هل سنسمح بخنق التعليم الحكومي في العراق؟
بقلم : د. محمد الربيعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لقد اصبح تنامي الجامعات والكليات الاهلية في العراق ظاهرة مقلقة تشبه انتشارا متسارعا يهدد جوهر التعليم العالي. فلم تعد هذه المؤسسات مجرد خيار مكمل، بل باتت تهيمن على المشهد التعليمي، وتستحوذ على اعداد متزايدة من الطلاب، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل التعليم الحكومي المجاني.

ان هذا التوسع غير المسبوق للتعليم الاهلي يتزامن مع سياسات خصخصة التعليم الحكومي، من خلال برامج التعليم الموازي والمسائي. هذا التوجه ينذر بمستقبل قد يصبح فيه العراق من الدول القليلة التي يحرم ابناؤها من حق التعليم المجاني. ففي ظل تحالف مصالح مشبوهة بين اصحاب رؤوس الاموال الفاسدة والمسروقة وبعض قيادات الاحزاب، يتم انشاء هذه الجامعات الجديدة بوتيرة متسارعة، مستغلين بذلك حاجة المجتمع للتعليم.

ذريعة "التكامل" ومراوغة الواقع

قد يبرر البعض هذا التوسع بان التعليم الاهلي اصبح ضرورة ملحة لاستيعاب الاعداد الهائلة من الطلاب التي لا تستطيع الجامعات الحكومية استيعابها بمفردها. لكن هذا التبرير يحمل في طياته تناقضا صارخ. لماذا توقف التعليم الحكومي عن التوسع؟ لماذا توقف بناء جامعات جديدة او زيادة القدرة الاستيعابية لحد ما للموجود منها؟ ولماذا ترك المجال على مصراعيه للتعليم الاهلي ليأخذ دورا قياديا ويتوسع بلا حسيب او رقيب، بينما يراوح التعليم الحكومي في مكانه، جامدا وغير قادر على مواكبة التطور؟

ان هذا الجمود الحكومي ليس محض صدفة، بل هو نتيجة تجاهل متعمد او تواطؤ صريح يهدف الى افساح المجال امام الاستثمار الخاص في قطاع التعليم. وهكذا، يتحول التعليم من حق اساسي الى سلعة تباع وتشترى، مما يهدد بمستقبل تقسم فيه الفرص التعليمية بناء على القدرة المالية، لا على الكفاءة او الاستحقاق.

السبيل للانقاذ

لقد اثبت التاريخ القريب ان المطالبات الشعبية يمكن ان تحدث فرقا. ففي الماضي، كانت الضغوط المطالبة بانشاء جامعات حكومية في مناطق خارج مراكز المحافظات قد اجبرت الدولة على الاستجابة، ونشأت جامعات مثل سومر والفلوجة وتلعفر والحمدانية والشطرة. فلماذا توقفت هذه المطالبات الحيوية اليوم؟

ان الحل لمواجهة هذا "السرطان" الذي ينهش جسد التعليم الحكومي يكمن في عودة المطالبات الشعبية بقوة. يجب على السلطات المحلية في كل انحاء العراق، بدعم من الجماهير المطالبة بأنشاء جامعات وكليات حكومية جديدة في مراكز الاقضية وفي كل منطقة تظهر حاجة لذلك. الاهم من ذلك، يجب المطالبة بزيادة اعداد المقبولين في الجامعات الحكومية المجانية، وتوسيع طاقتها الاستيعابية بشكل جذري وواسع، لجعلها قادرة على استيعاب الاعداد الهائلة من الطلاب وعلى المنافسة العددية والحقيقية للجامعات الاهلية. التعليم الاهلي ليس مكملا للتعليم الحكومي لان الاول مجاني والثاني تجاري، ففي الاول تدرس وتنجح لتأخذ الشهادة اما في الثاني فتدفع الاجور لتأخذ الشهادة.

علاوة على ذلك، ينبغي العمل على وقف الزيادة العشوائية في الجامعات الاهلية وتحويلها تدريجيا الى مشاريع غير ربحية تخدم المجتمع بدلا من تحقيق الارباح الطائلة على حساب مستقبل الشباب.

اجعلوا التعليم اولوية انتخابية

ندعو الجماهير في الاقضية والنواحي ومجالس المحافظات الى الضغط المستمر من اجل توسيع التعليم الجامعي الحكومي في مناطقهم. يجب ان يصبح هذا المطلب اولوية قصوى عند انتخاب اي مرشح لمجلس النواب. فمستقبل الاجيال القادمة، ونهضة العراق ككل، يعتمدان على وجود نظام تعليمي حكومي قوي ومجاني ومتاح للجميع. لا تدعوا ثروات العراق تسرق مرتين: مرة من خزينة الدولة، ومرة اخرى من عقول ابنائها.

* بروفسور متمرس ومستشار دولي

  كتب بتأريخ :  الإثنين 18-08-2025     عدد القراء :  45       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced