منذ سنين ونحن نعيش مع صولة قانون "المساءلة والعدالة"، وكان قبل هذا يسمى "الاجتثاث"، ولا يزال البعض ينادي باعتبار معظم العراقيين من "العهد المباد"! ويجب إبادتهم. وأن أمامهم طريقان، إما الاجتثاث أو التسبيح بحمد الطبقة السياسية، واعلاء شأن البروفيسور "ريان الكلداني".
اليوم يصرّ البعض على أن يمارس مع هذا الشعب المغلوب على امره لعبة ساخرة، مصراً على اعتبار المواطن فاقداً للذاكرة. ففي موقف غريب ومثير للتساؤل نشرت انباء عن قرار مفوضية الانتخابات استبعاد نجم الجبوري، وهو قائد عسكري معروف قاتل ضد "داعش"، ثم أصبح محافظًا لنينوى، وكان الجبوري قد استبعد في الانتخابات السابقة بحجة قانون المسألة والعدالة، وهذه المرة تغيرت الحجة وتغير معها السبب حيث اخبرتنا المفوضية ان ابعاد نجم الجبوري بسبب "قضايا فساد" تتعلق بالمال العام. وربما يسأل صحفي غشيم مثلي إذا كان الجبوري متهم بقضايا فساد لماذا لا يُقدم للمحاكمة؟ وبسبب قانون الاجتثاث اخبرتنا المفوضية ان رئيس جهاز مكافحة الإرهاب السابق، عبد الغني الأسدي، وفي سيرة الأسدي نقرا ان الرجل تولى عام 2021 منصب محافظ ذي قار، ثم اصبح مستشار الأمن الوطني، فهل يعقل ان بعد كل هذه المناصب المهمة والخدمة التي قدمها لوطنه العراق تكتشف مفوضية الانتخابات ان الاسدي مشمول بقانون الاجتثاث.
بماذا تذكرك هذا عزيزي القارئ مثل هذه القرارات القرقوشية؟.
ونحن نتابع صولات الاجتثاث ننظر جيداً إلى قائمة السياسيين ونكتشف أين تختبئ مأساتنا، ومن يحمل الأفكار الطائفية والإقصائية، وكيف أن العديد من سياسيي ما بعد 2003 ينطبق عليهم قانون الاجتثاث، ومثلما تطالبنا الجهات السياسية بعدم المساس والاقتراب من "الرموز الوطنية"، أطالب أنا العبد الفقير لله، بتطبيق المادة السادسة من قانون الاجتثاث على معظم الذين تسببوا بخراب العراق وتعطيله، وهي المادة التي جاء فيها: "يطبّق القانون على جميع الأحزاب والكيانات والتنظيمات السياسية التي تنتهج أو تتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو تحرّض عليه أو تمجّد له أو تتبنّى أفكاراً أو توجّهات تتعارض مع مبادئ الديمقراطية".
22 عاماً ومازلنا نبحث عن التوافق والمصالحة، وذهاب جهود وزير المصالحة الوطنية الأسبق عامر الخزاعي مانديلا العراق هباءً، ما زال تأثير الطائفية والمحسوبية والانتهازية أقوى من الديمقراطية والحرية، ما زلنا ننتظر وزراء يخرجون "حصراً" من معاطف الأحزاب، ولا يهمّ أن يكون الوزير نزيها او مقتدرا.
ان هذه البلاد تحتاج الى حوار حقيقي يهدف إلى إغلاق ملف الماضي وفتح نوافذ جديدة للمستقبل، إلا أن ما نراه أمامنا من سلوكيات سياسية وحزبية تقول إننا ابعد ما نكون عن مفهوم التسامح والمصالحة. وبالتاكيد علينا ان لا ننسى رائدة التسامح في العراق عالية نصيف التي لا تزال صامدة في وجه كل القوانين.