التعليم بين أزمة التلقين وإلحاح الاصلاح
بقلم : د. محمد الربيعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تكشف الارقام الاخيرة الصادرة عن وزارة التربية العراقية عن خلل هيكلي عميق في نظامناالتعليمي، حيث سجل 171 طالبا في الفرع العلمي معدل 100%، بينماحصل1349طالبا على معدل اكثر من 99%. هذه النتائج غير الطبيعية ليست مجرد ارقام، بل تعد مؤشرا صارخا على هيمنة ثقافة الحفظ والتلقين على حساب الفهم والتحليل النقدي، مما ينعكس سلبا على جودة التعليم ومخرجاته.

هذه المعدلات المرتفعة بشكل لافت لا تعكس بالضرورة تميزا حقيقيا في الفهم او الابداع، بل تكشف عن خلل في نظام التقييم الذي يكافئ الحفظ الالي للمعلومات دون اختبار القدرة على التحليل او التطبيق العملي. والنتيجة؟ تعليم ينتج متعلمين سلبيين، يعتمدون على التكرار بدلا من التفكير، ويبرعون في استرجاع المعلومات دون تمكن حقيقي من توظيفها في حل المشكلات او الابتكار.

هذه الظاهرة لا تقتصر اثارها على القطاع التعليمي فحسب، بل تمتد الى سوق العمل والمجتمع ككل، حيث يفتقد الخريجون المهارات الاساسية التي يحتاجهاالعصر، مثل التفكير النقدي، الابداع، والعمل الجماعي. فهل يمكن بناء مستقبل تنموي على اساس تعليم يعتمد على التلقين والحفظ؟ السؤال يبقى مطروحا، والاجابة تتطلب اصلاحا جذريا يبدا من مراجعة المناهج، طرق التدريس، وانظمة التقييم.

كيف يحوّل التلقين الطلاب الى الات استظهار؟

يتجلى الفشل الذريع لمنهج التلقين في كل مناحي حياتنا، بدءا من ضعف الابداع وصولا إلى العجز عن مواكبة العصر. فهل يعقل ان يظل طلابنا غرباء عن مفاهيم مثل العولمة، الثورة الرقمية، او حتى العمل الجماعي والبحث العلمي النزيه؟ الادهى من ذلك، ان الاساليب التعليمية السائدة لا تنتج سوى طلابا سلبيين، يعتمدون على الحفظ الاعمى، ويخضعون للافكار الجاهزة دون تمحيص، مما يجعلهم فريسة سهلة للتلاعب السياسي او الطائفي.

لقد تحولت المناهج الدراسية الى مجرد حشو للمعلومات، دون مراعاة لسن الطلاب او اهداف التعلم الحقيقية. والمدرس، بدوره، لم يعد سوى ناقل للمعرفة، بينما تحول الطالب الى وعاء فارغ يملا بالحقائق (او الخرافات) دون فهم او تحليل. حتى الامتحانات صارت تقيس قدرة الاسترجاع، لا الفهم او الابداع، مما عزز ظاهرة "التفوق الوهمي" القائم على الحفظ المؤقت.

هل الحفظ مرفوض تماما؟

لا ينكر احد اهمية حفظ بعض الاساسيات، كالقوانين العلمية او النصوص الادبية، لكن المشكلة تكمن في جعل الحفظ غاية لا وسيلة. ففي عصر غوغل والذكاء الاصطناعي، لم يعد تخزين المعلومات هو التحدي، بل تحليلها وتوظيفها. فالحاسوب يتفوق على الانسان في الحفظ، لكنه يعجز عن الابداع او النقد، وهنا تكمن قيمة التعليم الحقيقي.

امتحانات بلا معنى عندما يصبح الـ 99% نقمة

يعاني نظام القبول الجامعي من تشوهات كبيرة، حيث تحول الى سباق محموم نحو الدرجات، دون اعتبار للمهارات او الابداع. فكيف يمكن لفرق 1% ان يحدد مستقبل طالب بين الطب والهندسة؟ هذاالنظام يفرز خريجين متشابهين في الحفظ، مختلفين في المواهب، مما يفاقم ازمة البطالة ويضعف سوق العمل.

بديل ممكن يعزز التفكير النقدي

التفكير النقدي ليس ترفا، بل ضرورة لبناء مجتمع قادر على التطور. فهو يعني تحليل الافكار، ومساءلة المسلمات، واتخاذ القرارات بناء على الادلة، لا على التلقين. ولتحقيق ذلك، نحتاج الى:

1. اعادة هيكلة المناهج: بحيث تركز على الفهم بدل الحفظ، وتدمج مهارات مثل التحليل والنقد.

2. تغيير اساليب التقويم: باستبدال الاسئلة النمطية باخرى تحفز الابداع والتحليل.

3. تمكين المعلمين: عبر تدريبهم على اساليب تعليمية تفاعلية، تشجع الحوار والنقاش.

4. تقليل الاعتماد على الامتحانات: بادخال مشاريع عملية وتقويم مستمر.

5. ربط التعليم بسوق العمل: من خلال التركيز على المهارات الحياتية والقدرات الابداعية.

تعليم يبني عقولا، لا يخزن معلومات

الارقام الصادرة عن وزارة التربية ليست مؤشر فخر، بل صفعة تستدعي الصحوة. فالتعليم ليس عملية نقل للمعرفة، بل اشعال لشعلة التفكير. والمسؤولية الان تقع على عاتق القائمين على المنظومة التعليمية لاحداث ثورة حقيقية، تنتقل بالعراق من دوامة التلقين الى فضاء الابداع والتحرر الفكري. فهل نستحق ان نحلم بمستقبل افضل؟ من اصرارنا على التعلم والتطور، ومن قدرتنا على تجاوز التحديات.

  كتب بتأريخ :  الأحد 10-08-2025     عدد القراء :  63       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced