفسر البعض عدم حصول هذه القوى على تمثيل مناسب إلى غياب الخطاب السياسي الواضح، وكثرة عدد التحالفات المدنية، فضلاً عن عدم توفر المال الكافي للدعاية الانتخابية. كذلك تعزى الخسارة إلى الاختراق الذي حصل في هذه التحالفات المدنية الكثيرة من قبل قوى السلطة.

نعم، إن عدداً من القوى الديمقراطية المدنية والناشئة تواصل اللقاءات الثنائية، وتبادر في أحيان عدة بغية التفاهم والتواصل. إلا أن فكرة تشكيل التحالف المدني الديمقراطي الواسع لم يجر الاهتمام بها بعد، سوى من قوى التيار الديمقراطي الذي يريد هذا التحالف في سبيل تحقيق أهدافه الاستراتيجية: تغيير شكل ومضمون المنظومة الحاكمة، ويتطلع إلى تحقيق أهداف الانتفاضة التي لم تتحقق، ومنها إجراء انتخابات عادلة، وإقامة دولة مدنية، ومحاسبة الفاسدين، وكذلك كشف ملفات قتل المتظاهرين السلميين.

ومع خسارة القوى المدنية الانتخابات، وغياب الاحتجاجات ذات المطالب السياسية، لكن شيئاً ما تحقق ويمكن البناء عليه. فعلى سبيل المثال، كانت إمكانية تشكيل حكومة أغلبية سياسية في 2021 قريبة جداً بواسطة أغلبية برلمانية (بغض النظر عن التحالفات) مقابل معارضة أقلية. وهذا ما يمكن أن يشكل انتقالة جديدة في مسار السياسة في العراق، إذ أن جميع الحكومات تتشكل بالتوافق السياسي – الطائفي – القومي، مما يغيب فرصة وجود معارضة سياسية حقيقية، وهو أحد أسباب انتشار الفساد وحدوث الانهيارات الأمنية وسوء الأوضاع المعيشية.

لم يكن القادة السياسيون الحاكمون يفكرون في تشكيل الحكومة على أساس الأغلبية والأقلية، لولا هذا الضغط الجماهيري والفوز المهم الذي حصل لعدد كبير من النواب المستقلين وحركة امتداد (حزب ناشئ) من ضمنهم. مع الإشارة إلى أن عدداً منهم انضم إلى قوى السلطة لاحقاً بسبب المغريات وغيرها. ولم يكن ممكناً أن يحدث هذا التشتت في صفوف قوى السلطة الحاكمة، لولا هذه الانتفاضة التي تحول ناشطوها إلى العمل السياسي لاحقاً. لذا تتخوف السلطة من أي نشاط احتجاجي يمكن أن يحدث مستقبلاً.

وفي هذه الحالة، فإن الأحزاب والقوى المدنية والديمقراطية والناشئة بانتظار جولة جديدة من العمل السياسي – الجماهيري، في سبيل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنة التي تصون حقوق الإنسان وتطبق مبادئ العدالة الاجتماعية. مما يستدعي اهتمام هذه القوى بالحراك الاجتماعي والفعاليات الاحتجاجية وتنويعها وتعزيز مطالبها السياسية الرامية إلى التغيير، وذلك في اختيار الشعارات المناسبة والأساليب الكفيلة بتحقيق الأهداف المرجوة، حتى تتحول إلى فعل سياسي شبيه بانتفاضة تشرين. بل هناك الحاجة إلى قيام فعل أوسع من الانتفاضة بقيادة ثورية قادرة على فرض شعار التغيير شكلاً ومضموناً.

كما تبرز الحاجة إلى تقوية تنظيم هذه القوى المدنية والديمقراطية، وإيجاد المشتركات بينها. ومن الضروري أن تدرس هذه الأحزاب فكرة تشكيل تحالف متين بينها مع مختلف القوى السياسية الأخرى المعارضة للسلطة التي ترفع شعار التغيير (بغض النظر عن الاختلافات العميقة بين هذه القوى – فالمصلحة واحدة)، ووضع هدف الوصول إليها (السلطة) أمام نصب أعينهم. ويأتي ذلك من خلال اتباع أسلوب المشاركة في الانتخابات وفق برنامج متكامل متفق عليه، من أهمية الخوض في جميع الإشكاليات التي تحول دون توحيد الجهود وتذليل العقبات ووضع هدف كسر منظومة المحاصصة والوصول إلى السلطة رهن هذه اللقاءات والتفاهمات. مع ذلك، في ذات الوقت، لا ينبغي عدم التفكير بتطوير الاحتجاجات السلمية ذات المطالب السياسية التي هي إحدى مفاتيح الانتهاء من نظام المحاصصة البائس وانتقال السلطة إلى قوى جديدة تسهم في بناء العراق وفق سياقات حديثة.

ثانياً: الحراك والضغط الجماهيري ومهامه

تتوسع دائرة الحراك الشعبي وتخرج التظاهرات الشعبية بشكل يومي، لكنها لا تحمل شعارات سياسية واضحة وليس هناك من مشروع سياسي لديها، ما يبقيها في دائرة التضييق والملاحقة تارة، والاستجابة الطفيفة تارة أخرى. وتستخدم أساليب مختلفة للالتفاف عليها. ومع سيطرة كاملة لمنظومة حكم المحاصصة على السلطة ومقدراتها، لا يمكن لهذا الحراك أن يحقق أهدافه المرحلية أو الانتقال إلى الهدف المنشود في التغيير، ما لم تكن هناك مساعٍ من قبل النخب الاجتماعية والثقافية والنقابية وكذلك الجهات حاملة مشروع التغيير من التصدي لهذه التحركات والدفاع عن مطالبها وتثميرها لصالح المشروع.

ومن مهام هذه الفعاليات المختلفة أن تتوحد كذلك في إطارات تنسيقية وفق رؤية محددة موحدة بغية زيادة الضغط، وأيضاً يكون لها موقفاً من المنظومة السياسية التي هي السبب في ما حصل لهم من مشاكل وأزمات.

كما ينبغي على هذه الفعاليات أن ترتقي في مستوى الفعاليات الاحتجاجية التي تمارسها، وأن لا تتراجع عن الاحتجاج حتى نيل حقوقها المسلوبة.

إن طريق التغيير الذي نرجوه ليس يسيراً وسهلاً، نظراً لما تملكه القوى التي نعارضها من إمكانيات كبيرة من مال وسلاح ومنظومة إعلامية مسيطرة، ولأنها تمكنت من بسط نفوذها بالسلطة. لكنها مع ذلك ليس لديها قدرات كبيرة في المجال الجماهيري، فمقاطعة 80 في المائة من الشعب العراقي للانتخابات الماضية كذلك انتفاضة تشرين والاحتجاجات المستمرة دليل على حجم السخط الشعبي من حكم منظومة المحاصصة والسلاح، ما يتوجب استثمار ذلك لتغيير موازين القوى لصالح مشروع التغيير الشامل.

طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  11-02-2025     عدد القراء :  108       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced