مازالت أزمة الماء المالح في البصرة تعصف وتلقي بظلالها على حياة السكان، والصور التي يلتقطها البعض لسد الموصل ولنهر دجلة في بغداد وديالى والعمارة تزيدهم خوفاً وهلعاً، كذلك هي التقارير الرسمية التي تشير الى أزمة كبيرة بمخزون الماء في سدِّ الموصل وباقي السدود العراقية وكل الحلول المحلية والفدرالية لا تؤمل بحل قريب للأزمة، اللهم إلا ما تجود به دول المنبع، والتي تعاني أيضاً من سنوات جافة بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الكون.
الفنيون المحليون وخبراء الماء يقولون بالضرر الذي يلحق بشط العرب عند إقامة السدِّ عليه، ذلك لأن طبيعة وهيدروليكية الماء تتعارض مع فكرة السدِّ، وربما يكون الامر كذلك، بحسب رأيهم، لكنَّ الحالة العراقية وشط العرب بالذات ليست الوحيدة في العالم، ترى، لماذا لا يستعان بالخبراء الدوليين، المعنيين بمثل حالتنا هذه؟ كما أنَّ أفكاراً كثيرة طرحت منها إنشاء السد الغاطس، وكذلك السدَّ بفتحة ملاحية، تسمح بمرور السفن، وهناك فكرة (الهويس الملاحي) الذي تحدث به البعض والذي يعمل على تصريف الاطلاقات الفائضة عن الحاجة الى البحر في موسم الزيادات المائية، خشية تعرض المدينة الى الغرق.
يقول بعضهم بأنَّ شط العرب سيتحول الى بحيرة ومستنقع في حالة انشاء السد!! لكنهم لم يبحثوا في المعالجات، طيب وإذا كانت أزمة المياه في البلاد قد تكررت منذ العام 2018 وصار المدُّ الملحي زائراً شبه سنوي، وتحول الشط جرائه الى جزءاً من البحر، بل أسوأ من البحر بكثير، بحكم شبكات الصرف الصحي التي تلقى فيه، ومعلوم أن البصرة باتت مكب مجاري العراق كله من الموصل الى الفاو، بسبب عدم وجود شبكات صرف صحي تعمل على تدوير ومعالجة المياه الثقيلة والخفيفة، ترى ما المانع من حجب الماء المالح عن دخوله، ومن ثم الاحتفاظ بالاطلاقات الشحيحة التي تصله من دجلة والفرات والكارون. الآن المشكلة مضاعفة ماء مالح زائد ماء مجاري ونفايات.
يا سادتي الحل ليس صعباً أو مستحيلاً إذا ما قامت الحكومة الفدرالية بتأسيس شبكة صرف صحي عملاقة تبدأ من الموصل وتنتهي في البصرة، وتمنع البلديات بقانون قاطع جعل أنابيب الصرف على الأنهار- كانت الحكومة العثمانية تجرّم أصحاب الابلام والمهيلات الراسية عند مدخل نهر العشار من التبول والتبرز في النهر- وهذه لا تتعلق بشط العرب إنما تخص البيئة في عموم العراق، من غير المعقول بقاء البصرة كمكب لتصريف مياه حمامات ومراحيض العراق. حجب المياه هذه عن شط العرب أولى الخطوات التي ننقذ بها إطلاقات المياه القليلة التي تصل البصرة، ثم إنشاء السدِّ بمواصفات عالمية لا تؤثر على الملاحة فيه، عند نهاية حدود الشط مع إيران،حيث لا يشترط الاتفاق معها، أو عند نهاية الشط في رأس البيشة حيث يقتضي الاتفاق معها، بإقامة سدٍّ مشترك ينتفع به البلدان.
معلوم أنه وحتى بداية الحرب مع إيران كانت الحفارات العراقية تعمل على تنظيف كل شط العرب(180كم) من الاطيان والغرين طوال السنة، لتأمين الملاحة فيه، ووصول البواخر الكبيرة الى ميناء المعقل، يوم كان الشط منفذاً وحيداً للتجارة البحرية. الآن، ومع التطور والصناعة والأفكار الهندسية لم يعد هناك عائقٌ فني، إذْ كل المعالجات متوفرة لكن بتوفر الإرادة، لكن، ما يؤسف له أن لا إرادة ولا إدارة في هذه البلاد.