أغاض مقطع فيديو لمحافظ الكوت السيد محمد جميل المياحي الذي كان يتابع احتراق " الهايبر ماركت الكورنيش " في محافظة الكوت بمن فيه من على شرفة مطلة مباشرة على مسرح المحرقة التي ذهب ضحيتها كما قيل أكثر من 60 شخصاً من مواطنيه رواد المول، الذين التجأوا اليه للترويح عن أنفسهم وقضاء وقتاً ممتعاً مع أحبتهم وأصدقائهم هرباً من الانقطاعات الكهربائية وطلباً للتكييف المنعش، فإذا به يتحول إلى جحيم قاتل ومأساة.
وأكثر ما اثار المواطنين هو جلوس السيد المحافظ وهو يضع رجل على رجل، باسترخاء وراحة تامة، متابعاً المحرقة، ويتحدث إلى مرافقيه بشكل هادئ وغير مبالٍ.
هذه الوضعية في لغة الجسد، حسب التفسير الاجتماعي العراقي، تعبر عن عدم الاحترام والاستخفاف بالآخرين وعدم المبالاة، لما يحدث أمامه، حد التعالي.
لاسيما وان طريقة توجيه كلامه لمن يحيطون به، ومن نبرات صوته الواثقة، اتسمت بعدم اكتراث كبير، ودليل ثقة وشعور عالٍ بالسيطرة وزهو السلطة.
المقطع القصير من هذا الفيديو جسّد عدم شعور عالٍ بالمسؤولية. وقد فندت الحقائق اللاحقة، الكثير مما صرح به السيد المحافظ، بجهله بالترتيبات الخاصة بالبناء، وحمّل الآخرين مسؤولية الفاجعة، ابتداء من صاحب المول الذي ادعى عدم حصوله على الموافقات الرسمية المطلوبة لبناء صرح بخمسة طوابق، مروراً بمرؤوسيه من مسؤولي دوائر المحافظة، عما حدث وعن التقصير في التعامل المهني مع الحريق، بينما تدل الوثائق التي بحوزة صاحب المول، حسب ادعائه، غير ذلك.
وبغض النظر عن طريقة حصول صاحب المول على الموافقات بالرشاوي او بالضغط السياسي وبما تمليه اعراف المحاصصة التي سنّوها، الا أن صاحب المول يؤكد انه وفّر، من جانبه، كل ما مطلوب رسمياً من هذا الجانب.
ما يدعو للاستغراب، أن السيد المحافظ لم يعرف بأمر أكبر صرح استثماري في المحافظة كان يرتفع ويكبر أمام ناظريه… وهو يتجول بجكساراته وحمايته في طرق المدينة، كل يوم خلال سنتين، ولم يخطر بباله، سؤال مرؤوسيه عنه؟!
يجري الحديث، اليوم، بعد أن " وقع الفاس بالراس " عن سحب يد بعض رؤساء الدوائر ونقل بعضهم إلى أماكن عمل أخرى، ولم نسمع عن تقديم أي من المسؤولين عن هذه الكارثة إلى المحاكم،
المواطن بدوره لم يعد يثق بلجان التحقيق الحكومية، وتوصلها إلى الجاني وإدانته. فقد سبق للتحقيقات في حرائق مستشفيات وغرق عبارة الموصل وقاعة عرس في الحمدانية إن قيدت ضد مجهول، حتى أصبحت التحقيقات في أمور خطيرة مثل المسؤولية عن اكتساح داعش لثلث أراضي العراق وعن مجزرة سبايكر والإعدام الميداني لشباب انتفاضة تشرين، والتفريط بالسيادة وبيع خور عبد الله، وقصف الرادارات العراقية وآبار النفط، للتحقيقات، نهاياتها سائبة.
استهانة الحكومات المتعاقبة بحيوات المواطنين والتفريط بمياه وسماء وأراضي العراق وسيادته لصالح دول إقليمية، ضالعة في مخططات اضعاف العراق وإخضاعه، هي سمة نهج الأحزاب الإسلامية الشيعية ومن يتحاصص معها.
تفيد الأخبار عن الأوضاع في مركز محافظة الكوت، أن مواطني المدينة الغاضبين وذوي الضحايا، نصبوا خيام اعتصامات أمام مبنى المحافظة مطالبين باستقالة المحافظ وحاشيته ومسؤولي الدوائر المقصرة لتقديمهم إلى العدالة.
وبغض النظر عن السجالات السياسية بين ميليشيا شبل الزيدي ومجموعة رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حول مآسي سابقة ارتكبها نوري المالكي خلال فترة تسنمه السلطة، والتي سكتوا عنها دهراً، فإن ذلك لن يغيب عن وعي المواطن، بأنها لحرف الأنظار عن مأساة الحريق إلى الصراع الانتخابي على الكعكة.
جلسة السيد محافظ الكوت في شرفته وهو يتابع احتراق المول ذكرني بقصة الامبراطور الروماني نيرون وحفلات الباربكيو والاركيلة التي نظمها الإسرائيليون، وهم يستمتعون بدوي القصف المكثف على رؤوس سكان غزة وبالنيران التي أضاءت الأطلال.
ننصح من يعنيه الأمر:” لا يزال بإمكانك القفز قبل أن يغلي الماء ". (مثل).
لأن " يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم ".