اتحاد الطلبة العام في العراق: تاريخ من النضال والتضحيات من أجل الحرية والديمقراطية
بقلم : سعد كاظم
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في الرابع عشر من نيسان عام 1948، وفي ساحة السباع ببغداد، شهد العراق حدثاً تاريخياً مهماً تمثل في تأسيس أول منظمة طلابية وطنية ديمقراطية - اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق. هذا الحدث لم يكن مجرد تأسيس لتنظيم طلابي فقط، بل كان تعبيراً عن نضال جيل كامل من الطلبة العراقيين الذين أرادوا أن يكون لهم صوت في تحديد مستقبلهم ومستقبل بلدهم.

الخلفية التاريخية لتأسيس الاتحاد

تعود جذور الحركة الطلابية العراقية إلى ما بعد عام 1920، حيث أدى تأسيس المدارس الحديثة إلى ظهور أولى التجمعات الطلابية. في البداية، اقتصر النشاط على الفعاليات الاجتماعية والثقافية والرياضية، ولكن مع تطور الأحداث وزيادة الوعي الوطني، بدأ الطلاب يلعبون دوراً أكثر فاعلية في النضال الوطني ضد السيطرة الاستعمارية.

لعب الطلاب دوراً بارزاً في المظاهرات ضد المعاهدات الجائرة في أعوام 1924 و1927 و1928، وضد اتفاقيات النفط المجحفة. كما ساهموا في الاحتجاجات ضد زيارة الصهيوني ألفرد موند عام 1928 وضد معاهدة عام 1930. وكان للطلبة دور محوري في انتفاضة كانون الثاني 1948 التي أسقطت معاهدة بورتسموث الاستعمارية، حيث قدم الطلبة شهداء مثل جعفر الجواهري (شقيق الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري) وقيس الآلوسي وشمران علوان.

المؤتمر التأسيسي: تحدّي السلطة وإرادة التغيير

في أجواء مشحونة بالحماس الثوري، انعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد في 14 نيسان 1948 في ساحة السباع ببغداد، بحضور 200 مندوب يمثلون 56 مدرسة ومعهداً وكلية من أصل 71 مؤسسة تعليمية كانت قائمة آنذاك. رفضت السلطات السماح بعقد المؤتمر في قاعة مغلقة، فاضطر الطلاب إلى عقده في ساحة السباع تحت حماية العمال الذين أحاطوا بالمؤتمر لحمايته من اعتداءات السلطة.

حضر المؤتمر الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي أنشد قصيدته الشهيرة "يوم الشهيد" التي خلدت شهداء الوثبة، مما أضفى على المؤتمر أجواءً من الحماس والتحدي. تم خلال المؤتمر المصادقة على الميثاق الوطني للاتحاد ونظامه الداخلي، وانتخاب قيادة له، وطلب الانضمام إلى اتحاد الطلاب العالمي.

وتشكلت الهيئة التنفيذية المنبثقة من مؤتمر ساحة السباع من الزملاء التالية اسمائهم :

١.جعفر اللبان - رئيساً للاتحاد، وكان طالباً في المعهد العالي للمعلمين وعمره 21 سنة.

أبو زيد صلال - نائباً للرئيس.

خلوق أمين زكي - سكرتيراً للاتحاد.

عبد الجبار شوكت - أميناً للصندوق.

محمود الجنابي - عضواً في اللجنة التنفيذية.

هادي هاشم - عضواً في اللجنة التنفيذية.

محمد عبد الله رستم - عضواً في اللجنة التنفيذية.

أهداف ومبادئ الاتحاد

رفع الاتحاد منذ تأسيسه شعاره المركزي: "في سبيل حياة طلابية حرة ومستقبل أفضل"، وضم في عضويته كافة الطلبة الراغبين بالعمل الطوعي في صفوفه بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو القومية أو الدينية. وضع المؤتمر التأسيسي برنامجاً طموحاً تضمن:

- تعميم التعليم الإلزامي وجعله مجانياً في كل المراحل.

- توفير الأقسام الداخلية ومستلزمات الدراسة للطلبة.

- فضح الأفكار والمفاهيم الرجعية والاستعمارية.

- محاربة الأمية.

- الدفاع عن الحقوق النقابية والأكاديمية للطلبة الأكراد.

- السعي لتكوين منظمة طلابية خاصة بالطلبة الأكراد.

- التضامن مع نضالات الشعوب العربية.

- المشاركة في تعزيز وحدة الحركة الطلابية العالمية.

وبعد ثورة 14 تموز 1958، اكتسب زخما وبعدا آخر حيث انتقل عمل الاتحاد إلى العلنية، وتم تغيير اسمه إلى "اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية" في المؤتمر الوطني الثاني الذي عقد في 16 شباط 1959 بحضور الزعيم عبد الكريم قاسم والشاعر الجواهري ووزير المعارف ونقيب المعلمين وممثل عن اتحاد الطلاب العالمي.

لعب الاتحاد دوراً بارزاً في الحركة التحررية العربية، وازداد نفوذه عندما استضاف المؤتمر السادس لاتحاد الطلبة العالمي في بغداد عام 1960. كما شغل منصب السكرتير العام للاتحاد العالمي من 1961 إلى 1971، ومنصب نائب الرئيس من 1971 إلى 1977.

تعرض الاتحاد لضربات قاسية بعد انقلاب 8 شباط 1963، حيث اعتقل وقتل العديد من كوادره. ومع ذلك، استمر في العمل السري وحقق انتصاراً كبيراً في انتخابات 1967 حيث فاز بـ 80 بالمائة من أصوات الطلبة، مما دفع النظام إلى إلغاء الانتخابات.

في عهد النظام البعثي (1968-2003)، تعرض الاتحاد لحملة شرسة من القمع، حيث جمد نشاطه واضطر للعمل السري مرة أخرى. اعتقلت السلطات غالبية عناصره وأعدمت الكثير منهم خاصة في أعوام 1981-1984. ومع ذلك، استمر الاتحاد في العمل بشكل سري ومن خلال فروع له في أكثر من ثلاثين بلداً.

إعادة إحياء الاتحاد بعد 2003

بعد سقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان 2003، أعاد الاتحاد نشاطه العلني في جميع المؤسسات التعليمية، وعمل على إقامة حياة طلابية ديمقراطية والدفاع عن حقوق الطلبة الأكاديمية والمعيشية. أصبح الاتحاد عضواً مؤسساً في لجنة التنسيق العليا بين المنظمات الشبابية والطلابية في كردستان.

سعد كاظم

يواجه الاتحاد اليوم تحديات كبيرة تتمثل في القرارات التعسفية الصادرة من وزارتي التربية والتعليم العالي بحظر نشاطه في الجامعات والمعاهد، واستخدام الأساليب البوليسية في ملاحقة كوادره. كما يعاني القطاع التعليمي في العراق من مشاكل كبيرة مثل قلة الأبنية المدرسية، واتساع رقعة المدارس الطينية والكرفانية، وعدم توفر المناهج الدراسية، وشح الكوادر التدريسية.

إرث نضالي مستمر

يمثل اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق إرثاً وطنياً مجيداً للشعب العراقي، حيث شارك الطلبة في كافة النضالات الوطنية ضد الأنظمة الاستبدادية. وعلى الرغم من التضحيات الجسام التي قدمها أعضاؤه من شهداء ومعتقلين ومفصولين، استمر الاتحاد صامداً كمنارة للحرية والديمقراطية.

اليوم، وبعد أكثر من سبعة عقود على تأسيسه، لا يزال الاتحاد يحمل نفس الشعلة التي أضاءها مؤسسوه في ساحة السباع، مؤمناً بأن مستقبل العراق الأفضل يبدأ من مقاعد الدراسة وحياة طلابية حرة وكريمة.

  كتب بتأريخ :  الأحد 13-04-2025     عدد القراء :  60       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced