تعد الأمم المتحدة تغير المناخ من القضايا الحاسمة في عصرنا، وان العالم اليوم أمام لحظة حاسمة. فالآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق، ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم والمخاطر والخسائر الناجمة عن تغير أنماط الطقس، التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية. وإن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومكلفا في المستقبل إذا لم يتم القيام بإتخاذ إجراءات جذرية فورية.وتؤكد ذلك تطورات الأحداث ذات العلاقة والأبحاث والدراسات العلمية الرصينة.
أحدث تقرير دولي
أكد تقرير أممي جديد، نُشر في اّذار 2025، أن تغير المناخ قد بلغ مستويات غير مسبوقة في عام 2024، وأن بعض عواقب هذه الكارثة التي سببها الإنسان ستكون لا رجعة فيها على مدى مئات إن لم يكن آلاف السنين، حتى لو عاد العالم إلى المسار الصحيح بشكل فوري.
وخلص تقرير حالة المناخ العالمي، الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، إلى أن عام 2024 كان أول عام تقويمي تتجاوز فيه درجة حرارة سطح الأرض 1.5 درجة مئوية عن معدل ما قبل الصناعة، مما يجعله العام الأكثر دفئا في سجل الرصد الذي يمتد لـ 175 عاما.
ووفقا للتقرير، فإن درجات الحرارة العالمية القياسية التي سُجلت عام 2023 - وتحطمت عام 2024 - ترجع بشكل رئيسي إلى الارتفاع المستمر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلى جانب التحول من ظاهرة (النينيا) الباردة إلى ظاهرة (النينيو) الدافئة. ووجد التقرير أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بلغ أعلى مستوياته في الـ 800 عام الماضية.وأن كل سنة من السنوات العشر الماضية كانت على حدة بين أكثر عشر سنوات دفئا على الإطلاق، وكل سنة من السنوات الثماني الماضية سجلت رقما قياسيا جديدا لحرارة المحيطات. وأن معدل ارتفاع مستوى سطح البحر قد تضاعف منذ بدء القياسات بالأقمار الصناعية.
وتشير توقعات المناخ إلى أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات سيستمر حتى نهاية القرن الحادي والعشرين ،على الأقل، حتى في ظل سيناريوهات انبعاثات الكربون المنخفضة.
وأظهر التقرير ان عام 2024، هو العام الأكثر حرارة على الإطلاق، وشهد حدوث سلسلة من الظواهر الجوية القاسية، التي أودت بحياة الكثيرين، وسببت الدمار في العديد من البلدان، وأدت إلى نزوح أكثر من 800 ألف شخص. وهو أعلى رقم سنوي منذ بدء تسجيل البيانات عام 2008.
وسرد التقرير 151 ظاهرة مناخية " قاسية غير مسبوقة" حدثت في عام 2024، إذ تسببت موجات الحر في اليابان في إصابة الآلاف بضربات شمس. وبلغت درجات الحرارة المرتفعة خلال موجات الحر ذروتها عند 49.9 درجة مئوية في كارنارفون بغرب أستراليا، و49.7 درجة مئوية في مدينة تاباس بإيران، و48.5 درجة مئوية في موجة حر في مالي، وهي أرقام غير مسبوقة (بينما تجاوزت الـ 50 في العراق ودول الخليج وإيران-الكاتب.).
وأدت الأمطار القياسية في إسبانيا وإيطاليا إلى حدوث فيضانات وانهيارات أرضية وانقطاعات للكهرباء، كما دمرت السيول آلاف المنازل في السنغال، وتسببت الفيضانات في تايلند وماليزيا وباكستان والبرازيل في خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية.
وقد تفاقمت العواصف بفعل الاحتباس الحراري العالمي ، إذ ضربت الفلبين 6 أعاصير غير مسبوقة في أقل من شهر. وكان إعصار "هيلين" الأقوى على الإطلاق الذي ضرب منطقة بيغ بند بولاية فلوريدا الأميركية، بينما ضرب إعصار "ياغي" فيتنام، مما أثر على 3.6 ملايين نسمة. وقد تكون هناك أحداث أخرى غير مسبوقة كثيرة قد مرت دون أن تُسجل.
وأفاد التقرير بأنه ولأول مرة سُجلت أعلى 10 سنوات حرارة على الإطلاق خلال العقد الماضي،مع استمرار انبعاثات الكربون العالمية في الارتفاع، مما سيؤدي إلى آثار أسوأ في المستقبل.
وكانت الأبحاث السابقة،التي حددت دور أزمة المناخ في الكوارث غير الطبيعية، قد أظهرت أن ما لا يقل عن 550 موجة حر وفيضانات وعواصف وجفاف وحرائق غابات أصبحت أكثر شدة أو أكثر تواترا بسبب الاحتباس الحراري العالمي.
رداً على موقف ترامب
جاء التقرير الجديد في ظل انتقادات لإدارة الرئيس ترامب الذي قرر انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ واتفاقيات أخرى لها علاقة بالبيئة، كما شجع على زيادة إنتاج الوقد الأحفوري، وطرد 1300 موظف من الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، إحدى أبرز هيئات مراقبة الطقس والمناخ في العالم، ويواجه ألف موظف أيضا خطر الطرد، وهو ما ستكون له آثاره على العمل المناخي العالمي.
إستند التقرير، كالعادة، إلى مساهمات علمية من المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، ومراكز المناخ الإقليمية التابعة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وشركاء الأمم المتحدة، وعشرات الخبراء.
وأكد الدكتور لوك بارسونز، من (منظمة حماية الطبيعة): "في كل عام، نتعمق أكثر في عالم لم نكتشفه من قبل، وعام 2024 العام الأكثر حرارة الذي شهده المجتمع البشري الحديث على الإطلاق. ومع ذلك، من المتوقع أن يكون العقد القادم أشد حرارة، مما يدفعنا إلى مزيد من هذا المناخ غير المسبوق".
وأفاد البروفيسور ستيفان رامستورف من (معهد بوتسدام للمناخ في ألمانيا): " إن الاحتباس الحراري العالمي يستمر بلا هوادة، تماما كما تنبأت به التوقعات الصحيحة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويعاني ملايين البشر من عواقبه بشكل متزايد". وأضاف "لا يمكننا وقف هذا التوجه نحو الاحتباس الحراري إلا بالتخلي السريع عن الوقود الأحفوري".
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: " يُصدر كوكبنا مزيدا من إشارات الاستغاثة، ويتعين على القادة تكثيف جهودهم مع خطط المناخ الوطنية الجديدة المقرر طرحها هذا العام، والاستفادة من فوائد الطاقة المتجددة الرخيصة والنظيفة لشعوبهم واقتصاداتها".
من ردود الأفعال
حضي التقرير الجديد بتفاعل إيجابي من قبل العديد من المنظمات الدولية. فقد نظمت منظمة «الصندوق العالمي للطبيعة» حملة " ساعة الأرض"، وهي مبادرة عالمية، دعت إلى تحرك عاجل لمواجهة التغير المناخي ووقف فقدان الطبيعة والتنوع البيئي. وتم، إستجابة لمبادرتها،إطفاء الأضواء في أنحاء العالم في المباني الكبيرة والصغيرة، يوم السبت 22/3/2025، في رسالة تضامن رمزية مع كوكب الأرض.
أما منظمة "تغطية المناخ الآن !" (CCnow)وهي منظمة دولية غير حكومية، معنية بالمناخ، تأسست سنة 2019 بالتعاون بين مجلتي "كولومبيا جورناليزم ريفيو" و "ذا نيشن"، وتغطي أكثر من 60 دولة حول العالم، فقد دعت إعلاميي وصحفيي العالم، للمشاركة في أسبوع من التغطية المركزة حول التغيرات المناخية، وذلك في اطار"مشروع 89 بالمائة".
ويهدف هذا المشروع، الذي يمتد على مدى عام كامل، إلى إيصال أصوات الغالبية العظمى من مواطني العالم، والذين تقدر الأبحاث العلمية عددهم بنحو 89 بالمائة من مجموع البشرية، الى الحكومات،مطالبة إياها بإتخاذ إجراءات أكثر واقعية وفورية بشأن التغيرات المناخية.
سينطلق إسبوع التغطية الهادفة في جميع أنحاء العالم يوم 20 نيسان 2025، تزامناً مع "يوم الأرض". ودعت المنظمة الدولية كافة الصحفيين والإعلاميين من جميع أنحاء العالم، للمشاركة في هذه الفعالية الأممية المهمة، دون أي تكلفة مالية أو توجيه تحريري.
وتنوي المنظمة تنفيذ أسبوع ثان خلال شهر تشرين الأول القادم، أي قبل إنعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP30)،الذي سيعقد في مدينة بيليم بالبرازيل في تشرين الثاني 2025.
ويرى المنظمون ان هذه المبادرة بامكانها تحقيق التأثير المطلوب من خلال نشر المقالات في الصحف والمجلات، والتعاون مع غرف الأخبار الأخرى، وعقد اللقاءات مع المتخصصين، والانضمام إلى الفعاليات العامة، ومضاعفة التفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي.