تقييم تجربة مجالس المحافظات
بقلم : عبد الجبار نوري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لمن نصوت؟! والسؤال يفرض نفسهُ للبحث عن المرشح المؤهل بثقة ثقافة المواطنة المرتبطة مشيمياً (بالولاء) للوطن الحبيب العراق ولتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية ولمجابهة رهانات وتحديات المستقبل يجب علينا الأدراك والوعي بالزوايا الرخوة في السوسيولوجية الاجتماعية العراقية حينها استذكرت الاستعانة  بحيثيات وأدبيات بعض الشخصيات البارزة في علم الاجتماع السوسيولوجي الجمعي والسايكولوجي النفسي والمؤرخين المتميزين المنصفين ، بأخبارنا بانطباعاتهم ورأيهم بالمجتمع العراقي ، فرستْ قناعتي  على عالمين بارزين أمثال الدكتور علي الوردي وشيخ المؤرخين الدكتور عبدالرزاق الحسني  وسوف أحتكم لديهما كقضاة ثقة عن الشروخات التاريخية في شخصنة الفرد العراقي سوف لا أفرض عليها العمومية  بيد أنها واقعية ملموسة لدى البعض واعتمدتها  لكونها(رافعة) أساسية لدى الناخب العراقي النقي من تلك الشروخات ، وللأسف الشديد تشوهت القيمية الأخلاقية وموازينها العادلة في مجلس الحكم البريمري بعد 2003 الذي تشتت فيه معنى الأنسنة وأتجه المجتمعون وبأنانية مفرطة في تقسيم الكعكة وتخرجت من مدرستها طلاب سلطة لا طلاب دولة كأعضاء البرلمان وأعضاء مجالس المحافظات أذا لنطلع على (أرخنة )  الشروخات الأنثروبولوجية للشخصنة الجمعية للمجتمع العراقي :

الدكتور علي الوردي عالم اجتماع عراقي ومؤرخ عقلاني معتدل في كتاباته حرارة وصدق وواقعية وعفوية وبساطة مع الوردي يمكننا أن ننظر بعيني زرقاء اليمامة الثاقبة إلى طبيعة المجتمع العراقي بدون أقنعة { المجتمع العراقي غارق بالازدواجية والتناشز الاجتماعي وصراع البداوة والحضارة وظاهرة التشيع والتسنن والتصوف وظهور وعاظ السلاطين } كتاب دراسة طبيعة المجتمع العراقي للدكتور علي الوردي .

الدكتور عبد الرزاق الحسني شيخ المؤرخين 1903 – 1997 فهو شخصية وطنية وموسوعة علمية، يمتاز الحسني بخصال فريدة يندر أن تجتمع في غيره من المؤرخين: {المجتمع العراقي غارق بالغوغاء واللصوصية ونزعات جرمية وتخريبية} كتاب تأريخ الأحزاب السياسية منذ عام 1908 – حتى ثورة 14 تموز المجيدة 1958 للدكتور عبد الرزاق الحسني.

وبالمناسبة أنقل لكم حكاية مثيرة عن سمعة المجتمع العراقي يقول : والكلام للسيد الحسني ---- وحين رُشح الأمير فيصل لعرش العراق ينصحهُ والدهُ الشريف الحسين قال لفيصل : يا ولدي هذا العراق لا يؤتمن لقد غُرر بعمك الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام دعوه ثُم قتلوه فأذهب أليها وحدك - واليوم شواهد على ما سيحدث فيما بعد - ، ثم يضيف الملك فيصل الأول في 1933 عندما عايش العراقيين كتب في مذكراته بقلم المؤرخ الحسني ما يلي : { لا يوجد في العراق شعب بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أية فكرة وطنية ، متشبعين بتقاليد وأباطيل لا تجمع بينهم جامعة سماعون للسوء ميالون للفوضى مستعدون دائما للانتفاض على أية حكومة كانت (عبد الرزاق الحسني تأريخ العراق السياسي ج -الأول ص 12.

وقرأتُ للأديب والباحث " أبراهيم العلاف " في إحدى يومياتهِ على صفحته التواصل في هذا المضمار وهو ينقل رأي الشاعر الكبير " عدنان الصايغ”: إن نصف تأريخ العراق طغاة”!!

نعم هكذا التاريخ ينبئنا بأن العراق لا يحكمهُ إلا الرأس والرأس ظالم ومستبد في كثير من الأحيان أسمعوا ما قال الشاعر العراقي الكبير" موفق محمد " بهذا الخصوص {--- قال لي شيخ عاصر خمسة حكومات وطنية عادت بالبلد إلى ما وراء تل حسونة!!

إن العراقيين لا يشبعون من الظلم فإذا أصيبوا بالتخمة من ظالم استبدلوه بظالم أعتى على مر العصور، فالعراقيون صانعو طغاة من الطراز الأول – لابد من صنم نموت دونهُ ونسبق الأمم، هم يبدعون في صنع طغاتهم (ولكنهم يحصدون الذهب في كنسهم)!؟

أن ما ورد في لوائح حقوق الأنسان أن " مصدر السلطة هو الشعب " الملاحظ باستغراب أن جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق لم تتجاهل أية مظاهرة حين كان الشارع العراقي ملك الحراك الشعبي في حقبة العهد الملكي في تغيير الحكومات ، عكس حكومات ما بعد 2003 أنها تتجاهل صوت الشعب في مطالبه المشروعة ، وهم والحال كما قال أحمد شوقي ( ورُب مستمعٍ والقلبُ في صممِ)، المتظاهرون في بدأ حراكهم الشعبي منذ 2011 بشعارات وطنية وبمطالب عدة ، منها ألغاء مجالس المحافظات ، هي مطالب جاءت نتيجة فشل هذه المجالس تحقيق الأهداف المرجوة منها بموجب قانون رقم 21 / 2008 وأصل هذا القانون يرجع إلى القانون رقم 71 /لسنة 2004 الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة ومرورا بالدستور لسنة 2005 ظهر قانون مجالس المحافظات الغير منتظمة بإقليم المشار أليها أعلاه ، وعلى ما أرى في الخارطة السياسية أن هناك توجهاً لجعل مجالس المحافظات " أبدية " في إشارة إلى تأجيل الانتخابات المحلية لتجديد تلك المجالس .

وبسبب المركزية المفرطة لحكومات ما قبل 2003 وما نتج عن هذه المركزية من إشكالات متعددة دفعت القوى السياسية بأغلب انتماءاتها أن تأخذ بمبدأ اللامركزية بيد آن القوى السياسية لم تجيد اللعبة حيث العشوائية والتخبط النفعي اتجهت إلى الفيدرالية والتي رحب بها الأكراد وحسب واقع الحال أصبحت كردستان " أصغر من دولة وأكبر من إقليم " وقد قبلنا بمبدأ الفيدرالية ورحبنا بها لكونها جزأ متمم للديمقراطية ولكن أن يذهب الموضوع أبعد حيث مطالبة سكان الغربية والبصرة بالأقلمة وهي الكارثة الكبرى بدعوات فوبيا تقسيم الوطن وكان  (عرابها ) سفير الولايات المتحدة الأفغاني الأصل زلماي خليل زاده والذي دعا إلى تجزئة الوطن العزيز إلى ثلاث مناطق متناحرة

عند تقييم تجربة مجالس المحافظات الغير منتظمة بإقليم أجزم فشلها الذريع في تقديم الخدمات الأساسية والتنمية الشاملة للمجتمع المحلي الذي أنتخبها ضمن تطبيقها للنظام اللامركزي في السياسة والإدارة ، والسبب لهذا النكوص ربما  يرجع إلى حداثة التجربة الإدارية في البلاد التي لم تكن موجودة بهذا الشكل الديمقراطي الجديد ، وأيضاً لكثرة الأزمات السياسية والأمنية التي يمر بها العراق منذ 2003 ولمرور 15 عاما ، وحسب متابعتي لأبجديات سير الأحداث السياسية أرى خيبة هذه المجالس لذا أطرح على المستوى الشخصي  : أفضل ألغاء مجالس المحافظات والاكتفاء بمنح الصلاحيات للمحافظ ونوابهُ على أن يكونوا تحت أشراف مجلس النواب الاتحادي ومراقبته ولآن في مجلس النواب أتجاه عام بإلغاء عمل المجالس المحلية والاكتفاء بحكومة تنفيذية مع رقابة البرلمان الاتحادي عليها ، لذا أصبحت موجة الإلغاء في الشارع وعلى مستوى الأعلام العراقي لعوامل النكوص التالية :

-هذه المجالس تابعة أصلا وفصلا لذات الأحزاب الحاكمة في الحكومة الاتحادية ، وتلك المجالس عكست أمراضها في التبعية لأجندات خارجية متعكزة على المذهبية الضيقة والمحاصصة اللئيمة والشوفينية المقيتة وحتى المناطقية المتطرفة والتي انحدرت لقاع الطائفية الدينية والحزبية الضيقة والعشائرية الجاهلة ، وقد ساهمت تلك المجالس بتأخير المحافظات عقوداً من الزمن نتيجة كسل وخيبة أعضائها ، مع عدم قدرتها على أنجاز التنمية المنتظرة في شتى المجالات لتعارض صلاحياتها مع السلطات الاتحادية ، ومن أحدى مظاهر الخيبة لهذه المجالس المتردية والنطيحة ما شاهدناه في مجلس محافظة بغداد من احتدام وصراع على المنصب بين الفرقاء من البيت الشيعي ، وضع مأساوي وكأن بغداد تنتظر صراع الأخوة الأعداء في معركة لا تنفصل عن كونها معركة شخصية غير سياسية أوسع نطاقا وأبعد مدى لاعبها الرئيسي معسكر الأحزاب والميليشيات الموالية لأجندات إقليمية .

- أن وجودها القانوني قد أنتهى في ديسمبر (كانون الأول) الحالي في تحديد مفوضية الانتخابات ورئاسة الوزراء موعد الانتخابات في ديسمبر 2025 وهذا يعني وجودها غير قانوني

- أن هذه المجالس باتت موطئ قدم للفساد والصفقات السياسية المشبوهة، أن معظم المشاريع في المحافظات وزعت كغنائم بين تلك المجالس وبين الحكومات التنفيذية المحلية التي تمثل المراقبة والتشريع، وبالتأكيد أن العيوب والمساوئ التي تعاني منها الحكومة المركزية تجدها جلية وبقوة في مجالس المحافظات لا بل نسبة الفساد في الحكومات المحلية أعلى منه في الحكومة المركزية.

- رواتب ومخصصات 447 عضو في مجالس المحافظات والتي تصل إلى الملياري دينار في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم والعجز في الميزانية وتراكمات الديون الخارجية بوضع لا يحسد عليه البلد نجد أن أعضاء المجالس والبالغين 447 عضو يستلمون شهرياً ثلاثة ملايين لكل عضو حيث أن المجموع الكلي يصل إلى مليار ونصف شهريا ، وخُصص لهم نصف مليون للضيافة ( شاي وماء ) ، ونصف مليون آخر لوقود السيارتين المخصصة لكل عضو ، فضلا عن وضع 20 جندي للحماية رواتبهم تصل إلى 20 مليون دينار شهريا ، وأن رواتب المتقاعدين منهم ولثلاث دورات يستلمون مليونين و800 ألف دينار شهريا ، علما أنها لا زالت مستمرة ، ان المجموع الكلي يصل إلي ملياري دينار ، وهذه الأرقام الخيالية ما هي ألا تحذير للحكومة المركزية من مغبة تعرض العراق إلى إفلاس وشيك وسط دعوات لاستثمار قطاعي الزراعة والصناعة ومشاريع أنمائية التي قد تعالج العجز الكبير في ميزانية المدفوعات ( سكاي بريس / تقرير)، وبتأريخ 21 -12 -2018 ورد تقرير لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكية عن العراق : العراق مفلس تقريبا ، يواجه أزمات اقتصادية خانقة ولديه حكومة من أكثر الحكومات فسادا في العالم ، ويخطئ من يعتقد أن بالإمكان أنفاذ العراق مما يعانيه بمشاريع فجة ساذجة شخصية نفعية --- وهنا يقصد بالإشارة إلى أصحاب المشاريع الساذجة والمتهافتة الإصلاحية وتوفيقية مثل مشروع الشيخ جمال الضاري ( مشروعه الوطني ) والدكتور أياد علاوي ( المصالحة الوطنية ) والسيد عمار الحكيم ( التسوية السياسية) وخميس الخنجر( المشروع العربي ) والصدر ( سائرون ) والدكتور حيدر العبادي  (الأصلاح ) وهادي العامري ( البناء ) ، وبالتالي  هي معركة حول منصب المحافظ ي واقع الحال يفرض علينا أن نؤمن بأن ليس لدينا دولة عميقة وحتى شبه دولة بل طلاب سلطة حولوا العراق لجسدٍ مصاب بالشيخوخة والتكلس الحزبي ، وكما قال المهاتما غاندي : ( كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن ) .

كاتب وباحث عراقي مغترب

أبريل نيسان 2025

  كتب بتأريخ :  الجمعة 11-04-2025     عدد القراء :  600       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced