الاحتجاج المؤجل عن لحظة ما بعد الإنهاك
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

هناك ما هو أعمق من الخيبة، وأشد ثقلاً من الغضب: إنه التعب من كل أشكال الاحتجاج، التي لم تفضِ حتى اليوم إلى تحقيق أهدافها المشروعة.

تعب من نزلوا إلى الشارع مراراً، وآمنوا بجدوى التغيير، ليجدوا أن الطغمة الحاكمة تعود كل مرة بأقنعة أشد وقاحة. تعبٌ من مؤسسات لا تصغي، ومن سلطة عصيّة على الإصلاح، لا تفعل سوى مراكمة الانسداد.

وهو أيضاً تعبٌ من الطرق المسدودة، من الوجوه المتنفذة ذاتها التي تتكرر، من قذارة الفساد المتغوّل، ومن انتخابات تُجرى بلا أي إصلاح جدّي لأسسها، لتبقى مجرد أداة لتدوير السلطة عبر المال السياسي وشراء الذمم وعبر الاستقطابات الطائفية.

هو تعب جماعي متراكم، يتجلّى في تفاصيل الحياة اليومية: في الوجوه التي أرهقها الانتظار، في نبرة الصوت الخافتة، وفي النظرات التي لم تعد تثق بالوعود، ولا تتفاعل مع الخطابات كما كانت.

ليس تعب الجسد فقط، بل إرهاق الوعي، الذي جرّب كل شيء، وواجه كل شيء، ولم يحصد إلا المزيد من التجاهل والاستنزاف.

لكن هذا التعب، رغم قسوته، ليس صمتاً نهائياً، بل هو لحظة مفصلية تستدعي مراجعة واعية، ونقلة في الرؤية نحو "أمل نقدي" لا يُنكر الإرهاق، بل يُعيد توظيفه كطاقة فعل جديدة. وما جرى في 20 نيسان 2025 في واسط، حين قوبلت تظاهرة الفلاحين بخراطيم المياه، ثم عودة المتظاهرين في اليوم التالي إلى حقل الأحدب، دليل ساطع على أن التعب لا يقهر التصميم، بل يعيد تشكيله.

وكما فعل التربويون في الناصرية قبلهم، فإن الرسالة كانت واضحة: القمع لا يُخمد المطالب، بل يختزنها. لكن رغم كل ذلك، التعب لا يعني نهاية الفعل، بل هو ما يفرض إعادة البناء على أسس أصدق، وأوسع شراكة، وأقل ادعاء.

على طغمة الحكم أن تدرك جيداً، أن المراهنة على تعب الناس، واستنزاف طاقتهم، وخنق أصواتهم، هي رهان الخاسر. فالشعوب قد تصبر، وقد تتعب، لكنها لا تنسى، ولا تسامح من يصادر كرامتها وحقها في الحياة.

وحين تنهض الطبقات المنهكة من تحت الرماد، فلن توقفها لا خراطيم المياه ولا تهديدات الطوارئ، ولا جيوش التضليل ولا ترسانة التزوير السياسي، التي يحتمي بها الفاسدون لتجميل افعالهم البشعة.

ان التعب، حين يتصدى له وعينا النقدي، يمكن أن يتحوّل من حالة انكسار إلى طاقة مقاومة  تؤسس لأمل نقدي لا يخدع ولا يُخدع.

قد يبطئ الناس، وقد يلوذون بالصبر مؤقتا، لكنهم حين يتحركون من جديد سيتحركون بوعي أعمق، وبوضوح أشد وإصرار لا ينكسر. وحينئذ لن تُجدي "إصلاحات اللحظة الأخيرة"، ولا توزيع التعيينات لإسكات الغاضبين، ولا خطابات التسويف التي لم تعد تقنع أحداً. إن تعب الناس لا يُختزل في ألم فردي، بل هو تراكم قهرٍ طبقي، وسياسي، وأخلاقي.

وإذا بلغ ذلك مداه، فلن يجد أمامه إلا طريق الانفجار. وحين تحين ساعة الحساب، فلن يجد الفاسدون ملجأً، مهما بلغت سطوتهم، ومهما ظنوا أن ماكنة الحكم تحميهم من غضب المنهكين وهو يغدو هديرا جماعياً.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 23-04-2025     عدد القراء :  45       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced